اجتماع اليوم بدعوة فرنسية لمساعدة طارئة للجيش اللبناني

باريس تعاونت مع روما... ولبنان سيمثل بقائد الجيش

قائد الجيش اللبناني ورئيس الأركان الفرنسي أمام معهد الدفاع الفرنسي خلال زيارة الأول لباريس في مايو الماضي (أ.ب)
قائد الجيش اللبناني ورئيس الأركان الفرنسي أمام معهد الدفاع الفرنسي خلال زيارة الأول لباريس في مايو الماضي (أ.ب)
TT

اجتماع اليوم بدعوة فرنسية لمساعدة طارئة للجيش اللبناني

قائد الجيش اللبناني ورئيس الأركان الفرنسي أمام معهد الدفاع الفرنسي خلال زيارة الأول لباريس في مايو الماضي (أ.ب)
قائد الجيش اللبناني ورئيس الأركان الفرنسي أمام معهد الدفاع الفرنسي خلال زيارة الأول لباريس في مايو الماضي (أ.ب)

على الرغم من الخيبة التي منيت بها فرنسا في لبنان بعد اندثار مبادرتها، إثر الجهود المتواصلة التي بذلتها مع الطبقة السياسية ومع الأطراف الخارجية، فإنها ما زالت مصرة على مساعدة هذا البلد، ولكن هذه المرة بالالتفات إلى الأوضاع المرة التي يعيشها الجيش اللبناني.
ومرة تلو الأخرى، عد كبار المسؤولين الفرنسيين، وأولهم الرئيس إيمانويل ماكرون، أنهم يرون في الجيش «الركيزة الحقيقية لاستقرار البلاد»، وأن باريس «مواظبة على دعم القوات المسلحة اللبنانية». وقيل هذا الكلام مباشرة لقائد الجيش العماد جوزيف عون لدى زيارته فرنسا أواخر الشهر الماضي، حيث حظي بمعاملة خاصة، من بينها اجتماع مع ماكرون في قصر الإليزيه.
ويفيد أكثر من مصدر فرنسي أن التوصيف الذي قدمه قائد الجيش للمسؤولين الفرنسيين عن الصعوبات التي يواجهها الجيش دفع وزيرة الدفاع، فلورانس بارلي، إلى الإعراب عن استعداد فرنسا للدعوة إلى اجتماع دولي من أجل توفير الدعم والمساندة له. وهذا الاجتماع سيحصل بعد ظهر اليوم.
وأفادت مصادر من مكتب وزيرة الدفاع الفرنسية بأن الدعوات وجهت للدول الأعضاء في مجموعة الدعم الدولية للبنان، وإلى البلدان الخليجية كافة، وأيضاً إلى دول أبدت رغبتها في المساهمة بدعم الجيش اللبناني، ومنها إسبانيا التي لها قوة مشاركة في اليونيفيل، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض المنظمات الدولية الأخرى.
وعملت باريس بالتنسيق مع الطرف الإيطالي. وبحسب مصادرها، فإن ما بين 20 و25 دولة ستشارك في المؤتمر الذي سيفتتحه وزراء الدفاع في فرنسا ولبنان وإيطاليا، فيما يتولى العماد عون شرح احتياجات الجيش اللبناني المختلفة. أما بخصوص التمثيل، فإن الثابت كان حتى يوم أمس أن 7 أو 8 وزراء دفاع سيشاركون شخصياً، فيما الآخرون سوف يمثلون أما عبر نواب وزراء الدفاع أو من خلال قيادات الأركان. ومن العلامات المشجعة، وفق باريس، أن وزير الدفاع الأميركي، الجنرال لويد أوستن، لدى اجتماعه بنظيرته الفرنسية في بروكسل، قبل يومين، أكد أن بلاده مهتمة بالمؤتمر، وبتوفير المساعدة، إلا أنه شخصياً لن يشارك فيه، بل سيتم تمثيله بأحد كوادر وزارته. وباختصار، فإن باريس ترى أن ثمة «دينامية».
