انهيار الجيش اليمني فك رموز اللغز

الفساد وتعدد الولاء والخيانة تحكمت في مؤسساته منذ عقود

انهيار الجيش اليمني فك رموز اللغز
TT

انهيار الجيش اليمني فك رموز اللغز

انهيار الجيش اليمني فك رموز اللغز

عندما كان فصيل من الجيش اليمني يخوض أشرس معاركه ضد جماعة الحوثي في محافظة عمران، دفاعا عن البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء منتصف عام 2014، كان المسؤول الأول عنه يتجول رفقه القائد الميداني للجماعة ويلتقطان الصور التذكارية على تخوم صنعاء، وهو مشهد يختصر الأحداث الدراماتيكية التي تلت ذلك اليوم، والتي انتهت بجلوس القائد الميداني للجماعة عبد الله الحاكم، على كرسي قيادة الجيش وسط العاصمة صنعاء، فيما فر الرئيس الانتقالي إلى عدن العاصمة الاقتصادية للبلاد، محاولا إعادة شرعيته، وشرعية الدولة التي سلبت منه.

مع سقوط صنعاء و10 محافظات أخرى، بدأت تتكشف خيوط اللغز الذي ظل محيرا لكثير من اليمنيين والمراقبين، فسرعان ما تحدث عدد من المسؤولين العسكريون عن أجزاء من تفاصيله، التي كشفت وقوف قيادات عسكرية في الصف الأول والثاني، وراء تسليم العاصمة ومعسكراتها لجماعة مسلحة متمردة، كانت بالأمس القريب تخوض ضده 6 حروب، آخرها قبل 5 سنوات عام 2010.
لقد ثبتت الحركة الحوثية قبضتها على مقر قيادة الجيش في وزارة الدفاع بصنعاء، وأصبحت هي السلطة الحاكمة بقوة السلاح، وهو ما قوبل برفض المحافظات الجنوبية والشرقية بما فيها من السلطات الرسمية والقيادات العسكرية. وبعد نجاح الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي في كسر الإقامة الجبرية التي فرضتها الجماعة عليه وذهابه إلى عدن، فإن الأسئلة التي تتكرر في الشارع اليمني تتمحور حول، ما تبقى من الوحدات العسكرية، وكيف انهارت معسكرات الجيش بسهولة أمام جماعة صغيرة، ولماذا لم يقم الجيش بمهمته الأساسية في الدفاع على وطنه وشعبه وقيادته.
تعددت الروايات حول سبب انهيار الجيش، لكنها في مجملها تتقاطع في 3 أسباب رئيسية، وهي الخيانات والفساد، وتعدد الولاء، وبحسب عسكريين ومسؤولين فإن هذه الأسباب كانت تتحكم في مؤسسة الجيش طوال أكثر من 3 عقود، يقول رئيس جهاز الأمن القومي الدكتور علي الأحمدي في تصريح صحافي سابق قبل هجوم الحوثيون على القصور الرئاسية والمعسكرات التابعة لها، إن «تهاوي بعض وحدات الجيش والأمن أمام الحوثيين كان ناتجا عن خيانات واختراق في هذه الوحدات، بدأ من معركة الاستيلاء على عمران، حيث رفضت بعض هذه الوحدات نجدة اللواء 310 مدرع، واستسلمت