بدء محاكمة «تسارناييف» بعد عامين على تنفيذ «هجوم بوسطن»

سيحضر الجلسات كثير من عائلات الضحايا الذين يريدون كشف ملابسات الاعتداءين * اختيار المحلفين الـ12 و6 بدلاء استغرق شهرين

جوهر تسارناييف الشاب المسلم الشيشاني الأصل المتهم بتنفيذ «هجوم بوسطن» (21 عاما) الحاصل على الجنسية الأميركية في 2012 خلال جلسة سابقة أمام محكمة فيدرالية (أ.ب)
جوهر تسارناييف الشاب المسلم الشيشاني الأصل المتهم بتنفيذ «هجوم بوسطن» (21 عاما) الحاصل على الجنسية الأميركية في 2012 خلال جلسة سابقة أمام محكمة فيدرالية (أ.ب)
TT

بدء محاكمة «تسارناييف» بعد عامين على تنفيذ «هجوم بوسطن»

جوهر تسارناييف الشاب المسلم الشيشاني الأصل المتهم بتنفيذ «هجوم بوسطن» (21 عاما) الحاصل على الجنسية الأميركية في 2012 خلال جلسة سابقة أمام محكمة فيدرالية (أ.ب)
جوهر تسارناييف الشاب المسلم الشيشاني الأصل المتهم بتنفيذ «هجوم بوسطن» (21 عاما) الحاصل على الجنسية الأميركية في 2012 خلال جلسة سابقة أمام محكمة فيدرالية (أ.ب)

