«طيار الرئيس»... ذكريات ومواقف محرجة في الجو مع الرؤساء

اللواء أبو بكر يروي بعضاً مما شهده خلال سنوات حكم السادات ومبارك... ورحلته مع بوش الأب

«طيار الرئيس»... ذكريات ومواقف محرجة في الجو مع الرؤساء
TT

«طيار الرئيس»... ذكريات ومواقف محرجة في الجو مع الرؤساء

«طيار الرئيس»... ذكريات ومواقف محرجة في الجو مع الرؤساء

مشاهد ولقاءات وذكريات يرويها اللواء طيار محمد أبو بكر حامد محسن، في كتابه «طيار الرئيس»، وهو عبارة عن مذكرات قام بإعدادها للنشر المؤرخ العسكري أحمد عطية الله. وتكتسب المذكرات أهمية خاصة، كون صاحبها عمل قائداً للطائرة الخاصة برئيس البلاد. ومن خلال عمله هذا صادف وتعرف على عدة شخصيات عالمية.
صدر الكتاب حديثاً عن الهيئة المصرية للكتاب، ويقع في 140 صفحة من القطع الكبير، وبه ملحق مصور يضم العديد من الصور التذكارية التي جمعت صاحبه بعدد من الشخصيات العربية والدولية.
تـخرج اللواء أبو بكر في الكلية الجوية قبل خمسة أيام من نكسة 5 يونيو (حزيران) 67. وتلقى تدريباً راقياً ومكثفاً على عدد من الطائرات المقاتلة، منها «ميج 21» التي خاض بها معارك حرب الاستنزاف، وحصل على عدد من الأوسمة والأنواط وشهادات التكريم على كفاءته في عمله.

- غضب وحزن
وعلى مد نحو عشرين عاماً في الفترة من 1977 حتى 1997، وهي فترة مهمة شهدت الكثير من المتغيرات في السياسة المصرية، عمل أبو بكر طياراً بالسرب المسؤول عن تنقلات رئيس الجمهورية وكبار شخصيات الدولة، فكان يصاحب الرئيس السادات خلال تنقلاته في مباحثات السلام التي تخللتها مقابلاته مع مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل في أسوان، وكانت رحلات شبه يومية. ويسجل أبو بكر في مذكراته أنه لاحظ من خلال نقاشات الرئيس السادات مع وفد المباحثات المصري المرافق له بالطائرة مدى صعوبة تلك المحادثات مع الجانب الإسرائيلي وإصرار وتصميم السادات على استرجاع جميع الأراضي المصرية المحتلة. يقول عن ذلك: «كان السادات عصبياً في النقاش مع الوفد المصري وكان يتكلم بصوت عالٍ، رافضاً أسلوب تفكير الوفد الإسرائيلي خلال محادثات السلام في أسوان». كما تطرقت هذه النقاشات التي كانت تدور على متن الطائرة الرئاسية للعلاقات المصرية العربية، وأحوال الاقتصاد المصري.
ولا ينسى اللواء أبو بكر تلك الرحلة التي طُلب منه الذهاب إلى الإسكندرية لاصطحاب الرئيس السادات عقب وفاة شاه إيران فذهب من القاهرة إلى مطار النزهة لإحضار الرئيس الذي بدا عليه الحزن الشديد على الشاه، وذكر قوله:: «إن مصر لا تنسى للشاه مواقفه معها أثناء أيام الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة، ففي الأولى أمد مصر باحتياجاتها من الطائرات المقاتلة وفي الثانية عندما علم بحاجة مصر للبترول خلال المعركة أصدر أوامره لناقلتي بترول إيرانيتين محملتين بآلاف الأطنان من البترول كانتا في طريقهما لأحد الموانئ الأوروبية أن تغيرا اتجاههما نحو الموانئ المصرية. إن الشعب المصري لا ينسى من وقف بجواره في الأيام العصيبة».

