مخاوف من عودة الانقسام الطائفي في العراق

رغم الرفض الواسع لدعوات إزالة نصب مؤسس بغداد وهدم مسجد أبي حنيفة

TT

مخاوف من عودة الانقسام الطائفي في العراق

تنظر قطاعات عراقية واسعة إلى محاولات إعادة إحياء وإثارة مشاعر الاستقطاب الطائفي الأخيرة باستهجان وقلق شديدين، وذلك بعد أن صدرت عن شخصيات وجماعات مذهبية متطرفة دعوات لإزالة تمثال مؤسس بغداد التاريخية أبي جعفر المنصور، ومسجد وضريح الإمام أبي حنيفة النعمان في منطقة الأعظمية ببغداد. غير أن حالة الاستهجان لم تحل دون الخوف والخشية من عودة البلاد إلى مربع الاقتتال الطائفي الذي حدث بين عامي 2006 و2007.
ويتساءل كثيرون عن طبيعة «الأهداف التخريبية» التي تسعى إليها تلك الجهات وما إذا كانت مرتبطة بالتحشيد للانتخابات العامة المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أو بطبيعة النزعة الطائفية التي تستند إليها بعض الجماعات الظلامية وتستهدف ضرب السلم الأهلي وإشاعة مشاعر الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
وكانت جماعات متطرفة ورجال دين شيعة يوصفون بالتطرف المذهبي، أطلقوا، الأسبوع الماضي، حملة لرفع تمثال أبي جعفر المنصور في حي المنصور ببغداد، بذريعة روايات تاريخية تتهمه بالوقوف وراء مقتل أحد الأئمة الشيعة، مما دفع بالسلطات العراقية إلى نشر قوة أمنية خاصة قرب التمثال لمنع العبث به أو تهديمه. وأقدمت جماعات متطرفة على تهديمه عام 2005 قبل أن تعيد السلطات تشييده، ثم عادت تلك الجهات مرة أخرى خلال الأيام القليلة الماضية، ودعت إلى غلق وتهديم مسجد ومقام الإمام أبي حنيفة النعمان في منطقة الأعظمية بجانب الرصافة في بغداد، مما أثار غضب واستهجان معظم الأوساط العراقية.
ورغم سلوك «التجاهل المتعمد» الذي انتهجته السلطات العراقية الرسمية حيال دعوات الهدم، بذريعة أنها «(فيسبوكية) لإرباك الرأي العام»، ورغم قول المتحدث باسم القائد العام يحيى رسول إن «القوات الأمنية سترد بقوة وحزم على كل المتطاولين على المراقد الدينية»، فإن الداعية الإسلامي الدكتور أحمد الكبيسي وجه، عبر رسالة صوتية، انتقادات لاذعة للحكومة واتهمها بعدم المبالاة.
وقال الكبيسي في رسالته الموجهة إلى الرئاسات الثلاث: «أقول لكم، لقد اتصل بي علماء السنة من كل أنحاء العالم الإسلامي يطمئنون على جامع أبي حنيفة النعمان». وأضاف: «لم نجد تنديداً واحداً من الحكومة العراقية، مع أن الجامع ليس ملكاً لسنة العراق فقط؛ إنما هو ملك الأمة الإسلامية جمعاء». ودعا الكبيسي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي قال إنه «يظن به خيراً»، إلى الصلاة في جامع أبي حنيفة. وأول من أمس، أقيمت صلاة موحدة حضرها مواطنون سنة وشيعة بهدف الرد على المحرضين ومجابهة الفتنة.
بدورها؛ أكدت وزارة الداخلية، أمس، على استمرار جهود تشكيلاتها لمجابهة التهديدات وملاحقة المحرضين ومثيري الكراهية وإحالتهم إلى القضاء، وحذرت من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التحريض.
وقال المتحدث باسم الوزارة اللواء خالد المحنا، في تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية، إن «القوات الأمنية مستمرة في جهودها لحماية كل المؤسسات والمواطنين من خلال عدة تشكيلات لوزارة الداخلية؛ سواء المديريات المسؤولة عن حماية المراقد الدينية والمقار وغيرها». وأضاف أن «وزارة الداخلية أطلقت قبل فترة تحذيرات إلى كافة المواطنين من مغبة سوء استخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بإثارة الكراهية أو التحريض ضد الأشخاص». وحذّر المحنا من أن «هذه الموضوعات تندرج ضمن مخالفات وانتهاك للقانون يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي».
ورغم الإجراءات التي قامت بها السلطات الحكومية المتعلقة بحماية مسجد أبي حنيفة وتمثال أبي جعفر المنصور، فإن اتجاهات عراقية غير قليلة؛ خصوصاً في الجانب السني، رأت أنها غير كافية وكان على السلطات محاسبة الداعين والمحرضين وتقديمهم للعدالة.
النائب أحمد الجبوري، علق عبر «تويتر» بلهجة محلية ساخرة على دعوات هدم وإغلاق جامع أبي حنيفة بالقول: «الإمام الأعظم أبو حنيفة رضوان الله عليه طلع مطلوب (مطلوب للقضاء) أيضاً، يمكن اعترف عليه أبو جعفر المنصور خلال التحقيق».
من جهتها، عدّت «عصائب أهل الحق»، أول من أمس، تعرض جامع أبي حنيفة النعمان لأي استهداف «مقدمة لاستهداف باقي المقدسات الدينية في العراق». وقال القيادي في «العصائب» جواد الطليباوي في تصريحات إن «التهديد هو إذكاء للفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي». وأضاف: «لوأد الفتنة الطائفية سنكون أول المدافعين عن مقدسات المسلمين في حال تعرضها لأي تهديدٍ أو خطر».
من جهة أخرى، وفي موازاة دعوات الهدم وما نجم عنها من مخاوف إثارة الفتنة الطائفية، عمدت جماعات متطرفة، أول من أمس، إلى قطع الطريق إلى بغداد أمام العجلات التي تحمل لوحات أرقام محافظة صلاح الدين التي وقعت فيها «مجزرة سبايكر»، بذريعة أن عشائر المحافظة هي المسؤولة عن تلك المجزرة التي ذهب ضحيتها أكثر من 1600 جندي عراقي عام 2014 وصادفت الذكرى السابعة لها قبل أيام؛ الأمر الذي أثار حفيظة وغضب محافظ صلاح الدين، عمار الجبر، ودفعه إلى إصدار بيان حذر فيه من محاولات لإعادة سنوات الطائفية من جديد.
وقال الجبر في بيان، أمس: «ظهرت في الآونة الأخيرة صيحات الفتن؛ روجت لها صفحات ومواقع وشخصيات إعلامية تريد إشعال الفتنة الطائفية لا سمح الله. تناست تلك الصفحات أن الشعب العراقي حذر و(صاحي) ولا تنطلي عليه هكذا أكاذيب». وأضاف أن «صلاح الدين هي عراق مصغر يجتمع فيها كل أطياف الشعب العراقي ومنذ آلاف السنين، وكانت لها وقفة مشرفة في الدفاع عن هويتها وعن أهلها، وقد أعطت هذه المحافظة قوافل من الشهداء منذ عام 2003 ولحد الآن، وقد رفضت كل أشكال الفكر الظلامي الهدام وعند دخول عصابات (داعش) المجرمة».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).