وحدات الأمن الخاصة في الطريق إلى عمران، وتقهقرت وحدات من قوات الاحتياط وقوات المنطقة السادسة، ولم تتجاوز جبل ضين، وهي التي كانت مكلفة بالالتحام باللواء 310 في محافظة عمران». وقد مثلت عمران بداية سقوط وانهيار الجيش الذي صمد أكثر من 7 أشهر في مواجهة الحوثيين دون أي تعزيزات أو مساندة، فيما كان وزير الدفاع السابق اللواء محمد ناصر أحمد، يكرر القول إن قواته ستكون محايدة، وقد كشفت مصادر عسكرية كثيرة عن مشاركة وحدات عسكرية مع الحوثيين، من الموالين للرئيس السابق، وهي التي تمكنت من اقتحام اللواء 310. وبحسب روايات متواترة، فقد تعرض قائده اللواء حميد القشيبي، الذي يعد ثالث رجال الجيش المؤيدين للثورة الشبابية التي أطاحت بصالح، لخيانة وخديعة، حيث تلقى توجيهات من وزارة الدفاع بتسليم معسكره للجنة عسكرية من الشرطة العسكرية، التي لم تكن سوى غطاء للحوثي لاقتحامه ونهب أسلحته الثقيلة، والسيطرة على محافظة عمران بوابة صنعاء الشمالية، وتمكنوا من قتله والتمثيل بجثته، ولم يصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي أو الحكومة أو قيادة أركان الجيش، أي بيان رسمي أو رسالة عزاء في مقتل قائد عسكري نظامي، ما يعزز الرواية حول أن حرب عمران لم تكن سوى بداية مخطط وضعته أطراف كثيرة بهدف التخلص من الجيش المؤيد للجنرال علي محسن الأحمر.
اقتحم الحوثيون صنعاء بأكثر من 20 ألف مسلح، في سبتمبر (أيلول) 2014، ثم سيطروا بمساندة جنود الحرس الجمهوري وقبائل صالح، على القصر الجمهوري ودار الرئاسة في منطقة النهدين، ثم اقتحام منزل الرئيس هادي، ورفض قادة ألوية الاحتياط الدفاع عن رموز الدولة، بحسب قائد عسكري، ويضيف «لماذا لم تدافع وحدات الجيش من قوات النخبة في قوات الاحتياط والقوات الخاصة وقوات الأمن المركزي وغيرها من الفصائل الموجودة في صنعاء عن الدولة ورموزها؟، ولماذا لا يهاجم الحوثي معسكرات قوات الحرس الجمهوري؟»، ويجيب «كان الحوثيون أداة للرئيس السابق للانتقام من خصومه التاريخيين الذين أسقطوه في 2011. وهم الجنرال علي محسن الأحمر، وحزب الإصلاح، وآل الأحمر»، مؤكدا أن «الحروب الستة التي خاضها الجيش ضد الحوثيين خلال الفترة(2004 - 2010)، تهدف أساسا إلى القضاء على قوات الفرقة التي كانت تمثل عائقا أمام توريثه الحكم لنجله العميد أحمد الذي كان يقود وحدات الحرس الجمهوري آنذاك»، مشيرا إلى أن «أغلب المعسكرات والوحدات التي تعرضت للنهب على يد الحوثيين كانت لقوات المنطقة العسكرية الشمالية الغربية التي كان يقودها الجنرال الأحمر».

