قصائد تروي قصصًا من دون أن تنزلق إلى فعل القصّ

نصوص لصلاح نيازي بالإنجليزية على يد 12 مترجمًا

غلاف المختارات
غلاف المختارات
TT

قصائد تروي قصصًا من دون أن تنزلق إلى فعل القصّ

غلاف المختارات
غلاف المختارات

صدرت عن دار «Waterloo Press» في المملكة المتحدة مجموعة شعرية جديدة للشاعر صلاح نيازي، تحمل عنوان «قلعة دزه». تضم المجموعة 22 قصيدة تم اختيارها من مجموعاته الشعرية السابقة. وقد قام بترجمة هذه القصائد 12 مترجما، فيما أسهم الشاعر والمترجم البريطاني ديفيد أندرو في مراجعة النصوص المترجمة وتحريرها.
لا تخضع هذه القصائد إلى تسلسل زمني معين، ولا تجمعها تيمة محددة بعينها. فلقد وقع اختيار المترجمين على بعض القصائد اعتمادا على ذائقتهم الشخصية التي استجابت لهذه النصوص وتفاعلت معها، الأمر الذي شجعّهم على ترجمتها وتقديمها إلى القارئ البريطاني.
يقيم الشاعر صلاح نيازي بلندن منذ عام 1963، وقد قرأ خلال خمسة عقود الكثير من الشعر البريطاني، فلا غرابة في أن يكتب شعرا ذا نفس كوني. وبعض تيمات هذه القصائد يترجح بين المحلية والعالمية.
يمكننا القول بأن غالبية قصائد نيازي تقوم على فكرة واضحة المعالم تروي قصة ما من دون أن تنزلق إلى فعل القصّ، ذلك لأن قصيدته تسعى دائما لأن تظل في مسارها الشعري، لكن هذا لا يمنع من التجاور مع الأجناس الإبداعية الأخرى أو التلاقح معها كلما دعت الحاجة الفنية إلى ذلك. ففي قصيدة «البلوغ» التي تفتتح الديوان وتشكّل عتبة شجاعة في الولوج إلى المناطق الحذرة التي لا يطؤها بعض الشعراء العرب لأنها تنطوي على كثير من البوح الجريء والمكاشفة الإنسانية التي تجرّدنا من البراءة حتى وإن كنا نعيش ذات يوم في مراحل الطفولة التي نأت بعيدا لكنها، حينما بلغنا الحُلم، أخذت أشكالا إيروسية تفضح رغباتنا المقموعة أو المحتجبة التي لا تجد طريقها إلى العلن إلا بشق الأنفس.
ويتجاور الحوار والسرد القصصي والقول المأثور الذي يرتقي إلى مستوى الحكمة في قصيدة «التعدد» من دون أن يربك الإيقاع الشعري للنص برمته. فإذا كانت «الحياة هدية» أو هبة من الله (جلّ في علاه) فإن «سي علي»، الشخص التونسي الحكيم يُعمِّق هذا النص الشعري ويمنحه بُعدا فلسفيا حينما يقول: «الحياةُ دولاب تصعد فيه طفلا وتنزل شيخا»، وهي مقولة منطقية تنطوي على قدر كبير من المصداقية واليقين والصورة الشعرية المُنتزعة من فلسفة الحياة نفسها.
في قصيدة «ديسكو» يرسم نيازي لوحة فنية قوامها الصوت والأضوية الليزرية الملونة، وهي صورة شعرية مُبتكرة لم يسبقها إليه أحد من قبل، كما أن تيمتها فانتازية، حيث يصوِّر الشاعر الرأس البشري في هذا الديسكو يكبر ويكبر بلا انقطاع حتى «تدبّ فيه الألوان والحشرات المنشارية» الناجمة عن حركة هذه الأضوية الساحرة التي تغمر وجوه الراقصين المحشورين في عُلبة الرقص الليلية.
تحتاج قصيدة «عشتار تنذر نفسها بغيّا» إلى دراسة منفصلة كي نقف على مضمونها العميق، وصورها الشعرية الجميلة الصادمة التي لا تغادر ذاكرة المتلقي بسهولة. فمن المعروف عن نيازي أنه يمحض «ملحمة جلجامش» حُبا من نوع خاص، فلا غرابة أن يكتب هذه القصيدة الطويلة من جهة، أو أن يفرد كتابا عن «فن الشعر» في هذه الملحمة من جهة أخرى. ومَنْ يريد قراءة هذه القصيدة فعليه أن يتكئ على الملحمة ذاتها، أو يجعل منها مشهدا خلفيا يمتح منه بعض الوقائع والأحداث التي ذوّبها الشاعر في متن هذا النص وتضاعيفه الشعرية الأخّاذة.