- عطل مفاجئ
استمرت صلة اللواء طيار أبوبكر بالرئيس السابق محمد حسني مبارك نحو 20 عاماً منذ عام 1977 وقت كان مبارك نائباً للرئيس السادات واستمرت بعد أن تولى الحكم آخر عام 1981 وحتى عام 1997 وقت أن أحيل للمعاش. ومن الرحلات التي شهدت ظروفاً غير طبيعية، تلك التي اصطحب فيها مبارك مع عدد من قادة القوات الجوية إلى أسوان. فبعد بداية الرحلة حدث عطل فني في صمام احتجاز بخار الماء وبدأت الأبخرة تتسرب داخل صالون الطائرة حتى وصلت لمستوى أقدام الركاب وعند منتصفها ثم وصلت الأبخرة إلى أكتاف الركاب حتى أن أحد القادة سأل قائد الطائرة إن كان يوجد حريق؟ فأجابه بالنفي وشرح له الموقف وقد لاحظ أبو بكر أن مبارك لم ينزعج أو يضطرب وظل متماسكاً وثابتاً.
وفي رحلة إلى محافظة أسيوط بجنوب مصر، تم إبلاغ أبو بكر بها في السادسة صباحاً، وعندما حضر الرئيس وكان بصحبته وزيرة التأمينات الاجتماعية أخبره أبو بكر أنه تم إبلاغه بأن الرؤية بمطار أسيوط رديئة ولن يمكنهم الهبوط هناك. لكن مبارك أمره أن يقلع بالطائرة وهو سيبلغه بما سيفعل في الجو. وعند منتصف المسافة طلب منه الرئيس أن يتوجه إلى مطار الغردقة دون أن يبلغ من في المطار بشخصية من معه وأكد عليه الأمر. وبالفعل طلب أبو بكر الأذن بالهبوط في المطار ملتزماً بتعليمات الرئيس.
ومن هناك ركب مبارك سيارة جيب عادية من دون حراسة، وذهب في جولة مفاجئة تفقد خلالها ديوان عام المحافظة وبعض المواقع الحيوية الأخرى وعاد إلى الطائرة لإكمال رحلتهم إلى أسيوط بعد تحسن الأجواء. وفي طريق عودته، استمع الطيار إلى نبأ إقالة محافظ البحر الأحمر التي تتبعها مدينة الغردقة وكذلك إقالة عدد من كبار مساعديه نتيجة الإهمال والتقصير.

- هبوط خطر
ومن الرحلات الخطرة التي خاضها أبو بكر، رحلته مع الدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الأسبق، الأمين العام للأمم المتحدة لاحقاً، إلى نيبال بجبال الهمالايا على الحدود الشمالية للهند في 8 أبريل (نيسان) 1980. بدأت تلك الرحلة من القاهرة إلى أبوظبي ثم الهند ومن الهند توجها إلى نيبال. وبعد الإقلاع من مطار نيودلهي بالهند بنحو عشرين دقيقة أبلغ مطار نيودلهي الطائرة المصرية أن مطار «كاتاماندو» يرفض هبوط الطائرة المصرية. كان الجو صحواً والرؤية واضحة، ولكن برج المطار بكاتاماندو عاصمة نيبال طالبه بالعودة ثانية إلى الهند دون إبداء أسباب وسط حالة من الغموض فسألهم: هل توجد ظروف سياسية طارئة حدثت بنيبال تمنع نزولهم؟ فأجابوا بالنفي ولكنهم طالبوهم بالعودة مرة أخرى للهند.
وبمناقشة الأمر مع د. بطرس غالي رأى أن إجراءات الوداع الرسمي لهم قد تمت بالهند وطلب إكمال الرحلة إلى نيبال. وهنا أبلغهم المطار بأن النزول في هذه الحالة سيكون على مسؤوليتهم الشخصية. بدأ أبو بكر في الانخفاض إلى المستويات الأقل تمهيداً للاقتراب من الأرض ثم الهبوط بتعليمات محددة ومشددة من برج كاتاماندو. وفجأة تغيرت الرؤية من الوضوح الشديد والإنارة القوية بضوء القمر إلى إظلام دامس واختفاء القمر نفسه. وتواصلت تعليمات برج المراقبة للطيار بتوجيهه لممر الهبوط فقام بفتح الفرامل الهوائية وتقليل السرعة وتشغيل «قلابات» أجنحة الطائرة وإنزال العجلات فوجد الطائرة تعطي تنبيهاً عبارة عن صفير متصل لأنها في وضع غير معتاد للهبوط بزاوية حادة. وبمجرد هبوط الطائرة قوبل بتصفيق من المستقبلين الذين أخبروا الدكتور بطرس أن هذه هي المرة الأولى التي يهبط فيها طيارون من خارج النيبال بالمطار ليلاً وبهذه الكفاءة، وطلبوا منه ضرورة وجود طاقم الطائرة بحفل الغداء في اليوم التالي تم مناداته بالاسم وسط تصفيق الحضور له، وعندما شاهد أبو بكر من شباك حجرته بالفندق قمم جبال الهمالايا أدرك أن تلك القمم هي التي حجبت ضوء القمر عند هبوط الطائرة وحولت المنطقة إلى ظلام دامس وبعد نهاية الرحلة والعودة إلى مصر تقدم الدكتور بطرس غالي بخطاب شكر باسم وزارة الخارجية إلى طاقم الطائرة.

