الحريري يدرس خياراته و«لن يكون شريكاً في التعطيل»

لن يستمر بالتكليف إلى ما لا نهاية والبلد ينهار

سعد الحريري (رويترز)
سعد الحريري (رويترز)
TT

الحريري يدرس خياراته و«لن يكون شريكاً في التعطيل»

سعد الحريري (رويترز)
سعد الحريري (رويترز)

يقول مصدر سياسي مواكب للأجواء «القتالية» التي خلفتها الحروب المشتعلة على الصلاحيات وتحديداً بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري إنه من السابق لأوانه الحديث عن استعداد لدى الرئيس المكلف سعد الحريري للتقدّم من عون بتشكيلة وزارية متوازنة من 24 وزيراً رغم أنه كان يدرس بدقة السير في هذا الخيار لكنه عدل بعد أن بادر عون إلى إطلاق النار على مبادرة بري الذي قرر معاودة تشغيل محركاته لعله يُحدث خرقاً يفتح الباب أمام إخراج تأليف الحكومة من المراوحة التي تتخبّط فيها.
ويلفت المصدر السياسي إلى أن عون اختار التوقيت المناسب على الأقل من وجهة نظره لتسديد رمياته الصاروخية باتجاه مبادرة بري التي تحظى بتأييد محلي وأممي، خصوصاً أنه يتبنى المواصفات التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوقف انهيار لبنان، ويكشف لـ«الشرق الأوسط» أن عون كان أُعلم بوجود نية لدى الحريري للتقدّم منه بتشكيلة وزارية ما اضطره إلى وأدها في مهدها بتشجيع من فريقه السياسي المحسوب على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
ويؤكد المصدر نفسه أن كثيرين ممن يواكبون الأجواء المؤيدة لمبادرة بري لم يفاجأوا بقرار عون الرامي للالتفاف عليها، وهذا ما كان يردّده باسيل في مجالسه الخاصة لأنها تشكل إحراجاً له، فيما كان «حزب الله» ينتظر منه التعامل بإيجابية معها.
ويضيف أن الوجه الآخر للحروب المشتعلة حول الصلاحيات التي رعاها عون شخصياً يكمن في أنه بدأ يخطط للدخول في تصفية حساباته مع اتفاق الطائف، رغم أنه يتذرّع من حين لآخر بوثيقة الوفاق الوطني للدفاع عن عناده ومكابرته في إسقاط مبادرة بري بالضربة القاضية مع أنه حرص على عدم ذكره في ورقة التفاهم التي أبرمها مع الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في فبراير (شباط) 2006 باعتبار أنه كان وراء الإطاحة به واضطراره للجوء إلى السفارة الفرنسية.
ويتهم المصدر السياسي عون بأنه يجنح لتطييف الخلاف حول تشكيل الحكومة بذريعة استرداده للصلاحيات المنوطة برئيس الجمهورية في محاولة لإحراج خصومه في الشارع المسيحي وتحديداً حزب «القوات اللبنانية» الذي يُخلي الساحة له انطلاقاً من أن لا علاقة له بالصراع الدائر حول تأليفها، وأن همه الوحيد يكمن بالدعوة إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة لإعادة تكوين السلطة على خلفية أن الأكثرية الحاكمة لم تعد قادرة على مواجهة التحديات المترتبة عن قصورها في التصدي للأزمات المعيشية والاجتماعية، وهو يلتقي في هذا الخصوص مع حزب «الكتائب» الذي يسعى جاهداً ليكون في عداد الحراك المدني المنتفض على الأوضاع الراهنة.
فالهم الأول والأخير لرئيس الجمهورية - كما يقول المصدر السياسي - يبقى في توفير الشروط التي تتيح لوريثه السياسي، أي باسيل، تأمين الاستمرارية لإرثه السياسي بدءاً بإعادة تعويمه، وصولاً إلى تأليف الحكومة لعله يشدّ إليه العصب المسيحي الذي هو في أمس الحاجة إليه مع استعداده لخوض الانتخابات النيابية في موعدها في الربيع المقبل.
