باريس تولي أهمية لمنع الانهيار بدعم الجيش ومساعدة الشعب

TT
20

باريس تولي أهمية لمنع الانهيار بدعم الجيش ومساعدة الشعب

لم يعد من خيار أمام باريس سوى الرهان -كما يقول مصدر سياسي- على تبني المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتي يستمد روحيتها من خريطة الطريق التي رسمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، على الرغم من أن رئيس الجمهورية ميشال عون أطلق عليها النار لحسابات ليست مُدرجة على جدول أعمال القوى السياسية الداعمة لها، وإنما للجنوح بالبلد نحو انقسام مذهبي وطائفي، وهذا ما أخذ يُقلق من لا يريد العودة إلى الطروحات «الحربجية» التي كانت سائدة إبان الحرب الأهلية التي يُفترض أن تكون قد أصبحت من الماضي.
فالسفيرة الفرنسية لدى لبنان، آن غريو، لم تكن مرتاحة لما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وهذا ما عبرت عنه في جولتها على الرئيس بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في محاولة منها لتلمس الأسباب التي ما زالت تعيق تأليفها، والسؤال عما يمكن القيام به للخروج من مأزق التأليف، من دون أن تطرح أي أفكار جديدة -بحسب المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط»- من شأنها أن تؤدي إلى تخطي العقبات، خصوصاً أن جولتها عليهما تزامنت مع لجوء عون إلى إطلاق النار على مبادرة بري.
ويلفت المصدر السياسي إلى أن جولة غريو على بري والحريري تلازمت مع استكمال التحضيرات الفرنسية لاستضافة باريس اليوم، بدعوة من ماكرون، للمؤتمر الدولي المخصص لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية المهددة الآن -استناداً إلى البيان الصادر عن البنك الدولي- بأحد أسوأ الانهيارات المالية والاقتصادية، ما يشكل ضغوطاً غير مسبوقة على قدراتها العملانية للحفاظ على الاستقرار في لبنان.
ويؤكد أن باريس قررت التحرك على خطين: الأول باتجاه المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية لرفع ما أمكن من معاناتها المترتبة على تدهور الوضعين الاجتماعي والاقتصادي الذي بات يهدد بانفجار شامل يأخذ لبنان إلى الفلتان الأمني وشيوع الفوضى، ما لم يتم تداركه بتزويدها بجرعة من الأوكسجين تبقيها على قيد الحياة.
أما الخط الثاني للتحرك الذي تتحضر له باريس -بحسب المصدر- فيكمن في توفير الدعم للقطاعات الصحية والتربوية والخدماتية، وأبرزها الكهربائية، إضافة إلى الهيئات العاملة في المجتمع المدني، وذلك بالتحضير لمؤتمر دولي ثانٍ يأخذ على عاتقه تأمين التغطية المالية لتوفير كل هذه الخدمات.
ويتوقع أن يتوصل المؤتمر الخاص لتوفير الدعم للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الأخرى إلى اتخاذ قرار يؤدي إلى دعمها لتأمين استمرارية النظام الغذائي للجيش والمحروقات والطبابة وصيانة العتاد والأمور الحياتية الأخرى، ولم يستبعد موافقته على تخصيص دفعة أولى قدرها 75 مليون دولار، يفترض أن تغطي احتياجات الجيش لآخر السنة الحالية شرط أن يعود للدولة قوننة هذا المبلغ حسب