- الملك حسين وبوش «الأب»
كان حسني مبارك في الأردن حيث أجرى مباحثات مع الملك حسين وأثناء الاستعداد لرحلة العودة من مطار عمان وصل العاهل الأردني المطار قبل نصف ساعة من وصول مبارك وإقلاع الطائرة. فوجئ طاقم طائرة الرئاسة المصرية بشخص يرتدي ملابس عادية يصعد على متنها لتحيتهم. كان بشوش الوجه وتحدث معهم عن حبه للطيران وأنه يجد متعة في الطيران بالطائرة «بوينغ 727» واستمر الحديث بشكل ودي بعيداً عن أي مظهر من المظاهر التي تحيط بالحكام، كما تطرق لعشقه لمصر التي قضى فيها فترة من عمره حيث درس بمدراس سان مارك بالإسكندرية. وظل الحديث الودي مستمراً حتى علم الملك بوصول الرئيس فنزل من الطائرة لمصافحته ووداعه.
أما عن الرئيس جورج بوش «الأب» فيروي أبو بكر أنه حضر إلى مصر في زيارة خاصة بعد انتهاء فترة حكمه وتولى بيل كلينتون الرئاسة الأميركية، وخلال تلك الزيارة، اصطحب أبو بكر الرئيس بوش ومن معه على الطائرة التي يقودها في رحلة من القاهرة إلى الأقصر وأسوان. ويذكر أبو بكر أن بوش كان بسيطاً، دخل كابينة القيادة لتحيته وزملاءه وأخبره أنه كان طياراً سابقاً في القوات الجوية الأميركية عندما شارك في الحرب في فيتنام، وتوج الحديث ببعض الصور التذكارية.


مقالات ذات صلة

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية
TT

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام، ولفت الانتباه؛ لأن رواية المانجا «أنستان» أو «الغريزة» لصاحبها المؤثر أنس بن عزوز، الملقب بـ«إنوكس تاغ» باعت أكثر من 82 ألف نسخة خلال 4 أيام. وهو إنجاز كبير؛ لأن القصّة الموجهة إلى جمهور من القرّاء الشباب قد خطفت المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً من «الحوريات»، الرواية الفائزة بجائزة «الغونكور» لهذه السنة.

ولمن يستغرب هذا الرواج أو اهتمام دور النشر بالكُتاب المبتدئين من صنّاع المحتوى، فإن الظاهرة ليست بالجديدة؛ حيث إن كثيراً من المكتبات والمواقع أصبحت تخصّص رفوفاً كاملة لهذه النوعية من الكتب، كسلسلة «#فولوي مي» التابعة لدار «أشيت»، والتي تضم أعمالاً للمؤثرين تتوزع بين السّير الذاتية والقصص المصوّرة والتنمية البشرية والأسفار، وحتى الطبخ.

في فرنسا، أول تجربة من هذا القبيل كانت عام 2015، بكتاب «إنجوي ماري»، وهو السيرة الذاتية للمؤثرة ماري لوبيز المعروفة بـ«إنجوي فنيكس» (6 ملايين متابع على إنستغرام). وإن كان البعض لا يستوعب أن تكتب فتاة في سن العشرين سيرتها الذاتية، فقد يستغرب أيضاً النجاح التجاري الكبير الذي حصل عليه هذا الكتاب؛ حيث باع أكثر من 250 ألف نسخة، رغم الهجوم الشديد على الأسلوب الكتابي الرديء، حتى لقَّبتها مجلة «لي زنكوريبتبل» الثقافية متهكمة بـ«غوستاف فلوبير الجديد». شدّة النقد لم تمنع زملاءها في المهنة من خوض التجربة نفسها بنجاح؛ المؤثرة ناتو (5 ملايين متابع على يوتيوب) نشرت مع مؤسسة «روبرت لافون» العريقة رواية «أيقونة»، قدمت فيها صورة ساخرة عن عالم المجلات النسوية، وباعت أكثر من 225 ألف نسخة. وتُعدُّ دار نشر «روبرت لافون» بالذات الأكثر تعاوناً مع صناع المحتوى؛ حيث نشرت لكثير منهم.

في هذا السياق، الأكثر نجاحاً حتى اليوم كان كتاب التنمية البشرية «الأكثر دائماً+» لصاحبته لينا محفوف، الملقبة بـ«لينا ستواسيون» (5 ملايين متابع على إنستغرام) وباع أكثر من 400 ألف نسخة.

