انهيار الجيش اليمني فك رموز اللغز

الفساد وتعدد الولاء والخيانة تحكمت في مؤسساته منذ عقود

انهيار الجيش اليمني فك رموز اللغز
TT

انهيار الجيش اليمني فك رموز اللغز

انهيار الجيش اليمني فك رموز اللغز

عندما كان فصيل من الجيش اليمني يخوض أشرس معاركه ضد جماعة الحوثي في محافظة عمران، دفاعا عن البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء منتصف عام 2014، كان المسؤول الأول عنه يتجول رفقه القائد الميداني للجماعة ويلتقطان الصور التذكارية على تخوم صنعاء، وهو مشهد يختصر الأحداث الدراماتيكية التي تلت ذلك اليوم، والتي انتهت بجلوس القائد الميداني للجماعة عبد الله الحاكم، على كرسي قيادة الجيش وسط العاصمة صنعاء، فيما فر الرئيس الانتقالي إلى عدن العاصمة الاقتصادية للبلاد، محاولا إعادة شرعيته، وشرعية الدولة التي سلبت منه.

مع سقوط صنعاء و10 محافظات أخرى، بدأت تتكشف خيوط اللغز الذي ظل محيرا لكثير من اليمنيين والمراقبين، فسرعان ما تحدث عدد من المسؤولين العسكريون عن أجزاء من تفاصيله، التي كشفت وقوف قيادات عسكرية في الصف الأول والثاني، وراء تسليم العاصمة ومعسكراتها لجماعة مسلحة متمردة، كانت بالأمس القريب تخوض ضده 6 حروب، آخرها قبل 5 سنوات عام 2010.
لقد ثبتت الحركة الحوثية قبضتها على مقر قيادة الجيش في وزارة الدفاع بصنعاء، وأصبحت هي السلطة الحاكمة بقوة السلاح، وهو ما قوبل برفض المحافظات الجنوبية والشرقية بما فيها من السلطات الرسمية والقيادات العسكرية. وبعد نجاح الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي في كسر الإقامة الجبرية التي فرضتها الجماعة عليه وذهابه إلى عدن، فإن الأسئلة التي تتكرر في الشارع اليمني تتمحور حول، ما تبقى من الوحدات العسكرية، وكيف انهارت معسكرات الجيش بسهولة أمام جماعة صغيرة، ولماذا لم يقم الجيش بمهمته الأساسية في الدفاع على وطنه وشعبه وقيادته.
تعددت الروايات حول سبب انهيار الجيش، لكنها في مجملها تتقاطع في 3 أسباب رئيسية، وهي الخيانات والفساد، وتعدد الولاء، وبحسب عسكريين ومسؤولين فإن هذه الأسباب كانت تتحكم في مؤسسة الجيش طوال أكثر من 3 عقود، يقول رئيس جهاز الأمن القومي الدكتور علي الأحمدي في تصريح صحافي سابق قبل هجوم الحوثيون على القصور الرئاسية والمعسكرات التابعة لها، إن «تهاوي بعض وحدات الجيش والأمن أمام الحوثيين كان ناتجا عن خيانات واختراق في هذه الوحدات، بدأ من معركة الاستيلاء على عمران، حيث رفضت بعض هذه الوحدات نجدة اللواء 310 مدرع، واستسلمت