* قصة الانهيار
* انعكس الولاء الشخصي، والقبيلة، والمذهب، والمناطق، والمصالح، داخل الجيش على قدرة الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي في التحكم به، إذ وجد نفسه قائدا لجيش لا يدين له ولا للوطن، بالولاء ما عدا بعض الوحدات أو القادة الذين تم استبعادهم من مناصبهم بسبب مواقفهم الوطنية، وعدم رضوخهم للولاءات الشخصية، وقد كانت أحداث 20 يناير (كانون الثاني) الماضي في محيط دار الرئاسة بصنعاء أكبر دليل على عدم انصياع الجيش لأوامره حيث تم التخلص من الوحدة العسكرية الرئاسية التي يترأسها جنوبي، وهو ما يفسر كيف سقطت المدن في يد الحوثي ؟، وبحسب حديث قائد عسكري كبير شارك في مواجهة الحوثيين في صعدة وعمران، فإن السبب الرئيسي في انهيار الجيش هو البناء الشخصي والولاء الأسري، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن «وزير الدفاع السابق اللواء محمد ناصر أحمد كان له الدور الأبرز لاستكمال الإجهاز على ما تبقى من ما كان يسمى بجيش»، ويضيف «كان انهيار الجيش وبروز الروح السلبية في الأغلب وبعض الخيانات نتيجة طبيعية لتركيبته غير الوطنية».
وكان أول قرار يصدره الحوثيون فور سيطرتهم على مقر قيادة الجيش والرئاسة هو تكوين لجنة أمنية عليا للتحكم بأجهزة الجيش والأمن التي تحت سيطرتهم، وكلفوا الوزير المستقيل اللواء محمود الصبيحي برئاستها الذي خيب كثيرا من توقعات الشارع حول الرجل بوصفه قائد الجيش الرافض لوجودهم أثناء قيادته للمنطقة العسكرية الجنوبية سابقا، ويبدو أن الجماعة تدرك جيدا أنها عاجزة عن قيادة الجيش الذي أعلنت أغلب فصائله في الجنوب والشرق والوسط رفضها تلقي أي أوامر منهم، وقد استغلوا الصبيحي بعدها بأيام ليصدر أكثر من 14 قرارا بتعيينات في مناصب قيادية هي من اختصاص رئيس الجمهورية ومن بين الأسماء شخصيات متهمة بالفساد وموالية لصالح، والبعض منهم متهم في قضايا إرهابية سابقة.
يقول أحد المسؤولين الذين كانوا يشغلون مناصب في الصف الأول للدولة لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن لدينا جيش مؤسسي بالمعنى المتعارف عليه في العالم، وفي الوعي الاجتماعي تعامل اليمنيون على أن الانضواء في الجيش هو تخصص لمناطق معينة في اليمن، وهو كان مفهوما سائدا في شمال اليمن وجنوبه على السواء، وهو نوع من التوزيع المهني الذي ساد عبر مراحل تاريخية»، ويتابع: «ينتمي أغلب أفراد الجيش للمناطق الزيدية في شمال الشمال خاصة مع تحجيم التجنيد من المحافظات الجنوبية، وهذا كله جعل وظيفة الجيش في ذهنية قيادته ومنتسبيه تتمثل في حماية النظام وليس السيادة، ما أدى بشكل تلقائي لبنية غير وطنية للجيش منذ أمد طويل استمرت دون أن تنجح حتى ثورتا 26 سبتمبر و14 أكتوبر (تشرين الأول) في تجاوزها» ويضيف «وفي مراحل لاحقة وفي إطار استحواذ الرئيس السابق صالح على الجيش بدأ في سنوات حكمه الأخيرة في تحجيم سيطرة القادة من أبناء قبيلته وقريته على الجيش لمصلحة أفراد أسرته المقربين، ولولا أن صالح انصاع في 2011، للخروج من الحكم بسلام بسبب عدم ثقته بأن جيشه سينجح في قمع الاحتجاجات أو الانتصار في حال نشوب صراع مسلح على السلطة لدخلت البلاد في حرب أهلية طاحنة»، مشيرا إلى أن «أهم نقلة حدثت في بناء الجيش تمت في عهد صالح بعد حرب 94، ولو كان التوجه استمر في بناء جيش وطني حقيقي لتحقق إنجاز عظيم يحسب له، حيث كان يتم الإنفاق عليه بسخاء، ومن ناحية تم الاستعانة بكوادر وخبراء أردنيين وعراقيين وأميركان وروس في عملية البناء والتأهيل كما كان لافتا إنشاء المؤسسات الأكاديمية الخاصة بالجيش، وكان لدينا بنية أساسية معقولة تحتاج البناء عليها لو استقرت الأوضاع».