الأصول. ويرى أن المؤتمر الآخر لتوفير الخدمات التربوية والصحية والكهربائية سيخصص مبالغ مالية، على أن تُدرج تحت بند تقديم المساعدات في هذا الخصوص، وأن تتم عبر قنوات التواصل مع ممثلين عن المجتمع المدني والمؤسسات المستفيدة منها، ويعزو السبب إلى أن باريس لم تعد تثق بالمنظومة الحاكمة، وهي تراهن على الانتخابات النيابية العامة المقررة في ربيع 2022 لتقليص نفوذها لمصلحة الحراك المدني وبعض قوى المعارضة التي كان وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان قد التقاها في زيارته الأخيرة لبيروت، وحثها على توحيد صفوفها لخوض الاستحقاق الانتخابي في موعده.
ويتوقف المصدر السياسي أمام معادلة جديدة رسمتها فرنسا لتحركها في لبنان تقوم على التضامن بين الجيش والشعب، ويقول إن باريس تستثمر أمنياً في المؤسسة العسكرية، بصفتها آخر المعالم المتبقية من الدولة التي تشكل مع القوى الأمنية صمام الأمان لوقف انهيار لبنان.
ويضيف أن فرنسا تلتفت أيضاً إلى هيئات المجتمع المدني لرفع المعاناة عن اللبنانيين بتوفير الحد الأدنى من المقومات المطلوبة لتأمين الأمن الاجتماعي الذي يشكل، إضافة إلى دعمها للأجهزة الأمنية، وأولها الجيش، شبكة الأمان لمنع انهيار المؤسسات لأن الأمن وحده لا يكفي، ما لم يتلازم مع تحصين الشق الاجتماعي للحفاظ على الاستقرار.
لذلك، فإن باريس تتعامل مع لبنان على أنه يمر حالياً في مرحلة انتقالية، مع أنها لن تمانع بالتوصل إلى تشكيل حكومة مهمة تستدعي منها توفير الحماية لتأمين الاندماج بين الشعب والجيش، وهذا ما يشكل قلقاً لبعض الذين لديهم طموحات رئاسية، أو لبعض من لا يروق له تكريس مثل هذا الاندماج، ظناً منه أنه البديل عن «المعادلة الذهبية» التي يتمسك بها «حزب الله» وتجمع الجيش والشعب والمقاومة.
ويرى المصدر السياسي أن الحذر من الاهتمام الفرنسي بالمؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى يتلازم مع التفات باريس إلى معاناة اللبنانيين، في محاولة لخفض منسوبها السلبي المترتب على تركهم يقلعون شوكهم بأيديهم، في ظل غياب الدولة بكل مؤسساتها وإداراتها، بعد أن دخلت في غيبوبة قاتلة، وذلك لضمان بقائهم على قيد الحياة إلى أن تسمح الظروف التي تتيح للدولة أن تستعيد ثقتهم بها التي ما زالت معدومة حتى إشعار آخر.
وعليه، يعد المصدر نفسه أنه ليس هناك من مبرر لاستهداف المؤسسة العسكرية التي نجحت، بالتعاون مع القوى الأمنية، في التعامل بمرونة وانفتاح مع انتفاضة الشعب اللبناني، وبالتالي من المبكر إقحام المؤسسة الأمنية الأم في السباق الرئاسي لأن الأولوية تكمن في إعادة الروح إلى البلد شرطاً لإنجاز الاستحقاقات الكبرى في موعدها. فمن غير الجائز توفير الأجواء لإتمامها ما لم يستعد لبنان دوره، بدءاً بضمان وجوده، وإلا فإن المخاوف تبقى مشروعة بأن يتزامن الاستحقاق الرئاسي هذه المرة مع زوال الجمهورية عن الخريطة الدولية، علماً بأن من يستهدف المؤسسة العسكرية بحملاته ينطلق من حسابات خاطئة، فحواها أن تفعيل دورها يقلص من نفوذ «حزب الله».