وحدات الأمن الخاصة في الطريق إلى عمران، وتقهقرت وحدات من قوات الاحتياط وقوات المنطقة السادسة، ولم تتجاوز جبل ضين، وهي التي كانت مكلفة بالالتحام باللواء 310 في محافظة عمران». وقد مثلت عمران بداية سقوط وانهيار الجيش الذي صمد أكثر من 7 أشهر في مواجهة الحوثيين دون أي تعزيزات أو مساندة، فيما كان وزير الدفاع السابق اللواء محمد ناصر أحمد، يكرر القول إن قواته ستكون محايدة، وقد كشفت مصادر عسكرية كثيرة عن مشاركة وحدات عسكرية مع الحوثيين، من الموالين للرئيس السابق، وهي التي تمكنت من اقتحام اللواء 310. وبحسب روايات متواترة، فقد تعرض قائده اللواء حميد القشيبي، الذي يعد ثالث رجال الجيش المؤيدين للثورة الشبابية التي أطاحت بصالح، لخيانة وخديعة، حيث تلقى توجيهات من وزارة الدفاع بتسليم معسكره للجنة عسكرية من الشرطة العسكرية، التي لم تكن سوى غطاء للحوثي لاقتحامه ونهب أسلحته الثقيلة، والسيطرة على محافظة عمران بوابة صنعاء الشمالية، وتمكنوا من قتله والتمثيل بجثته، ولم يصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي أو الحكومة أو قيادة أركان الجيش، أي بيان رسمي أو رسالة عزاء في مقتل قائد عسكري نظامي، ما يعزز الرواية حول أن حرب عمران لم تكن سوى بداية مخطط وضعته أطراف كثيرة بهدف التخلص من الجيش المؤيد للجنرال علي محسن الأحمر.
اقتحم الحوثيون صنعاء بأكثر من 20 ألف مسلح، في سبتمبر (أيلول) 2014، ثم سيطروا بمساندة جنود الحرس الجمهوري وقبائل صالح، على القصر الجمهوري ودار الرئاسة في منطقة النهدين، ثم اقتحام منزل الرئيس هادي، ورفض قادة ألوية الاحتياط الدفاع عن رموز الدولة، بحسب قائد عسكري، ويضيف «لماذا لم تدافع وحدات الجيش من قوات النخبة في قوات الاحتياط والقوات الخاصة وقوات الأمن المركزي وغيرها من الفصائل الموجودة في صنعاء عن الدولة ورموزها؟، ولماذا لا يهاجم الحوثي معسكرات قوات الحرس الجمهوري؟»، ويجيب «كان الحوثيون أداة للرئيس السابق للانتقام من خصومه التاريخيين الذين أسقطوه في 2011. وهم الجنرال علي محسن الأحمر، وحزب الإصلاح، وآل الأحمر»، مؤكدا أن «الحروب الستة التي خاضها الجيش ضد الحوثيين خلال الفترة(2004 - 2010)، تهدف أساسا إلى القضاء على قوات الفرقة التي كانت تمثل عائقا أمام توريثه الحكم لنجله العميد أحمد الذي كان يقود وحدات الحرس الجمهوري آنذاك»، مشيرا إلى أن «أغلب المعسكرات والوحدات التي تعرضت للنهب على يد الحوثيين كانت لقوات المنطقة العسكرية الشمالية الغربية التي كان يقودها الجنرال الأحمر».