يحضر شقيق الشاعر الراحل الذي قُتل غيلة وغدرا من قِبل أعوان النظام العراقي السابق في هذه القصيدة تحديدا وفي قصائد أخرى كتبها نيازي في أوقات متباعدة وكأن هذه الحادثة المرعبة لا تريد أن تغادر ذاكرة الشاعر. لنمعن النظر في الأبيات الآتية: «كدتُ أسمعها تصيح باسمي: صلاح/ منذ سنوات بعيدة والمخلب في خاصرتي/ وحين أكون وحيدا أسمع اسمي/ ألتفت فلا أرى أحدا». يعقد الشاعر مقارنة في هذا النص بين الحمامة التي اختطفها صقر جارح وغرز مخالبه في خاصرتيها، وبين المخلب المغروز في خاصرة الشاعر منذ لحظة اغتيال أخيه وحتى الآن، وسوف يستمر هلع الشاعر إلى أجل غير مسمى. ثمة إشارة مهمة في هذه القصيدة لا بد من الوقوف عندها وهي الانتحار الغامض للفنان التشكيلي (إبراهيم) الذي يُعتقد أنه أقدم عليه نتيجة إحساسه باليأس المطلق من السياسة والفن والفكر. لسنا هنا بصدد البحث عن أسباب هذا الانتحار سواء أكانت سياسية أم عاطفية أم وجودية، لكن المهم في هذه الإشارة هو التركيز على فكرة الضعف البشري التي توقف عندها نيازي غيرة مرة، وذلك لأهميتها وسطوتها على الكائن البشري المكابر الذي لا يريد أن يعترف مهما كان قويا جبّارا، لكنه يظل هشا وضعيفا، وكما يقول نيازي في هذه القصيدة: «كلما ازداد الرجلُ قوّة ازداد ضعفا». سيحضر شقيق الشاعر في قصيدة «التفتيش عن شقة» على هيئة عصفور يحاول الطيران لكنه يرتطم بسيارة هذه المرة ويفارق الحياة، فيضعه الشاعر في مظروف جديد خال من أي عنوان ويتركه على الأرض المعشوشبة بصمت ووقار.
تُعتبر قصيدة «قلعة دزه» نصا ملحميا بامتياز قوامه الكارثة التي حلّت بأبناء هذه المدينة المفجوعة. ولكي يمهد الشاعر للولوج إلى هذا الجو الملحمي فقد انطلق من الذات إلى الموضوع، والذات هنا هي ذات شاعرية مرهفة الإحساس، ترى ما لا يراه الآخرون، وتشعر بما لا يشعرون به. لقد كان الشاعر عاديا قبل أن يقرأ جريدة الصباح، لكن إحساسه المرهف أشعرهُ بأشياء كثيرة من بينها: «لم يكنْ للشاي طعمُ الأهلِ البعيدين هذا الصباح/ ولا للخبزِ ليونةُ الحقلِ ودفءُ الأيادي المتحابّة». ثم يتساءل الشاعر: «لِمَ بدتْ حتى الأشجار متعبةً من الوقوف؟/ ووجوهُ الأطفال متعسّرة؟». لا شك في أن هذه المقدمات أو الصور الشعرية الدالة على الرتابة والحزن والانكسار تهيئ لوقوع كارثة من نوع ما. فحتى الحوارات مقتضبة كالتعزية. لقد تأخرت المعجزة في المجتمع المدحور الذي تتشابه فيه الأيام والأشياء مثل أمواج مياه آسنة تعزّز الرتابة والركود. لا يعرف الشاعر أين تقع قلعة دزه.. ولماذا سميت قلعة.. فيجيب: «لا بدّ أن تأريخَها منغّص بالحروب». إنّ ما يهمّ القارئ هو معرفته لما حدث للشاعر بعد قراءته لجريدة الصباح، حيث انقلب مزاجه العادي رأسا على عقب وأدخلنا معه في مناخ الكارثة التي يعيشها أبنا قلعة دزه. لنتأمل الأبيات الثلاثة الآتية: «تقول الجريدة آلافُ الآدميين بثياب النوم/ يُجَرّون من الأبواب من شعر الرؤوس/ يُلطمون على الأسنان بأعقاب البنادق». وعلى الرغم من قساوة هذه الصور المؤسية ووحشيتها فإن التصعيد يبلغ ذروته حينما نسمع ما قاله للشاعر الصديق الهارب توا «كنتُ مثلَ أعمى مهدّدٍ بالاغتيال/ يركضُ في كلّ اتجاه وأُذُناه في دردور/ كيفَ تُواسي أعمى مهددا بالاغتيال؟».. إن صورة الأعمى المُهدد بالاغتيال هي صورة غير مألوفة تعمق من وقع المأساة وتصدمنا جميعا إلى الدرجة التي تجعلنا نتماهى مع هذه الشخصية المرعوبة وربما نتبادل معها الأدوار!
تتضمّن هذه القصيدة المتفردة صورا أخرى غير مسبوقة لا تقل أهمية عن سابقتها. فالشاعر يطلب من عناصر الطبيعة أن تقاتل مع الضحايا، فلا غرابة أن يطرح هذا السؤال الذي ينطوي على شيء من الفانتازيا المنطقية حيث يقول: «لماذا لا تنزعُ الجبالُ صخورها وتحارب؟/ تسدُّ الطرقاتِ في الأقلّ؟!»، وربما ينسحب الأمر على الصواعق والرعود والأمطار والأنهار والأشجار وما إلى ذلك. الآن وبعد أن اتضحت جسامة الكارثة يختم نيازي نصه المأساوي بصورة سريالية سينمائية حيث يقول: «الدرّاجاتُ الناريّةُ في مقدّمةِ اللوريات الجرّارة/ تقودُ قلعةَ دِزَهْ برمّتها».
تتوزع تيمات هذه المجموعة الشعرية بين الحُب والحرب، والموت والمنفى، والطفولة والصبا، والشباب والشيخوخة، وما إلى ذلك. وميزة هذه القصائد أنها جديدة في لغتها الفذة، ومبتكرة في صورها الشعرية، وأنها قادرة على البقاء لمدة زمنية طويلة.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.