من جانبه يقول العميد خالد خليل، رئيس عمليات المنطقة العسكرية الخامسة وعضو مؤتمر الحوار الوطني «إن تركيبة الجيش ليست بعيدة عن التركيبة القبلية للمجتمع»، وأضاف: «خلال العقود الماضية كان الانضمام للجيش اليمني كبيرا جدا وخصوصا من القبائل والمناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء وقد يصل إلى حد 70 في المائة من قوام الجيش، بينما 30 في المائة من بقية المناطق الأخرى، ما زاد من ضعف تكوين وتنظيم الجيش وأصبح شبه كانتونات عسكرية قبلية، لهذا نجد أن الجيش أصبح ذا ملكية خاصة سواء لقادة وحدات أو لزعماء قبائل». مؤكدا أن «عدم الدمج الحقيقي لوحدات الجيش على أسس وطنية بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990 كان له تأثيره في بنية القوات المسلحة اليمنية»، موضحا أن «المناطقية كان لها دور في بناء وتنظيم وحدات الجيش دون النظر إلى الكفاءة العلمية أو العملية أو التخصصية». فيما يرى محمد طاهر انعم، عضو فريق الجيش والأمن بمؤتمر الحوار الوطني أن «انهيار كثير من قطاعاته وألويته، لا يعد أمرا مستغربا، كون الجيش اليمني كان طوال عقود سابقة مؤسسة ينخرها الفساد لأسباب متعددة». وقال: «هذا الانهيار يتحمل مسؤوليته في المقام الأول الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي حصل هذا التمزق والافتراق الخطير في عهده وتحت سمعه، ولم يقم بما يلزمه القيام به تجاهه».
ويكشف أحد رجال الأعمال عن استغلال ضباط للجيش من الحرس الجمهوري، في الكسب غير الشرعي، يقول التاجر الذي طلب إخفاء هويته، إنه فوجئ بطلب ضباط تقاسم إحدى صفقاته التجارية الخاصة بالنفط وهددوا بمنعه من الصفقة في حال رفض، وهو ما أجبره على التحايل عليهم والقول إن الصفقة تتبع أولاد الشيخ عبد الله حسين الأحمر وهو ما أربكهم وسمحوا له بالحصول على الصفقة مناصفة بينهما، وتعكس هذه الحادثة حجم الفساد الذي ينخر هذه المؤسسة، وذكر أحد الصحافيين الاستقصائيين، محمد عبده العبسي، ما سماه الثقب الأسود في جهاز الدولة المتمثل في دائرة الإمداد والتموين التابعة لوزارة الدفاع، حيث يخصص لها من موازنة الدولة نحو 129 مليار ريال (600 مليون دولار)، وهي موازنة تفوق موازنة 13 وزارة، بما فيها التعليم والصحة، والجدير ذكره أن هذه الدائرة كان مديرها وزير الدفاع السابق.
ويعتبر اللواء طيار حاتم أبو حاتم (متقاعد) أن «مخرجات الحوار الوطني، أوجدت معالجات للاختلالات التي يعيشها الجيش في ظل الأسماء الوهمية سواء للأفراد أو الضباط»، موضحا أن «الجيش حسب الأرقام ما يقارب 500 ألف مع أن العاملين في الميدان ما يقرب 100 ألف فقط وأن الرتب العليا هي الأكثر من ذلك». وبين من أبرز المشاكل التي عاشتها وما تزال المؤسسة العسكرية هي «الانقسام الحاصل في الجيش، والولاءات التابعة لمراكز النفوذ، وبالذات للحاكم السابق، الذي حرص أن يكون الجيش كله شكليا ووهميا»، وقال: «ظهور الحوثيين (أنصار الله) في هذه الفترة سيزيد من جهل وتخلف الشعب، وجيشه واتضح ذلك من الكثير من القرارات الخاطئة وغير اللائقة مهنيا في اتخاذها، وتعيد عصور الإمامة والسلطوية والجهوية على شعب اليمن التي لا تعترف إلا بلغة السلاح ولا يجيدون الحوار والمنطق وتوقعاتنا سيزداد الأمور سواء أكثر مما هو عليه الآن»
...المزيد



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.