* قصة الانهيار
* انعكس الولاء الشخصي، والقبيلة، والمذهب، والمناطق، والمصالح، داخل الجيش على قدرة الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي في التحكم به، إذ وجد نفسه قائدا لجيش لا يدين له ولا للوطن، بالولاء ما عدا بعض الوحدات أو القادة الذين تم استبعادهم من مناصبهم بسبب مواقفهم الوطنية، وعدم رضوخهم للولاءات الشخصية، وقد كانت أحداث 20 يناير (كانون الثاني) الماضي في محيط دار الرئاسة بصنعاء أكبر دليل على عدم انصياع الجيش لأوامره حيث تم التخلص من الوحدة العسكرية الرئاسية التي يترأسها جنوبي، وهو ما يفسر كيف سقطت المدن في يد الحوثي ؟، وبحسب حديث قائد عسكري كبير شارك في مواجهة الحوثيين في صعدة وعمران، فإن السبب الرئيسي في انهيار الجيش هو البناء الشخصي والولاء الأسري، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن «وزير الدفاع السابق اللواء محمد ناصر أحمد كان له الدور الأبرز لاستكمال الإجهاز على ما تبقى من ما كان يسمى بجيش»، ويضيف «كان انهيار الجيش وبروز الروح السلبية في الأغلب وبعض الخيانات نتيجة طبيعية لتركيبته غير الوطنية».
وكان أول قرار يصدره الحوثيون فور سيطرتهم على مقر قيادة الجيش والرئاسة هو تكوين لجنة أمنية عليا للتحكم بأجهزة الجيش والأمن التي تحت سيطرتهم، وكلفوا الوزير المستقيل اللواء محمود الصبيحي برئاستها الذي خيب كثيرا من توقعات الشارع حول الرجل بوصفه قائد الجيش الرافض لوجودهم أثناء قيادته للمنطقة العسكرية الجنوبية سابقا، ويبدو أن الجماعة تدرك جيدا أنها عاجزة عن قيادة الجيش الذي أعلنت أغلب فصائله في الجنوب والشرق والوسط رفضها تلقي أي أوامر منهم، وقد استغلوا الصبيحي بعدها بأيام ليصدر أكثر من 14 قرارا بتعيينات في مناصب قيادية هي من اختصاص رئيس الجمهورية ومن بين الأسماء شخصيات متهمة بالفساد وموالية لصالح، والبعض منهم متهم في قضايا إرهابية سابقة.
يقول أحد المسؤولين الذين كانوا يشغلون مناصب في الصف الأول للدولة لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن لدينا جيش مؤسسي بالمعنى المتعارف عليه في العالم، وفي الوعي الاجتماعي تعامل اليمنيون على أن الانضواء في الجيش هو تخصص لمناطق معينة في اليمن، وهو كان مفهوما سائدا في شمال اليمن وجنوبه على السواء، وهو نوع من التوزيع المهني الذي ساد عبر مراحل تاريخية»، ويتابع: «ينتمي أغلب أفراد الجيش للمناطق الزيدية في شمال الشمال خاصة مع تحجيم التجنيد من المحافظات الجنوبية، وهذا كله جعل وظيفة الجيش في ذهنية قيادته ومنتسبيه تتمثل في حماية النظام وليس السيادة، ما أدى بشكل تلقائي لبنية غير وطنية للجيش منذ أمد طويل استمرت دون أن تنجح حتى ثورتا 26 سبتمبر و14 أكتوبر (تشرين الأول) في تجاوزها» ويضيف «وفي مراحل لاحقة وفي إطار استحواذ الرئيس السابق صالح على الجيش بدأ في سنوات حكمه الأخيرة في تحجيم سيطرة القادة من أبناء قبيلته وقريته على الجيش لمصلحة أفراد أسرته المقربين، ولولا أن صالح انصاع في 2011، للخروج من الحكم بسلام بسبب عدم ثقته بأن جيشه سينجح في قمع الاحتجاجات أو الانتصار في حال نشوب صراع مسلح على السلطة لدخلت البلاد في حرب أهلية طاحنة»، مشيرا إلى أن «أهم نقلة حدثت في بناء الجيش تمت في عهد صالح بعد حرب 94، ولو كان التوجه استمر في بناء جيش وطني حقيقي لتحقق إنجاز عظيم يحسب له، حيث كان يتم الإنفاق عليه بسخاء، ومن ناحية تم الاستعانة بكوادر وخبراء أردنيين وعراقيين وأميركان وروس في عملية البناء والتأهيل كما كان لافتا إنشاء المؤسسات الأكاديمية الخاصة بالجيش، وكان لدينا بنية أساسية معقولة تحتاج البناء عليها لو استقرت الأوضاع».
