بري: التمسّك بشروط تعجيزية يعقّد تشكيل الحكومة

«حزب الله» ينتقد «التلطي خلف المصالح السياسية والمذهبية»

بري بحث الأوضاع الأمنية مع وزير الداخلية محمد فهمي (الوكالة الوطنية)
بري بحث الأوضاع الأمنية مع وزير الداخلية محمد فهمي (الوكالة الوطنية)
TT

بري: التمسّك بشروط تعجيزية يعقّد تشكيل الحكومة

بري بحث الأوضاع الأمنية مع وزير الداخلية محمد فهمي (الوكالة الوطنية)
بري بحث الأوضاع الأمنية مع وزير الداخلية محمد فهمي (الوكالة الوطنية)

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن «تمسك البعض بشروط تعجيزية ستزيد في تعقيد الأمور وليس انفراجها»، وذلك إثر التأزم السياسي على خلفية الفشل في التوصل إلى حل ينهي معضلة تشكيل الحكومة اللبنانية، فيما أعلن «حزب الله» تمسكه بمبادرة بري منتقداً «التلطي خلف المصالح السياسية والمذهبية من أجل تحقيق مآرب شخصية».
ويدعم «حزب الله» كما تيار «المستقبل» ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، مبادرة بري التي تسعى إلى تشكيل حكومة مؤلفة من 24 وزيراً موزعة بالتساوي (8+8+8) على التحالفات السياسية ولا تمنح أي فريق ثلثاً معطلاً. وتستمر اتصالات بري مع القوى السياسية لحل أزمة تسمية الوزيرين المسيحيين ومنح ثقة كتلة «التيار الوطني الحر» النيابية للحكومة العتيدة في البرلمان. ويقول «المستقبل» إن مبادرة بري لا تزال قائمة.
وأعرب بري أمس في حديث تلفزيوني عن «انزعاجه الشديد من الأوضاع الراهنة»، ووصف استمرار حال التردي بأنه «سيؤدي إلى خراب كبير لا تحمد عقباه»، مؤكداً أنّ مبادرته في نسختها الثالثة للحل والخروج من المأزق السياسي والحكومي الحالي «تحظى بموافقة عربية وإقليمية ودولية وغربية، بما فيها فرنسا». لكنه أعرب عن قلقه البالغ من أن «تمسك البعض بشروط تعجيزية سيزيد في تعقيد الأمور وليس انفراجها»، مؤكداً أنه من موقعه رئيساً لمجلس النواب «حريص جداً على احترام الدستور وتطبيقه ولن أسمح باستهدافه أو تجاوزه أو خرقه تحت أي مسميات».
ويلاقي «حزب الله» رئيس البرلمان في مسعاه ويدعم مبادرته. ورأى رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفي الدين، أن «لبنان اليوم أمام معضلات كثيرة، والمعضلة الأساسية هي ثقافة سياسية تستسيغ النفاق والتلطي خلف المصالح السياسية والمذهبية من أجل تحقيق مآرب شخصية».
وقال في تصريح إن «المشكلة ليست في النقاط التي يقال إنها محل خلاف، إننا نواجه بعض السياسيين الذين يريدون تحقيق مآرب شخصية لم يتمكنوا من تحقيقها في الأيام العادية ويتوسلون عذاب الناس وألمهم لتحقيقها». وأضاف «حينما نتحدث عن المبادرات، وتحديدا المبادرة التي يصر عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري و(حزب الله) ومعهم كل الحريصين على إخراج البلد من مأزقه، نرى أن البعض يدفع باتجاه التيئيس فيما نحن ندفع باتجاه الأمل، فهناك خطابان في لبنان».
وانتقد صفي الدين معرقلي تشكيل الحكومة من دون تسميتهم، قائلاً: «البعض، ربما لا يدرك أن رهاناته التي يعتمدها ولو على حساب الناس ووجعهم ستغرقه وتغرق البلد معا. إننا نتمسك بالمبادرات المتتالية والمحاولات التي نأمل منها أن تخرج البلد مما هو فيه، حتى لا نصل إلى الارتطام بالصخرة التي إذا ارتطم بها الوضع اللبناني فسيكون لبنان أمام كوارث حقيقية».
وقال: «مخطئ من يظن أن تمسكنا الدائم بالمبادرات يعطيه المزيد من الوقت»، مشددا على «الإسراع في الحل لتلبية الاحتياجات الضرورية للناس»، ومؤكدا أن «السياسة يجب أن تكون في خدمة مصالح المواطنين وليس العكس». وأضاف «المناورات السياسية تنتهي عند الصالح العام والمصالح الكبرى، وبالتالي من يتلاعبون بالمناورات السياسية والشروط والشروط المضادة، عليهم أن يعرفوا أنهم يتلاعبون بكرامة اللبنانيين والمصالح الوطنية».
بدوره، حذّر المكتب السياسي لـ«حركة أمل» من «النتائج الكارثية لتعطيل مبادرة لبنان التي بناها الرئيس نبيه بري على ركائز المبادرة الفرنسية لتكون بوابة حكومة إصلاح تنقذ البلد وتضعه على سكة الخروج من أزماته». ورأى في بيان عقب اجتماعه الدوري، أنه «في اللحظة التي يحتاج فيها لبنان واللبنانيون إلى حكومة ومؤسسات فاعلة تعيد حضور الدولة كناظم وراعٍ لشؤون المواطنين، لا يزال البعض يمعن في ضرب القواعد الدستورية بمحاولة خلق أعرافٍ جديدة تمس أسس التوازنات الوطنية والمرتكزات التي أرساها اتفاق الطائف، مما يعطّل قبول مهمة فيها نسف للأصول والأعراف، وتضع البلد في مواجهة مخاطر جمّة وتعطل أداء المؤسسات وتغطي بالشعارات والمزايدات الشعبوية والبيانات والتسريبات الإعلامية التي لا يمكن أن تلبي احتياجات الناس بل تسبب مزيداً من الانهيار على الصعد كلها»، مضيفاً أن اللبنانيين «هم بأمسّ الحاجة إلى وجود من يتحمل مسؤولية الرد على التحديات التي يواجهونها في قضاياهم وأوضاعهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية والنقدية التي حولّت اللبنانيين إلى متسولي حبة دواء ولتر محروقات ورغيف خبز وانفلات سعر الدولار الأميركي من عقاله وغياب الإجراءات التنفيذية الرادعة والمانعة للانهيار النقدي الشامل، وعدم التزام حكومة تصريف الأعمال بواجباتها وتحمل مسؤولياتها في رفع الغبن والظلم عن الناس».
- الراعي: أصعب محنة
ووصف البطريرك الماروني بشارة الراعي الأزمة القائمة بأنها «أصعب محنة يعيشها الشعب بسبب إهمال كامل من المسؤولين في الدولة أدى ويؤدي إلى تعطيل السلطة الإجرائية المتمثلة بالحكومة». وقال في افتتاح سينودس الكنيسة المارونية أمس (الاثنين)، إن «عدم تأليف الحكومة يعطل مقدرات الدولة الاقتصادية والمالية، ويتفشى الفساد في إداراتها العامة، ويحتضن التهريب عبر معابرها الشرعية واللاشرعية بل وفي مرافقها من مطار ومرافئ». وأكد أن «هذا الواقع أفقر نصف الشعب اللبناني، وقضى على الطبقة الوسطى، وأتاح لقلة أن تصبح أكثر ثراء، وهجر خيرة قوانا الحية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.