ضربات ترمب ضد الحوثيين تزداد كثافةً في ختام أسبوعها الثاني

خلال أسبوعين استقبل الحوثيون نحو 200 غارة أميركية تركزت أكثرها على صعدة وعمران وصنعاء والحديدة (أ.ف.ب)
خلال أسبوعين استقبل الحوثيون نحو 200 غارة أميركية تركزت أكثرها على صعدة وعمران وصنعاء والحديدة (أ.ف.ب)
TT
20

ضربات ترمب ضد الحوثيين تزداد كثافةً في ختام أسبوعها الثاني

خلال أسبوعين استقبل الحوثيون نحو 200 غارة أميركية تركزت أكثرها على صعدة وعمران وصنعاء والحديدة (أ.ف.ب)
خلال أسبوعين استقبل الحوثيون نحو 200 غارة أميركية تركزت أكثرها على صعدة وعمران وصنعاء والحديدة (أ.ف.ب)

مع نهاية الأسبوع الثاني من الحملة الأميركية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الحوثيين في اليمن، استقبلت الجماعة، ليل الخميس - الجمعة، ضربات واسعة شملت صنعاء وريفها و5 محافظات، وسط حديث إعلام الجماعة عن تلقي 44 غارة وإصابة 5 مدنيين.

وكان ترمب قد أمر الجيش بتنفيذ حملة بدأت في 15 مارس (آذار) الحالي ضد الحوثيين المدعومين من إيران لإرغامهم على التوقف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وتوعدهم بـ«القوة المميتة» وبـ«القضاء عليهم تماماً»، دون تحديد سقف زمني لانتهاء الحملة.

وبينما تزعم الجماعة الحوثية أنها تساند الفلسطينيين في غزة، استأنفت هجماتها الصاروخية باتجاه إسرائيل منذ 17 مارس الحالي؛ حيث أطلقت نحو 9 صواريخ باليستية أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضها جميعها دون أضرار.

وطبقاً لإعلام الجماعة الحوثية، استهدفت 4 غارات مديرية مجزر، في محافظة مأرب، و19 غارة استهدفت مواقع الجماعة في محافظة عمران (شمال صنعاء) إذ طالت مناطق «اللبداء والعمشية وحباشة والعادي والعبلا والجبل الأسود».

الضربات الأميركية الجديدة استهدفت مواقع الحوثيين في مختلف المناطق الخاضعة لهم (أ.ف.ب)
الضربات الأميركية الجديدة استهدفت مواقع الحوثيين في مختلف المناطق الخاضعة لهم (أ.ف.ب)

وقال إعلام الجماعة إن الغارات على منطقة «الجبل الأسود» في مديرية حرف سفيان أدت إلى تعطل شبكة الاتصالات، في حين يتكهن مراقبون بأن هذه الضربات استهدفت مواقع عسكرية ومخابئ للأسلحة في المحافظة (عمران) المجاورة لصعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

كما تحدثت وسائل الإعلام الحوثية عن 3 غارات ضربت مديرية الحميدات في محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء) وعن 3 غارات أخرى ضربت مواقع للجماعة في مديرية اللحية في شمالي محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.

وفي صنعاء، حيث العاصمة اليمنية المختطفة، قالت الجماعة إن غارتين استهدفتا مطار صنعاء الدولي وثالثة استهدفت المجمع السابق لوزارة الدفاع الخاضع للجماعة في شارع القيادة، وهي الغارة التي قال الحوثيون إنها تسببت في أضرار بالمنازل والمحلات المجاورة، وإصابة 4 أشخاص.

وفي ريف صنعاء، أورد الإعلام الحوثي أن 4 غارات استهدف منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية، وهي منطقة سبق استهدافها أكثر من مرة، كما ضربت غارة خامسة منطقة صرف التابعة لمديرية بني حشيش شرقي صنعاء، وأدت إلى إصابة أحد الأشخاص، وفق إعلام الجماعة.

خلال أسبوعين استقبل الحوثيون نحو 200 غارة أميركية تركزت أكثرها على صعدة وعمران وصنعاء والحديدة (أ.ف.ب)
خلال أسبوعين استقبل الحوثيون نحو 200 غارة أميركية تركزت أكثرها على صعدة وعمران وصنعاء والحديدة (أ.ف.ب)

وفي معقل الحوثيين الرئيسي، حيث محافظة صعدة (شمال)، تحدثت وسائل إعلام الجماعة عن 5 غارات قالت إنها استهدفت منطقة العصايد في مديرية الصفراء، وعن غارتين استهدفتا منطقة «آل سالم» التابعة لمديرية كتاف.

