باباجان ينتقد صمت إردوغان على اتهامات زعيم للمافيا لوزير داخليته

اعتقال عشرات العسكريين بدعوى الارتباط بجماعة غولن

TT

باباجان ينتقد صمت إردوغان على اتهامات زعيم للمافيا لوزير داخليته

انتقدت المعارضة التركية صمت الرئيس رجب طيب إردوغان، إزاء مزاعم تورط عدد من المسؤولين، في مقدمتهم وزير الداخلية سليمان صويلو، في وقائع فساد وجرائم مختلفة وارتباطهم مع عصابات المافيا، التي فجرها زعيم المافيا الهارب سادات بكر على مدى أسابيع.
وقال باباجان، خلال حضوره إحدى فعاليات حزبه أمس، «ألن تقول وتعترف بأن الشخص الذي كلفته بضمان الأمن الداخلي للبلاد، لديه مشكلة أمنية؟ هل ستستمر في عنادك أم أنك لا تتحرك». وتابع باباجان: «لا أفهم كيف يتحمل السيد الرئيس عبء الوزير المذكور اسمه وسط تلك الادعاءات، من الممكن أن تكون هناك أشياء مختلفة مع استمرار هذا المسلسل». ودان باباجان الهجوم الذي استهدف، الخميس الماضي، مقر حزب الشعوب الديمقراطية المعارض (مؤيد للأكراد)، في مدينة إزمير (غرب)، وأسفر عن مقتل موظفة الحزب دنيز بويراز، قائلاً: «لقد حولوا تركيا إلى بلد ترتكب فيه جرائم القتل في وضح النهار، يجب أن تتخذوا موقفاً حازماً على الفور ضد العنف السياسي. لقد سمعنا صرخاتكم كثيراً، يمكنكم أن تقوموا بذلك عندما تشاءون، إذن فلتسحبوا تلك العصابات». بدوره حمل المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، فائق أوزتراك، حكومة إردوغان، المسؤولية عن الهجوم الذي استهدف حزب الشعوب الديمقراطية، الذي أودى بحياة شابة بريئة، قائلاً: «في السنوات الثلاث الماضية (منذ تطبيق النظام الرئاسي)، تزايد الاستقطاب والتوتر في حياتنا السياسية. لغة التهديد تستهدف السلام الاجتماعي وحرياتنا. أزمة الدولة تزداد سوءاً. زادت الأيدي السوداء من هجماتها الفعلية على الصحافيين والسياسيين والمراكز السياسية منذ فترة من الوقت».
على صعيد آخر، أطلقت قوات الأمن التركية، أمس، حملات أمنية متزامنة في 17 ولاية، لضبط 52 من الجنود الحاليين، وطلاب عسكريين سابقين للاشتباه بانتمائهم لحركة «الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن، بموجب قرارات توقيف صدرت في إطار تحقيقات تجريها النيابة العامة بمدينة إسطنبول. ومن بين المطلوبين 6 أشخاص برتب ضباط صف ورقباء، ما زالوا في الخدمة بصفوف القوات المسلحة، و46 طالباً عسكرياً تم فصلهم من قبل من الأكاديميات التي يدرسون بها بالتهمة نفسها.
في الوقت ذاته، طالب الادعاء العام بالعاصمة أنقرة محكمة الجنايات العليا بسجن نجل شقيق فتح الله غولن، لمدة 22 سنة و6 أشهر بدعوى مشاركته في محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو (تموز) 2016. وجلبت المخابرات التركية صلاح الدين غولن من كينيا رغم قرار قضائي يمنع تسليمه، ما فجر انتقادات حقوقية تدين العملية.
وأصدر كمال غولن، الأخ الأكبر للمتهم، بياناً بشأن آخر تطورات قضية شقيقه، قال فيه إنه «أُجبر على التوقيع على بعض الإفادات تحت التعذيب وسوء المعاملة، وعندما ذهب إلى المحكمة لم يقبلوا أي محام من المحامين الذين وكلناهم للدفاع عنه». وتتهم سلطات أنقرة الداعية التركي السبعيني فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية، منذ عام 1999، بتدبير محاولة الانقلاب، وهو ما ينفيه بشدة.
وتشن السلطات التركية بشكل منتظم، منذ وقوع محاولة الانقلاب، حملات اعتقال طالت مئات الآلاف، بتهمة الاتصال بجماعة غولن، فضلاً عن فصل مئات الآلاف من وظائفهم في مختلف مؤسسات الدولة، بمراسيم رئاسية صدرت بموجب حالة الطوارئ التي فرضت لعامين عقب محاولة الانقلاب، وسط انتقادات من حلفاء تركيا الغربيين والمعارضة التركية والمنظمات الحقوقية الدولية التي تقول إن حملات الاعتقال تستهدف لجم أي صوت معارض لإردوغان.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