وخلال عرضها لمجريات المؤتمر والتوقعات، حرصت المصادر الفرنسية رفيعة المستوى على تأكيد أنه ليس «مؤتمر روما جديد» لتسليح الجيش اللبناني، بل إن الغرض منه «سد احتياجاته الراهنة الملحة» التي تشمل المسائل الغذائية والطبية والمحروقات، وأيضاً توفير قطع الغيار الضرورية لآلياته «بما يمكن الجيش من القيام بمهماته». ووفق ما أشارت إليه، فإن الجيش هو «المؤسسة التي تسمح بمنع تدهور الأوضاع الأمنية، ولذا ثمة مصلحة وحاجة لتمكينه من القيام بمهماته التي تتسع يوماً بعد يوم».
ولا تريد باريس رفع سقف التوقعات، بتركيزها على أن هدف الاجتماع «ليس جمع الأموال لشراء أسلحة ومعدات، ولا لتوفير الرواتب العسكرية أو تقديم مساعدات بنيوية، ولا الحلول محل الحكومة اللبنانية (في القيام بواجباتها تجاه القوات المسلحة اللبنانية)، بل توفير مساعدة ملموسة مباشرة تمكن الجيش من ضمان احتياجاته».
ولم ترد المصادر الفرنسية الخوض في مستوى المساعدات المالية التي سوف تقدم، بل تشير إلى أنها «عدة عشرات من الملايين». وثمة معلومات متداولة تفيد بأن ما تم التوصل إليه لا يزيد على 75 مليون دولار، فيما قدر العماد عون حاجة الجيش، لدى زيارته باريس، بـ100 مليون دولار. وتريد باريس توفير مساعدات فورية تكون مهمة التنسيق بينها عائدة للأمم المتحدة ولممثلتها في بيروت.
بيد أن الجانب الفرنسي لم يحسم بعد شكل إيصال هذه المساعدات، إلا أن الثابت أن باريس لا ترغب في تحويل أموال المساعدات إلى الطرف اللبناني، ربما خوفاً من ضياع قسم منها على الطريق. لذا، فإن المجتمعين اليوم سيناقشون هذه المسألة من أجل إيجاد الوسيلة الأكثر نجاعة في جمع المساعدات وإيصالها إلى بيروت. وحقيقة الأمر أن ما تتخوف منه قيادة الجيش، ومعها الأطراف الداعمة للبنان، هو أن تتطور عملية امتناع عدد كبير من العسكريين عن الالتحاق بثكناتهم ومراكزهم، الأمر الذي سيكون مصدر ضرر كبير للجيش ومعنوياته، وبالتالي سينعكس على أدائه في حفظ الأمن، بصفته الركيزة الأساسية للاستقرار.
وتجدر الإشارة إلى أن باريس وفرت في السابق كثيراً من الدعم الإنساني للجيش اللبناني، وكذلك فعلت بلدان أخرى عربية وغير عربية، إلا أن سؤالاً رئيسياً لا بد أن يطرح في الاجتماع اليوم، وهو: ماذا بعد؟ فإذا كانت المساعدات التي ستجمع كافية لشهرين أو ثلاثة أشهر، فما العمل لاحقاً إذا استمر الوضع اللبناني السياسي على حاله (وهو المتوقع)، واستمر التدهور الاقتصادي وتراجع قيمة العملة اللبنانية، فهل ستعمد باريس أو مجموعة الدعم للاجتماع مجدداً؟ باختصار، ما الخطة بعيدة المدى التي من شأنها المحافظة على تماسك القوات الشرعية اللبنانية التي يشكل الجيش عصبها الأساسي؟ ولكن أيضاً هناك قوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية الأخرى التي تعترف باريس بأنها أيضاً تعاني من الأوضاع نفسها!
لا تملك باريس جواباً عن هذا التساؤل، بل تعد أن المهم اليوم قبل الغد التعامل مع المسائل الملحة التي لا تقبل التأجيل، وهي توفير الغذاء والدواء والمحروقات، وتمكين الجيش من استخدام آلياته للقيام بمهامه. أما ما سيحمله المقبل من الأيام، فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتق اللبنانيين، ولا يمكن إلقاؤها على الآخرين، وغسل الأيدي من مصير القوى الأمنية اللبنانية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.