مجلة «لي زيكو» الفرنسية، تحدثت في موضوع بعنوان «صناع المحتوى؛ الدجاجة التي تبيض ذهباً لدور نشر» عن ظاهرة «عالمية» من خلال تطرقها للتجارب الناجحة لمؤثرين من أوروبا وأميركا، حملوا محتواهم إلى قطاع النشر، فكُلّلت أعمالهم بالنجاح في معظم الحالات. المجلة استشهدت بالتجربة الأولى التي فتحت الطريق في بريطانيا، وكانت بين دار نشر «بانغوين بوكس» والمؤثرة زوي سوغ (9 ملايين متابع على إنستغرام) والتي أثمرت عن روايتها الناجحة «فتاة على الإنترنت» أو «غور أون لاين»؛ حيث شهدت أقوى انطلاقة في المكتبات البريطانية بـ80 ألف نسخة في ظرف أسبوع، متفوقة على سلسلة «هاري بوتر» و«دافنشي كود».

المجلة نقلت بهذه المناسبة حكاية طريفة، مفادها أن توم ويلدون، مدير دار النشر، كان قد تعاقد مع المؤثرة بنصيحة من ابنته البالغة من العمر 12 سنة، والتي كانت متابعة وفيّة لها.

ومما لا شك فيه هو أن اهتمام دور النشر بأعمال المؤثرين يبقى مدفوعاً بالأرباح المادية المتوقعة، وهو ما أكده موضوع بمجلة «لوبوان» بعنوان «المؤثرون آلة لصنع النجاحات التجارية في قطاع النشر». كشف الموضوع عن أن تحويل المحتوى السمعي البصري لصناع المحتوى إلى الكتابي، أصبح بمثابة الورقة الرابحة للناشرين، أولاً لأنه يوفر عليهم عناء الترويج الذي تتكفل به مجتمعات المشتركين والمتابعين، وكل وسائل التواصل التابعة للمؤثرين، والتي تقوم بالعمل بدل الناشر، وهو ما قد يقلّل من خطر الفشل؛ بل قد يضمن الرواج الشعبي للعمل. ثم إنها الورقة التي قد تسمح لهم في الوقت نفسه بالوصول إلى فئات عمرية لم تكن في متناولهم من قبل: فجمهور المراهقين -كما يشرح ستيفان كارير، مدير دار نشر «آن كاريير» في مجلة «ليفر إيبدو»: «لم يكن يوماً أقرب إلى القراءة مما هو عليه اليوم. لقد نشرنا في السابق سِيَراً ذاتية لشخصيات من كل الفضاءات، الفرق هذه المرة هو أن المؤثرين صنعوا شهرتهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ولهم جمهور جاهز ونشيط، وإذا كانت هذه الشخصيات سبباً في تقريب الشباب إلى القراءة، فلمَ لا نشجعهم؟».

شريبر: الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته

هذه المعطيات الجديدة جعلت الأوضاع تنقلب رأس على عقب، فبينما يسعى الكتاب المبتدئون إلى طرق كل الأبواب أملاً في العثور على ناشر، تأتي دور نشر بنفسها إلى صناع المحتوى، باسطة أمامهم السّجاد الأحمر.

وإن كان اهتمام دور النشر بصنّاع المحتوى لاعتبارات مادية مفهوماً -بما أنها مؤسسات يجب أن تضمن استمراريتها في قطاع النشر- فإن مسألة المصداقية الأدبية تبقى مطروحة بشدّة.

بيار سوفران شريبر، مدير مؤسسة «ليامون» التي أصدرت مذكرات المؤثرة الفرنسية جسيكا تيفنو (6 ملايين متابع على إنستغرام) بجزأيها الأول والثاني، رفض الإفصاح عن كم مبيعات الكتاب، مكتفياً بوصفه بالكبير والكبير جداً؛ لكنه اعترف في الوقت نفسه بلهجة ساخرة بأن الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته؛ لكنها لم تدَّعِ يوماً أنها تكتب بأسلوب راقٍ، وكل ما كانت تريده هو نقل تجاربها الشخصية إلى الجمهور ليأخذ منها العبَر.

الناقد الأدبي والصحافي فريديك بيغ بيدر، كان أكثر قسوة في انتقاده لكتاب المؤثرة لينا ستواسيون، في عمود بصحيفة «الفيغارو» تحت عنوان: «السيرة الذاتية لمجهولة معروفة»؛ حيث وصف العمل بـ«المقرف» و«الديماغوجية»، مضيفاً: «بين الأنا والفراغ اختارت لينا ستواسيون الخيار الثاني». كما وصف الكاتبة الشابة بـ«بالجاهلة التي تعترف بجهلها»، منهياً العمود بالعبارة التالية: «147 صفحة ليس فيها سوى الفراغ، خسرتُ 19 يورو في لا شيء».

أما الناشر بيار سوفران شريبر، فقد قال في مداخلة لصحيفة «لوبوان»: «اتهمونا بنشر ثقافة الرداءة؛ لكن هذه النوعية من الكتب هي هنا لتلتقي بقرائها. إنهما عالمان بعيدان استطعنا تقريبهما بشيء سحري اسمه الكتاب. فلا داعي للازدراء».