من جانبه يقول العميد خالد خليل، رئيس عمليات المنطقة العسكرية الخامسة وعضو مؤتمر الحوار الوطني «إن تركيبة الجيش ليست بعيدة عن التركيبة القبلية للمجتمع»، وأضاف: «خلال العقود الماضية كان الانضمام للجيش اليمني كبيرا جدا وخصوصا من القبائل والمناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء وقد يصل إلى حد 70 في المائة من قوام الجيش، بينما 30 في المائة من بقية المناطق الأخرى، ما زاد من ضعف تكوين وتنظيم الجيش وأصبح شبه كانتونات عسكرية قبلية، لهذا نجد أن الجيش أصبح ذا ملكية خاصة سواء لقادة وحدات أو لزعماء قبائل». مؤكدا أن «عدم الدمج الحقيقي لوحدات الجيش على أسس وطنية بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990 كان له تأثيره في بنية القوات المسلحة اليمنية»، موضحا أن «المناطقية كان لها دور في بناء وتنظيم وحدات الجيش دون النظر إلى الكفاءة العلمية أو العملية أو التخصصية». فيما يرى محمد طاهر انعم، عضو فريق الجيش والأمن بمؤتمر الحوار الوطني أن «انهيار كثير من قطاعاته وألويته، لا يعد أمرا مستغربا، كون الجيش اليمني كان طوال عقود سابقة مؤسسة ينخرها الفساد لأسباب متعددة». وقال: «هذا الانهيار يتحمل مسؤوليته في المقام الأول الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي حصل هذا التمزق والافتراق الخطير في عهده وتحت سمعه، ولم يقم بما يلزمه القيام به تجاهه».
ويكشف أحد رجال الأعمال عن استغلال ضباط للجيش من الحرس الجمهوري، في الكسب غير الشرعي، يقول التاجر الذي طلب إخفاء هويته، إنه فوجئ بطلب ضباط تقاسم إحدى صفقاته التجارية الخاصة بالنفط وهددوا بمنعه من الصفقة في حال رفض، وهو ما أجبره على التحايل عليهم والقول إن الصفقة تتبع أولاد الشيخ عبد الله حسين الأحمر وهو ما أربكهم وسمحوا له بالحصول على الصفقة مناصفة بينهما، وتعكس هذه الحادثة حجم الفساد الذي ينخر هذه المؤسسة، وذكر أحد الصحافيين الاستقصائيين، محمد عبده العبسي، ما سماه الثقب الأسود في جهاز الدولة المتمثل في دائرة الإمداد والتموين التابعة لوزارة الدفاع، حيث يخصص لها من موازنة الدولة نحو 129 مليار ريال (600 مليون دولار)، وهي موازنة تفوق موازنة 13 وزارة، بما فيها التعليم والصحة، والجدير ذكره أن هذه الدائرة كان مديرها وزير الدفاع السابق.
ويعتبر اللواء طيار حاتم أبو حاتم (متقاعد) أن «مخرجات الحوار الوطني، أوجدت معالجات للاختلالات التي يعيشها الجيش في ظل الأسماء الوهمية سواء للأفراد أو الضباط»، موضحا أن «الجيش حسب الأرقام ما يقارب 500 ألف مع أن العاملين في الميدان ما يقرب 100 ألف فقط وأن الرتب العليا هي الأكثر من ذلك». وبين من أبرز المشاكل التي عاشتها وما تزال المؤسسة العسكرية هي «الانقسام الحاصل في الجيش، والولاءات التابعة لمراكز النفوذ، وبالذات للحاكم السابق، الذي حرص أن يكون الجيش كله شكليا ووهميا»، وقال: «ظهور الحوثيين (أنصار الله) في هذه الفترة سيزيد من جهل وتخلف الشعب، وجيشه واتضح ذلك من الكثير من القرارات الخاطئة وغير اللائقة مهنيا في اتخاذها، وتعيد عصور الإمامة والسلطوية والجهوية على شعب اليمن التي لا تعترف إلا بلغة السلاح ولا يجيدون الحوار والمنطق وتوقعاتنا سيزداد الأمور سواء أكثر مما هو عليه الآن»
...المزيد



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،