بوريل يطلق إنذار الفرصة الأخيرة... الحكومة أو العقوبات

TT

بوريل يطلق إنذار الفرصة الأخيرة... الحكومة أو العقوبات

دخلت أزمة تشكيل الحكومة في مرحلة جديدة غير تلك المرحلة التي سبقت لقاءات الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مع القيادات اللبنانية المعنية بتشكيلها التي أدلت بمرافعات في معرض دفاعها عن موقفها ورمي مسؤولية تأخير ولادتها على الآخرين من خصومهم السياسيين، فيما حرص الموفد الأوروبي على إبلاغهم بأن الاتحاد لن يبقى متفرجاً على انهيار لبنان وقرر أن يتدخل في الوقت المناسب بعد أن نفد صبره وانتظروا منه الموقف الحاسم الذي سيتخذه في اجتماعه الاستثنائي غداً (الاثنين).
ونقلت مصادر مقربة من بعض القيادات التي التقاها بوريل في مهمته الاستقصائية تمهيداً لرفع تقريره المفصّل إلى زعماء الاتحاد الأوروبي قوله إن الاتحاد سيضع النقاط على الحروف ولن يتخلى عن مساعدة لبنان لمنعه من الانهيار استجابة للمبادرة التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خصوصاً أنه أعطى الفرصة للمعنيين للتفاهم على تشكيل الحكومة، لكنهم لم يتوصلوا إلى تفاهم، وهذا ما يستدعي التشدُّد، في إشارة منه إلى العقوبات الأوروبية التي تستهدف من يثبت أنه لا يزال يعرقل تشكيلها.
وكشفت أن بوريل حرص على التدقيق في بعض الطروحات التي ما زالت تعطل تشكيل الحكومة، وسأل في هذا السياق عن صحة ما يقال بأن رئيس الجمهورية ميشال عون يريد الثلث الضامن في الحكومة مع أنه «نفى لدى اجتماعي به وجود نية لديه للحصول على الثلث»، مؤكداً في الوقت نفسه إصراره على تشكيل الحكومة.
وقالت إن بوريل سمع من الآخرين ما يدحض أقوال عون بذريعة أنه يصر على تسمية الوزيرين المسيحيين، ما يرفع حصته من 8 وزراء في حكومة من 24 وزيراً إلى 10 وزراء، وإلا كيف ينفي مطالبته بهذا الثلث وإن كان لا يطالب به مباشرة إنما بالتفافه على تسمية الوزيرين؟
وقيل لبوريل - بحسب المصادر - إن عون يقول إنه مع تشكيل الحكومة لكن هذا لا يُصرف في مكان، وإلا كيف يوفّق بين تأييده لها وامتناع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عن منحها الثقة؟ وهل يمكن لعون الحصول على كل شيء ولا يمون على صهره؟ أم أن الحكومة ستكون خاضعة للعبة توزيع الأدوار؟ كما قيل لبوريل إن عون بخلاف الدستور لا يجيز لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تسمية الوزراء مع أنه يعطيه هذا الحق، لأن حكومته هي المسؤولة أمام البرلمان وتخضع لمحاسبته ويعود لعون مطلق الصلاحية في التوقيع على التشكيلة أو رفضها.
وفي هذا السياق، توافق الرئيس نبيه بري مع بوريل على أن أزمة تشكيل الحكومة داخلية وهي من صناعة وطنية وكان سبق له أن أعلن موقفه في هذا الخصوص مراراً، والدليل على ذلك أن مبادرته قوبلت بتأييد محلي وعربي ودولي. بدوره، أكد مصدر أوروبي أن إيفاد بوريل إلى بيروت جاء ليؤكد أن المبادرة الفرنسية ما زالت قائمة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الموفد الأوروبي حمل معه رسالة قاسية إلى الطبقة السياسية تضع من فيها أمام خيارين «الجزرة» في حال انصياعهم بلا شروط باتجاه تشكيل الحكومة، أو «العصا» التي تستهدفهم بفرض عقوبات على من يعرقلها، مشيراً في الوقت نفسه إلى التواصل بين طهران وباريس طلباً لمساعدة إيران لتسهيل ولادة الحكومة والعمل على رفع الشروط التي تعيقها.
وكشف أن واشنطن تربط رفع العقوبات الشاملة على طهران باستعدادها لتحسين سلوكها في المنطقة بوقف دعمها للميليشيات الحليفة لها التي تعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة ومن بينها لبنان، وقال إنها طمأنت قيادات لبنانية بأن العودة إلى الاتفاق النووي لن تكون على حساب لبنان لتحويله إلى منطقة نفوذ إيرانية.
ولفت المصدر إلى أن سعي الاتحاد الأوروبي لإنقاذ لبنان سيؤدي إلى إقفال الباب على من يراهن أن المجتمع الدولي لم يعد يهتم بلبنان بعد أن فقد ثقته بالطبقة السياسية وبات لا يعترض على تركه يواجه مصيره لوحده وصولاً إلى انهياره ليعاد تركيبه مجدداً.
لذلك، فإن المجتمع الدولي قال كلمته بمنع لبنان من الانهيار، وهو يبدي كل استعداد لمساعدته انطلاقاً من تقديره بأن هناك صعوبة في إعادة تركيبه ما لم يؤخذ بشروط «حزب الله» الذي يتمتع بفائض من القوة لن يتصرف به كأنه «جمعية خيرية»، وإنما سيطالب بثمن سياسي قد يؤدي إلى إعادة النظر في نظامه المعمول به حالياً.
ويبقى السؤال: هل يبادر من هم في الداخل إلى مساعدة أنفسهم؟ وهذا ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إيفاد بوريل لبيروت لعل المنظومة الحاكمة والطبقة السياسية تراجع مواقفها بدءاً برئيس الجمهورية ميشال عون والفريق السياسي المحسوب عليه، خصوصاً أن انضمام الوزيرة السابقة ندى البستاني إلى لقاء باسيل بالسفيرة الفرنسية طرح أكثر من سؤال حول ملف الكهرباء ولم يسبق لها أن شاركت في اجتماعات سياسية.
وعليه، فإن بوريل الذي لم يُسقط اجتماعه بالحراك المدني من جدول لقاءاته تمكّن من حشر المعنيين بتشكيل الحكومة في الزاوية لتفادي شمولهم بالعقوبات، وبات يتعذّر عليهم المراوحة لكسب الوقت، خصوصاً أن حضوره أدى إلى إنعاش المبادرة التي طرحها الرئيس نبيه بري وتلقى تأييداً من الرئيس المكلف سعد الحريري، فهل تتبدّل الأجواء السياسية لتلاقي الاجتماع الأوروبي الطارئ في إطلاقه الضوء الأخضر للإفراج عن الحكومة؟ أم أن من يعرقلها سيلقى العقوبات التي تنتظره؟ فهل تأخذ الطبقة السياسية بالتهديدات التي أطلقها بوريل، وهي أقرب إلى التهديدات التي كانت صدرت عن وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان؟ ويبقى السؤال: إما السير بحكومة إصلاحية لسحب العقوبات من التداول، وإلا فإنها باتت جاهزة وتنتظر من الاتحاد الأوروبي إصدارها، خصوصاً أن لا تمديد أوروبياً للمهلة التي حددها بوريل لولادتها والتي هي بمثابة إنذار الفرصة الأخيرة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.