القلب... دلالاته الثقافية بين الغرب والشرق

مفكر نرويجي يكتب عن أسراره وصوره الرمزية والواقعية

القلب... دلالاته الثقافية بين الغرب والشرق
TT

القلب... دلالاته الثقافية بين الغرب والشرق

القلب... دلالاته الثقافية بين الغرب والشرق

يبحث المفكر النرويجي أولي مارتن هويستاد في كتابه «القلب... من الحضارات القديمة إلى العصر الحديث»، الذي صدر حديثاً عن دار الترجمان المصرية، بترجمة أيمن شرف، ومحمد البلاسيفي، في الأسباب التي تقف وراء قلق القلب وهواجسه واضطراباته، وكيف صوّرته الثقافة الغربية والحضارات القديمة.
ويذكر المؤلف أنه دائماً ما ترد سيرة القلب في أحاديث الناس وحواراتهم، لكن لا أحد يعرف حقاً ما إذا كان الحديث منصباً عليه بوصفه «شيئاً جوهرياً يتصل بالسر الذي ينبض بإيقاعه المنتظم داخل الصدور، أم عن شيء آخر له علاقة بقيم رمزية وميول وسمات شخصية مختلفة، يمثل القلب تعبيراً مجازياً عنها، وإذا كانت مرجعية الكلمة تشير إلى هذا القصد أم ذاك، فإن القلب (الواقعي) و(الرمزي) تُشكله اللغة التي يستخدمها الناس للحديث عنهما». ويحاول هويستاد بموقفه النقدي استكشافهما واختبارهما من جديد؛ حيث يشير إلى أن هناك علاقة لا تنفصم بين عواطف القلب والكلمات والمصطلحات التي يتم استخدامها للتعبير عنها.

صور ودلالات متنوعة

يتتبع الكتاب مراحل تطور صورة «القلب» ومفهومه عبر العصور، ونشأته وصوره التعبيرية، ويتقصى دلالاته ومدى تشابهه أو اختلافه في ثقافات الغرب والشرق، كما يرصد مراحل تحوره وتغيراته، وكيف اختلفت صوره من ثقافة إلى أخرى، كما يتعرض لدور الآيديولوجيات الدينية وغيرها في تثبيت مفهوم للقلب والتشوهات الكثيرة التي ألحقت بمفهومه، وهو ما يبدو واضحاً في الممارسات التي تصاحب «عيد الحب»، الذي كان نتيجة لتحويل قصة قديس مسيحي «أحب من كل قلبه» في القرن الثالث الميلادي إلى أداة للتسويق، وقامت قوى سوقية مدعومة بأفكار دينية بإضفاء قداسة على نزعة استهلاكية، حوّلت القلب من رمز لهبة إلهية مكنونة في أعماق الإنسان كما كان في عصور سابقة، إلى مظهر خارجي سطحي، جعله يظهر كما لو كان استعارة ميتة في لغة الحياة اليومية.
ومن خلال مراجعته لمفهوم القلب في تاريخ الأفكار عبر رحلة طويلة، يناقش الكتاب كيف تناولته الأعمال الكلاسيكية لفلاسفة ومفكرين وكتّاب في عصور مختلفة، من سقراط وأفلاطون وديكارت وكانط ومونتين وروسو وهيردر وجوته وشكسبير ونيتشه حتى فوكو وكولين كامبل، ويصحح الفكرة السائدة عن أن الإنسان الأوروبي الحديث هو نتاج لعصر النهضة، وثورة العقل والعلم التي صاحبته، مشيراً إلى ما أسماه «نهضة المشاعر»، التي حسب رأيه سبقت ظهور نهضة العقل والعلم في القرن الخامس عشر، ويذكر المؤلف، من خلال مقارنات واستشهادات شاملة تشبه المفارقة التاريخية، كيف كان للثقافة العربية الإسلامية، التي يتم تصويرها كثيراً كنقيض للمسيحية الأوروبية، تأثير ممتد منذ العصور الوسطى حتى عصرنا الحاضر، وهو ما شكّل بطرق كثيرة، وفي نوع من التعارض مع المبادئ المسيحية، مفهوم القلب الأوروبي.