تبدأ محاكمة جوهر تسارناييف، المتهم بتنفيذ «هجوم بوسطن»، اليوم، في هذه المدينة الواقعة شمال شرقي الولايات المتحدة، بعد نحو سنتين من الحادثة، التي خلفت 3 قتلى و264 جريحا، أثناء ماراثونها الشهير. ويواجه تسارناييف، 21 عاما، الشاب المسلم الشيشاني الأصل، الذي حصل على الجنسية الأميركية، في 2012، عقوبة الإعدام في قضية الاعتداء المزدوج الأخطر، منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة، إذ تم تفجير قنبلتين يدويتي الصنع مخبأتين في حقيبتي ظهر قرب خط الوصول لماراثون، مما أشاع الرعب بين عشرات الآلاف من المشاهدين المحتشدين حول مساره.
ومن المقرر تلاوة محاضر الاتهام ثم الدفاع، اليوم، في جلسة الافتتاح في المحكمة الفيدرالية بعد الانتهاء من تشكيل هيئة المحلفين، ويتوقع أن تستمر المحاكمة المرتقبة بشغف، حتى يونيو (حزيران) المقبل. وفشلت محاولة الدفاع بكل قواه لنقل المحاكمة إلى مدينة أخرى، حيث يعتبر من المستحيل تشكيل هيئة محلفين محايدة في مدينة تعد 650 ألف نسمة ما زالت تحت وقع ذلك الهجوم المزدوج. لكن القاضي المكلف جورج أوتول رفض 3 مرات ذلك. كما رفضت محكمة استئناف بدورها طلبا مماثلا الجمعة الماضي. إلا أن الدفاع لم ييأس؛ إذ تقدم بطلب رابع أول من أمس يرى الخبراء أنه سيلقى المصير نفسه. وينتظر أن يحضر المحاكمة الكثير من عائلات الضحايا الذين يريدون كشف ملابسات الاعتداءين، علما بأن نحو 15 جريحا بترت أعضاؤهم، كما أن هناك طفلا في الثامنة في عداد القتلى.
ولا تزال هناك ظلال كثيرة تحيط بالتحضيرات لتنفيذ الاعتداءين وحول شخصية المتهم صاحب الشعر الكث الأشعث والقامة الهزيلة الذي كان طالبا في 2013 وكان يبدو مندمجا في المجتمع.
وبحسب الاتهام، فقد قام بإعداد الاعتداءين مع شقيقه الأكبر تيمورلنك الذي كان عمره 26 عاما في تلك الآونة وقتل ليل 18 - 19 أبريل (نيسان) 2013 في ووترتاون بضاحية بوسطن أثناء تبادل إطلاق نار مع الشرطة. وقبل ذلك قتل الأخوان الهاربان شرطيا.
أما الدفاع، فقرر وصف تيمورلنك بأنه هو القائد والمتآمر الرئيسي الذي اعتنق أفكارا متشددة ومن دونه لما كان حصل شيء. ويأمل التمكن من مناقشة ذلك في المرحلة الأولى من المحاكمة وليس الثانية حيث ستتقرر أي عقوبة تنزل به.
وقد تم توقيف جوهر تسارناييف مساء 19 أبريل بعد عملية مطاردة شرسة. وعثر عليه مختبئا في مركب موضوع بحديقة في ووترتاون وكان مصابا بجروح خطرة وكتب على أحد جدران المركب: «الحكومة الأميركية تقتل مدنيينا الأبرياء، نحن المسلمين نقف صفا واحدا، فإن آذيتم أحدا منا فإنكم تؤذونا جميعا. توقفوا عن قتل أبريائنا، وسنتوقف».
وقد طلب محاموه أول من أمس أن ينقل المركب الملطخ بالدماء إلى المحكمة لتراه هيئة المحلفين. واعتبر المدعون العامون أن نسخة عن الرسالة كافية.
واستغرق اختيار المحلفين الـ12 و6 بدلاء لهذه المحاكمة شهرين، فيما توقع القاضي في البداية 3 أسابيع.
ودعي أكثر من 1300 شخص مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي إلى المحكمة لملء استمارة. ثم استجوب نحو 250 شخصا انفراديا بعد ذلك، وأبقي نحو 60 منهم ليتم اختيار أعضاء هيئة المحلفين أمس من بينهم. وقد تباطأت عملية الاختيار بسبب عواصف ثلجية عدة بقيت أثناءها المحكمة مغلقة.
وحتى قبل افتتاح المحاكمة، فإن مسألة عقوبة الإعدام ماثلة في كل الأذهان.
والمحامية جودي كلارك في هيئة الدفاع عن تسارناييف متخصصة في عقوبة الإعدام واستطاعت إنقاذ موكلين عدة شهيرين؛ منهم على سبيل المثال إريك رودولف منفذ اعتداء الألعاب الأولمبية في أتلانتا في 1996، وتيد كازينسكي الملقب بـ«يونابومبر» منفذ سلسلة عمليات تفجير لطرود على مدى 18 عاما، وأيضا جاريد لوفنر الذي نفذ عملية إطلاق نار أصيبت خلالها غابرييل غيفوردز العضو في الكونغرس بجروح خطرة في 2011. وجميع هؤلاء اعترفوا بذنبهم في لحظة ما مقابل التخلي عن عقوبة الإعدام. وقد حكم عليهم بالسجن المؤبد.
أما تسارناييف المعتقل في شبه عزلة منذ إلقاء القبض عليه، فدفع ببراءته من التهم الثلاثين الموجهة إليه ومنها استخدام سلاح دمار شامل تسبب بالموت، واعتداء في مكان عام، لكن من الممكن أن يقرر في أي لحظة الاعتراف بذنبه.
إلى ذلك، أعلن مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) في فلوريدا أول من أمس أنه سيلاحق قضائيا مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) الذي قتل أحد عناصره صديقا للأخوين تسارناييف منفذي هجوم بوسطن.
وقالت هذه المنظمة المدافعة عن الحقوق المدنية إنها وجهت مذكرة إلى الشرطة الفيدرالية بعد «الموت التعسفي» لإبراهيم توداشيف الذي قتل خلال استجوابه في 2013 على هامش اعتداءات بوسطن. وتشكل هذه المذكرة خطوة أولى قبل أن ترفع المنظمة شكوى رسمية. وأفلت عنصر «إف بي آي» الذي قتل المشبوه الشيشاني الأصل، من الملاحقات القضائية.
وقالت المنظمة في مذكرتها: «في نحو منتصف الليل وبعد استجواب دام 5 ساعات، قتل العميل (أهارون) ماكفارلين توداشيف. أطلق عليه 7 رصاصات، وتوداشيف لم يكن مسلحا ولم يكن يحمل سكينا أو متفجرات أو أي سلاح قاتل آخر». وتابعت المنظمة أن توداشيف «لم يكن يهدد بإصابة العميل أو أي شخص آخر بجروح خطيرة، ومع ذلك لم يقدم أي تبرير يفسر وفاته».
وقالت مديرة قسم الحقوق المدنية في المنظمة في فلوريدا تانيا دياز كليفنجر: «نريد أجوبة وإحقاق العدل لشخص قتل بسبع رصاصات أطلقها عنصر من (إف بي آي) بعد 7 ساعات من الاستجواب في شقته».
من جهته، قال مكتب التحقيقات الفيدرالي إنه لا يستطيع التعليق على التطورات الأخيرة، وأشار إلى تحقيقين أجريا العام الماضي من قبل وزارة العدل ومكتب المدعي في فلوريدا وأديا إلى تبرئة الشرطة الفيدرالية.
وقتل توداشيف (27 عاما) في 22 مايو (أيار) 2013 بعد استجوابه ساعتين من قبل عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي في شقته في أورلاندو بينما كان يحاول مهاجمة محقق. وقبيل مقتله اعترف توداشيف بتورطه بجريمة قتل 3 أشخاص ارتكبها في 11 سبتمبر 2011 مع تيمورلنك تسارناييف أكبر الأخوين المتهمين بالاعتداء الذي وقع في بوسطن في 15 أبريل 2013 وأسفر عن سقوط 3 قتلى و264 جريحا.
ومنذ قتله، يؤكد مسؤولو «إف بي آي» أن توداشيف استل سكينا أو حاول الاستيلاء على مسدس أحد رجال الشرطة الفيدرالية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي اهتم بتوداشيف منذ اعتداء بوسطن وقام باستجوابه عدة مرات. وكان هذا الشاب يعرف تيمورلنك تسارناييف.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.