وجاءت هذه الضربات على صعدة لتضاف إلى عشرات الغارات التي استهدفت منذ بدء حملة ترمب مخابئ وتحصينات الجماعة الحوثية في مدينة صعدة (مركز المحافظة) ومحيطها، ومديريات الصفراء وساقين ومجز وسحار وكتاف.

ولم يعلق الجيش الأميركي بخصوص عدد الضربات أو المواقع المستهدفة، لكن المسؤولين في واشنطن يتحدثون عن نجاح الحملة في استهداف قادة حوثيين وتدمير مخازن أسلحة.

200 غارة

مع هذه الضربات تكون مناطق الجماعة الحوثية استقبلت نحو 200 غارة منذ 15 مارس، حيث تركزت في أغلبها على صعدة وعمران وصنعاء والحديدة، إلى جانب الجوف وذمار وحجة والبيضاء ومأرب.

وتضاف هذه الغارات إلى نحو ألف غارة وضربة بحرية أميركية وبريطانية استقبلتها في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، دون أن يحدّ ذلك من قدرتها على الهجمات في البحر وباتجاه إسرائيل.

وعلى الرغم من تصريحات إدارة ترمب بأن هذه الحملة ستكون مختلفة عما كانت عليه الحال في عهد إدارة بايدن، لا تتوقع الحكومة اليمنية ولا المراقبون العسكريون نتائج حاسمة ضد الحوثيين، بسبب عدم وجود قوة على الأرض يمكنها إنهاء تهديد الجماعة بشكل نهائي.

لحظة إطلاق صاروخ كروز من مدمرة أميركية في البحر الأحمر لاستهداف الحوثيين (أ.ف.ب)
لحظة إطلاق صاروخ كروز من مدمرة أميركية في البحر الأحمر لاستهداف الحوثيين (أ.ف.ب)

ومنذ عودة الجماعة الحوثية للتصعيد، تبنّت إطلاق 9 صواريخ باليستية باتجاه إسرائيل، كما تبنّت مهاجمة القطع العسكرية الأميركية في شمالي البحر الأحمر بما فيها حاملة الطائرات «ترومان» نحو 10 مرات، دون دلائل عن تأثير هذه الهجمات.

وبعد دخول الهدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» حيز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، كانت الجماعة قد أعلنت التوقف عن هجماتها البحرية وباتجاه إسرائيل، قبل أن تقفز مجدداً للانخراط في الصراع مع تعثر المرحلة الثانية من الهدنة.

وتبنت الجماعة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حتى بدء هدنة غزة، مهاجمة 211 سفينة، وأدّت الهجمات إلى غرق سفينتين، وقرصنة السفينة «غالاكسي ليدر» ومقتل 4 بحارة.

وتحت مزاعم مساندة الفلسطينيين في غزة، دخل الحوثيون على خط التصعيد بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأطلقوا نحو 200 صاروخ وطائرة مسيرة تجاه إسرائيل، دون أن يكون لها أي تأثير عسكري باستثناء مقتل شخص واحد في 19 يونيو (حزيران) الماضي حينما انفجرت مسيرة في إحدى الشقق في تل أبيب.

وتقول الحكومة اليمنية إن هجمات الجماعة الحوثية لا تساند الفلسطينيين بل تضرهم أكثر، متهمة إياها بتنفيذ أجندة إيران في المنطقة والتهرب من استحقاقات السلام المتعثر.

وإلى ذلك، يرى مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الحل ليس في الضربات الأميركية لإنهاء التهديد الحوثي وإنما في دعم القوات الحكومية على الأرض وتمكينها من تحرير الحديدة وموانئها وصولاً إلى صنعاء وصعدة لاستعادة المؤسسات وإنهاء الانقلاب على الشرعية.