كما أن عون لا يزال يخطط للإطاحة بالطائف وليس لاسترداد صلاحياته فحسب، وإنما للمجيء بحكومة تأتي تركيبتها على قياس باسيل، وهذا لن يتأمن له ما لم يضغط على الحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة، مع أنه يدرك سلفاً - كما يقول المصدر - أن لجوءه إلى فتح النار على مبادرة بري أدى إلى سحب اعتذار الحريري من التداول على الأقل في المدى المنظور، إضافة إلى أنه لم يحسن توظيف التسوية التي كان طرحها رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط والتي يحاكي فيها مبادرة بري وراح يتعاطى معها، وكأنه بات أقرب إليه من قربه من الحريري.
وما اللقاء الذي عُقد أخيراً بين بري وجنبلاط في حضور القيادي في «التقدمي» الوزير السابق غازي العريضي إلا بمثابة تأكيد بأنه باقٍ على موقفه بتموضعه إلى جانب حليفه الاشتراكي، وإن كان لا يحبّذ ارتفاع منسوب التأزّم الذي يدفع باتجاه معاودة الاصطفاف المذهبي والطائفي، خصوصاً أن باسيل يقف وراء استعادته، رغم ما أظهره من براءة «ملغومة» - كما يقول المصدر - في دعوته إلى تشكيل حكومة برئاسة الحريري.
كما أن «حزب الله» وإن كان يؤيد مبادرة بري وليس في وارد القبول ببديل عن الحريري لتشكيل الحكومة، فإنه في المقابل أبلغ باسيل - بحسب مصدر قيادي في الثنائي الشيعي - بأنه ليس وسيطاً بينه وبين بري من دون أن يدعوه لمراجعة حساباته، رغم أن الحزب ليس في وارد الاختلاف مع بري حرصاً منه على عدم نقل المعركة إلى البيت الشيعي، ليس بسبب تحالفه الانتخابي مع حركة «أمل» فحسب، وإنما لأن الضغوط الخارجية التي تستهدفه تتطلب منه تحصين هذا البيت.
لكن هناك من يأخذ على الحزب عدم استعداده للضغط على باسيل لأن الأخير سيضطر إلى تنعيم موقفه بتسهيل ولادة الحكومة، وربما يتذرّع بعدم وجود البديل المسيحي الذي يوفر له الغطاء السياسي لسلاحه وإن كان يتعرض باستمرار إلى «طعنات» من قياديين في «التيار الوطني».
وعليه، فإن الحريري لن يبقى صامتاً، ولن يكتفي باستخدام عدم اعتذاره متراساً سياسياً له وهو سيباشر التحرك باتجاه حلفائه وتحديداً مع بري الذي يقف معه بلا حدود، وأيضاً مع رؤساء الحكومات السابقين وآخرين لوضع استراتيجية متكاملة لمواجهة مرحلة ما بعد اشتعال الحروب حول الصلاحيات التي تستفيد منها بعض الرؤوس الحامية، كما يقول المصدر في «التيار الوطني».
ويفترض أن تحمل هذه الاستراتيجية التي يدرسها مع حلفائه وأولهم بري مجموعة من الخيارات للاتفاق على واحد منها بالتنسيق معهم لأن عدم الاعتذار لبعض الوقت قد لا يصلح لكل الوقت، وبات من الضروري أن تسفر عن وضع خطة سياسية لمواجهة إصرار عون ومن خلاله باسيل على تعطيل تشكيل الحكومة.
لذلك فإن الحريري سيعيد تصدير أزمة التأليف إلى عون في حال تمسك الأخير بشروطه التعطيلية، خصوصاً أن بقاء الوضع على حاله سيؤدي حكماً إلى استنزافه تحت وطأة ارتفاع منسوب الجوع والعوز اللذين يدقان أبواب اللبنانيين، ولا تتم معالجته بالحروب حول الصلاحيات وإنما بتوفير الحلول لتمكينهم من البقاء على قيد الحياة، وبالتالي يرفض الحريري كما نُقل عنه أثناء ترؤسه الاجتماع الأخير لكتلة «المستقبل» أنه لن يستمر بالتكليف إلى ما لا نهاية والتفرُّج على انهيار البلد على كل المستويات لأن هذا سيجعل منه شريكاً في التعطيل والانهيار وفي تكريس الفراغ في موقع الرئاسة الثالثة، ويبقى السؤال عن الخيار الذي سيتخذه الحريري، وكيف سيتعامل معه عون الذي يفتقد إلى توفير الغطاء السياسي لمن يخلفه في حال أخذ قراره بالاعتذار.



