واشنطن تخشى تداعيات طائفية للحضور العسكري الإيراني في العراق

الجنرال ديمبسي: طهران تدعم ثلثي القوات المشاركة في عمليات صلاح الدين

واشنطن تخشى تداعيات طائفية للحضور العسكري الإيراني في العراق
TT

واشنطن تخشى تداعيات طائفية للحضور العسكري الإيراني في العراق

واشنطن تخشى تداعيات طائفية للحضور العسكري الإيراني في العراق

أبدى وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في إفادته أمام مجلس الشيوخ مساء أول من أمس مخاوفه من أن تشعل معركة تكريت الفتنة الطائفية في العراق. وقال كارتر في إفادته أمام لجنة القوات المسلحة إنه «مع تقدم عملية استعادة الحكومة العراقية للأراضي علينا التأكد من أن الحملة تتم بطريقة غير طائفية»، مشيرا إلى أن واشنطن تراقب عن كثب سير الحملة وقال: «آمل ألا تطل الطائفية برأسها القبيح».
وأثار السيناتور الجمهوري جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة، موضوع النفوذ الإيراني في العراق وسأل كارتر: «هل أنت قلق من قدرة إيران على السيطرة على الحرب»، فرد وزير الدفاع: «أنا أنظر إلى ذلك بقلق شديد ونهجنا في مكافحة (داعش) في العراق هو العمل مع قوات الأمن العراقية والحكومة المتعددة الطوائف التي تتخذ نهجا غير طائفي لهزيمة (داعش)». وأضاف: «الطائفية هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، لذا فإنني أنظر إلى ذلك بقلق ونراقب الأوضاع عن كثب».
من جهته، اعتبر رئيس أركان الجيش الأميركي، الجنرال مارتن ديمبسي، أن إيران يمكن أن يكون لها دور إيجابي في الهجوم لاستعادة مدينة تكريت طالما لم يؤد التدخل الإيراني إلى توترات مع السنة. واعترف ديمبسي في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أن ما تقدمه به إيران من مساعدة للميليشيات الشيعية في العراق ليس جديدا لكن مع إطلاق هجوم القوات العراقية لاستعادة تكريت هذا الأسبوع تم الإعلان عن التدخل الإيراني، واعتبره ديمبسي الأكثر وضوحا في العراق منذ عام 2004. وقال ديمبسي: «لقد كانت إيران ووكلاؤها داخل العراق منذ عام 2004 لكن هذه التحركات من الدعم الإيراني هي الأكثر علنية وجاءت في شكل مساعدات بالمدفعية وقاذفات الصواريخ الثقيلة وغيرها من المساعدات»
وأوضح رئيس أركان الجيش الأميركي أن ثلث القوات المشاركة في عملية تكريت هي من الفرقة الخامسة في الجيش العراقي والثلثين الباقيين من قوات الحشد الشعبي المشكلة من الميليشيات المدعومة من إيران. وقال: «إذا تصرفت هذه القوات بطريقة نزيهة وأعادت المدينة إلى أهلها فإن ذلك سيكون له تأثير إيجابي».
وردا على سؤال حول وجود الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري في محافظة صلاح الدين، قال ديمبسي: «لقد رأيت صوره بنفسي وأجهزة الاستخبارات تعمل الآن للتحقق مما إذا كان موجودا هناك في تكريت أم لا».
وبعد الجلسة أصدر السيناتور ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة، والسيناتور ليندسي غراهام، وهو أيضا جمهوري، بيانا حذرا فيه إدارة الرئيس باراك أوباما من التهديدات التي يشكلها تزايد النفوذ الإيراني في العراق، وأشارا إلى أن دعم طهران للفصائل الشيعية قد يعرقل جهود الحرب ضد «داعش».
ونادرا ما يناقش القادة العسكريون الأميركيون أنشطة إيران في العراق بشكل علني، وقد شدد كل من كارتر وديمبسي على عدم وجود أي تنسيق مع طهران لمواجهة تنظيم داعش.
وقال مصدر عسكري بوزارة الدفاع الأميركية إن مشاركة الميليشيات المدعومة من إيران في عملية تكريت تهدف إلى وقف «داعش» وتأمين مدينة سامراء التي تضم مرقدين مقدسين لدى الشيعة، مضيفا أن تحرير المدينة قد يتم من دون دعم من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.