تأثير الثقافة العربية

يذكر المؤلف أن العرب هم الذين اهتموا وطوّروا الفلسفة والعلوم اليونانية بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية كما هو معروف، ومن بين الوسطاء والفلاسفة العظماء ابن سينا وابن رشد، وقد كانت المكانة التي احتلها أرسطو كفيلسوف عظيم في العصور الوسطى المسيحية العليا بعد أن طور أفكاره توماس الأكويني لاحقاً هي بالأساس نتيجة لترجمات ابن رشد لأرسطو وتعليقاته عليه، ولم تكن الثقافة العربية مجرد وسيط لفلسفة وعلم العصور القديمة؛ بل قدمت مساهمات مستقلة للثقافة الأوروبية، كما انتقل التصوف العربي وعلم الكيمياء إليها، ويمكن رصد مظاهر مختلفة لهذا التأثير حتى أواخر عصر النهضة؛ حيث كانت الكيمياء والتصوف حركتين روحيتين منفصلتين، ترتبطان عادة بتراث «صوفيا»، وقد حافظ ذلك التراث بجذوره في الغنوصية والتصوف على تلك المعرفة، وعلى الفلسفة بالتبعية، وكان أصلها حرفياً في القلب، وتوصف «صوفيا» أي الحكمة بشكل مجازي على أنها زهرة تنمو من القلب، أو نبع ينبع منه، يستطيع المرء أن يشرب منه، وقد كانت الوردة والزهرة صورتين مركزيتين في اللغة العربية والفن الصوفي، وكان جنوب إسبانيا الإسلامي محطة مهمة لعبور التراث من العصور القديمة إلى أوروبا الحديثة، ولم تكن الأندلس العربية تمثل ذروة للثقافة الإسلامية، بل للثقافة الأوروبية أيضاً.

فضل قرطبة

يشير المؤلف إلى أن قرطبة التي عاش فيها ابن رشد أيضاً شهدت أغنى حياة فكرية بين جميع المدن الأوروبية، ولم يقتصر الأمر على تدفق الفلسفة فقط، بل وجد التصوف والكيمياء طريقهما إلى الثقافة الأوروبية عبر الأندلس، وكان تأثير اللغة العربية كبيراً على العقلية والحساسية الأوروبية من خلال المثل الجديدة للحب التي انتشرت من الأندلس إلى أوروبا عبر أوكسيتانيا أو جنوب فرنسا في شكل شعر التوربادور، وقد كان العرب إلى جانب اليونان هم الأكثر عشقاً للتاريخ البشري، وقد أخذ كل منهم عينات من هذا التراث من خلال الحكايات المفعمة بالحيوية في ليالي ألف ليلة وليلة؛ حيث الليل وقت المغامرات الغرامية الجريئة، وكان المرح والفكاهة والحوارات ذات التلميحات الخفية والموسيقى والتصوف والطعام والمتع الجمالية جزءاً من فن الحب العربي، ولم تكن النساء المحجبات اللاتي يرفلن في الحرير والراقصات شبه العاريات سوى كليشيهات خارجية من هذا التراث.
ويلفت المؤلف إلى أن نساء الطبقة العليا على وجه الخصوص كن يحطن أنفسهن بموسيقى الغزل والمطربين، وكان شعراء الحب كثيرين، ويبرز منهم الشاعر الغنائي العباس بن الأحنف من البصرة شاعر الخليفة، والذي يقول: «وما الناس إلا العاشقون ذوو الهوى... ولا خير فيمن لا يحب ويعشق»، وهو واحد من شعراء كثيرين يعتبرهم هويستاد آباء لشعراء التوربادور، ويقول؛ ربما كان اسم توربادور مشتقاً من كلمة «طرب» العربية أي الموسيقى، وربما كان أول توربادور في أوكسيتانيا ويليام أوف آكيتاين (1070 – 1126م) أكثر من مجرد محارب، ومن المحتمل أن تكون نظرته للحب متأثرة بمبدأ ابن حزم (1064م) في قرطبة ومجموعة قصائده الشهيرة في كتابه «طوق الحمامة».

بين الشعراء العرب والتروبادور

ويذكر هويستاد أن ابن حزم احتفل بالحب من جميع جوانبه، بما في ذلك الجانب الأيروتيكي، ورغب في جعله أهم شيء في الحياة، وذلك رغم حبه الذي عاشه من طرف واحد، ومن يقرؤون قصائد من الثقافتين عن القلب، يمكنهم أن يدركوا التشابه والقرابة بين صور القلب في الفن العربي ونظيرتها عند شعراء التروبادور؛ حيث يوجد لديهم كثير من صور الحب تعود أصولها إلى الشعر العربي، وربما كان مصدرها شاعر الحب الأهم «ابن داود أبو بكر محمد بن داود بن علي بن خلف الأصبهاني» توفي 909 الذي ألف «كتاب الزهرة»، وكان ينتمي إلى طائفة من الشعراء، بينهم الأندلسي ابن عربي، الذين تجلت الطبيعة الأنثوية للروح في أعمالهم كجزء من سر الحب.
ولم يتم إلى الآن، حسب رأي المؤلف، الاعتراف بالدور الدقيق الذي لعبته الثقافة العربية التي كانت متمركزة في جنوب إسبانيا في تطور الجوانب الرئيسية للثقافة الأوروبية.
ورغم أنه لا يوجد مؤرخ ينكر الدور الذي لعبه ابن رشد والفلاسفة والعلماء العرب الآخرون، فما تعنيه مذاهب القلب في الثقافة العربية لم تتم مراجعتها بالشكل الجدير بها، ومع ذلك هناك رموز بارزة في الثقافة الغربية سعت لإضاءة هذه المسارات، بينهم الشاعر الألماني غوته الذي لعب دوراً مهماً في هذه العملية، وتحمس لرمزية الحب في الفن العربي والإسلامي، سواء أكانت في صورة القلب أو الورود.



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.