«الرئاسي اليمني» يلتزم بدعم إصلاح الاقتصاد ومعركة استعادة الدولة

من اجتماع سابق لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
من اجتماع سابق لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يلتزم بدعم إصلاح الاقتصاد ومعركة استعادة الدولة

من اجتماع سابق لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
من اجتماع سابق لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

جدَّد مجلس القيادة الرئاسي اليمني التزامه بدعم مسار الإصلاحات الاقتصادية، والتركيز على القضية المصيرية المتمثلة في معركة استعادة الدولة وإنهاء انقلاب الجماعة الحوثية، وذلك في أحدث اجتماع للمجلس.

وجاء تأكيد «الرئاسي اليمني» في وقت تكافح فيه الحكومة للسيطرة على الاقتصاد المتدهور، في ظل تهاوي سعر العملة المحلية وتراجع الإيرادات بسبب توقف تصدير النفط منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022، جراء هجمات الحوثيين على موانئ التصدير.

الحوثيون يشنون حرباً اقتصادية ضد الحكومة اليمنية ويواصلون منع تصدير النفط (أ.ف.ب)

وذكر الإعلام الرسمي أن المجلس جدَّد حرص الدولة على تحمل كامل المسؤولية في التخفيف من وطأة الأوضاع المعيشية، مع التزامها المطلق «بتعزيز وحدة الصف والتركيز على المعركة المصيرية لاستعادة مؤسسات الدولة وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني».

ونقلت وكالة «سبأ» أن مجلس القيادة الرئاسي جدد دعمه لمسار الإصلاحات الاقتصادية والخدمية المنسقة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، منوهاً في هذا السياق بدور السعودية والإمارات في دعم جهود الدولة من أجل الوفاء بالتزاماتها الحتمية، وفي المقدمة دفع رواتب الموظفين، وتأمين السلع، والخدمات الأساسية.

وطبقاً للوكالة الحكومية، كرّس الاجتماع، برئاسة رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، لمناقشة تطورات الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية، والخدمية، وفي المقدمة المتغيرات المتعلقة بتقلبات أسعار الصرف، والسلع الأساسية، والشحن التجاري، وتداعياتها الإنسانية التي فاقمتها «هجمات الميليشيات الحوثية الإرهابية العميلة للنظام الإيراني على المنشآت النفطية، وخطوط الملاحة الدولية».

كما تطرق الاجتماع إلى عدد من الاستحقاقات، والقضايا والتطورات المحلية، بما في ذلك الأوضاع في محافظة حضرموت، واتخذ حيالها الإجراءات والقرارات اللازمة، بحسب ما ذكره الإعلام الرسمي.

ضبط المضاربين

كان رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك شدَّد في وقت سابق على أهمية تكثيف تنفيذ حملات ضبط محلات الصرافة المخالفة، والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحرَّرة، بالتنسيق بين الجهات الأمنية والسلطات العدلية المختصة، لحماية العملة الوطنية، ومنع تداعيات تراجعها على حياة المواطنين ومعيشتهم.

وأفاد الإعلام الرسمي بأن بن مبارك تابع نتائج الحملات المنفذة في العاصمة المؤقتة، عدن، التي قامت بها نيابة الأموال العامة، وتم خلالها إغلاق عدد من منشآت الصرافة المخالفة والمضاربين، وثمَّن دور السلطات القضائية في إسناد جهود الحكومة والبنك المركزي للتعامل مع المضاربات السعرية القائمة في الصرف.

رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وبحسب المصادر الحكومية، اطلع رئيس الحكومة من وزيري العدل القاضي بدر العارضة، والدولة محافظ عدن أحمد لملس، على مستوى تنفيذ التوجيهات المتعلقة بضبط سعر الصرف، وردع المضاربين، الصادرة من رئيس مجلس القيادة الرئاسي وقرارات مجلس الوزراء واللجنة العليا لمكافحة التهريب واللجنة الأمنية العليا.

وشدَّد بن مبارك على الوزارات والجهات المختصة والبنك المركزي على مضاعفة الجهود والاستمرار وبشكل عاجل في تنفيذ إجراءات متابعة وضبط الجرائم التي تمس الاقتصاد الوطني، ومنها ضبط المتلاعبين بأسعار الصرف.

كما وجَّه بالعمل على مراقبة وضبط أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية بالتنسيق بين الجهات الحكومية والسلطات المحلية.

يُشار إلى أن سعر الريال اليمني بلغ، في الآونة الأخيرة، أدنى مستوياته على الإطلاق، بعد بلوغ سعر الدولار الواحد أكثر من 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.