مبادرة برّي مستمرة و{أولوية} الحريري تأليف الحكومة

TT

مبادرة برّي مستمرة و{أولوية} الحريري تأليف الحكومة

عاد الهدوء بين رئاستي الجمهورية ومجلس النواب في لبنان، بعد حرب البيانات التي اندلعت بينهما على خلفية تأخر تأليف الحكومة، وسط دعوات إلى التسوية والإسراع بتشكيل حكومة والتمسك بمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي لا تزال قائمة رغم حرب البيانات والتصريحات التي تبادلها فريقه السياسي وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون، خلال الأيام الماضية.
وأعلن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، على حسابه بـ«تويتر»، أمس، أن عملية تأليف الحكومة هي أولوية مع بقاء اعتذاره عن عدم التكليف خياراً مطروحاً إذا كان يسهل ولادة حكومة جديدة.
وقال الحريري إن «الأولوية هي للتأليف قبل الاعتذار، الذي يبقى خياراً مطروحاً، وهو ليس هروباً من المسؤولية بقدر ما هو عمل وطني، إذا كان يسهّل عملية تأليف حكومة جديدة، يُمكن أن تسهم في إنقاذ البلد».
ورأى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أنه لا يمكن الاستمرار في حالة الانتظار من قبل بعض المسؤولين وحالة البلاد تتراجع في كل يوم في غياب الحكومة، مضيفاً في تغريدة له أنه «آن الأوان لجعل التسوية فوق كل اعتبار بعيداً عن الحسابات الشخصية الضيقة». وشدد جنبلاط على أن مبدأ التسوية ليس بدعة، بل هو أساس في الحياة وأن الحقد يقتل صاحبه أولاً.
بدوره، أكد المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان على ضرورة الخروج من دائرة الحسابات الضيقة والمحاصصات، لأن مَن يريد لبنان كل لبنان ولكل اللبنانيين لا يطالب بحصة ولا يقبل بحصة ويدفع باتجاه تأليف حكومة لونها الوحيد «كيف ننقذ لبنان»، معتبراً أن المعرقلين والمعطلين باتوا مكشوفين وهم الذين يرفضون المبادرات، ويتلطون ويتذرعون بالحجج التي لم تعد تنطلي على أحد.
وفي الإطار، اعتبر عضو كتلة «التنمية والتحرير» (تضم نواب حركة أمل) النائب علي خريس أن بري وفريقه السياسي يسعون دائماً إلى التهدئة والتسوية بما يخدم مصلحة البلد الذي تسوء حالته يوماً بعد يوم، مؤكداً، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن مبادرة بري لا تزال مستمرة، فهي انطلقت بهدف تشكيل حكومة، ولاقت ترحيباً داخلياً وخارجياً، ولكن ما يحدث اليوم هو نتيجة تعنت البعض في وضع لا يحتمل أبداً «الحرتقات».
وإذ رأى خريس أنه لا يمكن أن يقف البلد من أجل أشخاص، في إشارة إلى صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل، شدد على أن التمسك بالمبادرة ينطلق من حرص رئيس مجلس النواب على البلد، قائلاً: «في نهاية المطاف نحن نريد أن نأكل العنب لا أن نقتل الناطور، ولكن ننتظر بعض الناس ليستيقظوا من غيبوبتهم»، من دون أن يستبعد تدخل أفرقاء معينة على خط التهدئة.
ويؤكد مصدر متابع لسير مبادرة بري أنه من الواضح أن هدوء ما بعد حرب البيانات هو نتيجة تحرك ما على مستوى دائرة مصغرة وبعيداً من الأضواء، مضيفاً، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن بري منفتح على أي جهد يثمر حكومة ضمن المبادرة الفرنسية.
وفيما يرجح أن يكون حزب الله هو الفريق الذي تدخل على خط التهدئة باعتباره حليف الطرفين (برّي وعون) تؤكد مصادر مقربة من الحزب أن الحزب لم يتدخل على خط التهدئة بين عون وبري، وذلك لأن «الأمور هدأت وحدها، فهي وصلت إلى القمة، ومن ثم عادت إلى هدوئها».
أما فيما خص استمرار مبادرة بري، فأشار المصدر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المبادرة بالنسبة لبري لا تزال قائمة، وبالتالي هي قائمة بالنسبة لـ«حزب الله» أيضاً، ولكن يجب أن لا ننسى أن هناك طرفاً أساسياً يوجه له السؤال. وكانت كتلة «حزب الله» النيابية أكدت أن تشكيل الحكومة في لبنان يبقى هو التدبير الأول الذي يتوقف عليه تقرير الحلول والإجراءات التي من شأنها وقف التردي المتدحرج، وأن التنازلات المتبادلة ضرورة حاكمة على الجميع، وليست منقصة لأحد، في حين أن التصلب سيؤدي إلى تعطيل الحلول وتعقيد المعالجات، وإضاعة الفرص الثمينة على الوطن والمواطنين.
واعتبر مصدر مطلع على مواقف رئيس الجمهورية أن الرئاسة ليست - ولم تكن يوماً - من هواة حروب البيانات، وهي لم تبدأ أي تصعيد لتبادر إلى تهدئته ولم ترفض مبادرة بري يوماً.
وأشار المصدر إلى أن المبادرة لا تزال قائمة ولو بنسخة ثالثة لم يطلع على مضمونها الرئيس عون حتى اللحظة، فهو لم يتلقَّ أي اتصال من أي طرف معني بهذا الخصوص، ولكنه منفتح على كل الحلول طالما تحترم الدستور.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.