قمة السبع: نتائج دون الآمال (تحليل)

خيّب رؤساء الدول الصناعية السبع آمال دول الجنوب والمجموعات البيئية مرة جديدة بامتناعهم عن التبني الصريح لخطط مساعدة الدول الأكثر فقراً وتعرضاً لخطر التغيّر المناخي. كما لم تبصر اقتراحاتهم بمواجهة التمدد الصيني في العالم الثالث ووصوله إلى أوروبا، النور المنتظر.
البيان النهائي الصادر عن قمة كورنوول في جنوب غربي إنجلترا أشار إلى ضرورة زيادة الأموال المقدمة إلى الدول التي بدأ الاحتباس الحراري وغيره من انعكاسات ظاهرة «غاز الدفيئة» بإلقاء الأعباء عليها. وكانت الأنظار موجهة إلى وعد سابق بدفع الدول السبع مجتمعة مبلغ مائة مليار دولار لمكافحة الآثار الكارثية التي بدأت بعض الدول تعاني منها. بيد أن ذلك لم يحصل. أو على الأقل لم يشر البيان إليه إشارة واضحة، فيما أعلنت ألمانيا وكندا عن رفع حصتيهما من المساعدات للدول الفقيرة المتضررة من هذه الظاهرة.
وتعهد الزعماء في بيانهم بإبقاء الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية بما يحول دون انطلاق تفاعل متسلسل من الكوارث البيئة على المستوى العالمي تجعل الحياة على سطح الكوكب محفوفة بالصعوبات والمخاطر في العديد من البلدان التي ستتوزع عليها نكبات مختلفة من الفيضانات وارتفاع مياه البحر وشحّ الأمطار وخراب المحاصيل الزراعية ونفوق أعداد ضخمة من القطعان المخصصة لإنتاج اللحوم.
ويدرك قادة الدول الصناعية الترابط المباشر بين أي تدهور شديد في المعطى المناخي وبين تصاعد الأزمات والصراعات الداخلية والدولية التي بدأت تظهر في عدد من دول العالم على شكل نزاعات على أماكن الصيد البحري والرعي والموارد المائية التي تتضاءل طرداً مع ازدياد الضغط البشري عليها. يضاف إلى ذلك أن موجات الهجرة التي أصبحت مشكلة يومية لدى الحكومات الأوروبية والغربية عموماً، أي التي تمثّل مجموعة الدول السبع نخبتها، قابلة للتحول إلى طوفان بشري كاسح ما لم تُعالج مشكلات البيئة والتنمية في دول الجنوب. والمدخل إلى العلاج المطلوب هو تحفيز مشاريع الطاقة النظيفة والتعليم وإيجاد فرص العمل والزراعة ما يخفف من دوافع سكان الجنوب للتوجه إلى دول الشمال.
في السياق ذاته، جاء التعهد بوقف استخدام الفحم الحجري في توليد الطاقة. لكن البند هذا مثل سابقه لم يُقدم بصيغة محددة الخطوات بل جاءت الفقرة الخاصة به في البيان أقرب إلى الأماني. ورغم أن الموقف هذا قد لا يعجب الصين التي ما زال قسم كبير من طاقتها الكهربائية منتجاً بواسطة الفحم الحجري، الوقود الأكثر تلويثاً للبيئة، فإن قمة السبع لم تشر إلى أن العديد من الدول التي تسير قدماً في طرق الإنتاج ما زال الفحم الحجري جزءاً من ترسانتها لإنتاج الطاقة مثل الهند والبرازيل الصين وسواها.
النقطة الثالثة المهمة على جدول أعمال القمة كانت الرد على التحدي الذي تمثله مبادرة «الحزام والطريق» الصينية حيث تعتزم بكين إنفاق حوالي تريليوني دولار لإنشاء بنى تحتية من طرق ومطارات ومرافئ على رقعة جغرافية تمتد من الشرق الأقصى إلى غرب أفريقيا. ينظر الغرب بضيق شديد إلى المبادرة المذكورة ويرى فيها الجانب الجيو - سياسي إضافة إلى النواحي الاقتصادية ويُقدّر أن مضمونها هو تطويق القارة الأوروبية بحلفاء و«زبائن» للصين بغية كسر القوة الاقتصادية الأوروبية وإخراج الولايات المتحدة تالياً من المنافسة على الأسواق الدولية.
ولئن حذر الأوروبيون والأميركيون مما سموه «دبلوماسية الديون» التي ستقع فيها الدول السائرة في ركب «الحزام والطريق» حيث ستضطر الدول الفقيرة إلى رهن القسم الأكبر من مواردها - ومستقبلها استطراداً - للسياسات الصينية عن طريق الديون وخسارة سيطرتها على بنيتها التحتية، فإن ذلك لم يكن كافياً ليقدم الرؤساء السبعة في القمة الأخيرة خطة مفصلة لوقف المشروع الصيني أو لإنشاء منافسة معقولة له. ووجه عدد من الاقتصاديين انتقادات إلى اقتراح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي انطوى على ما قالوا إنه أفكار عامة وليس خططاً مفصلة.
وبديهي أن القمة التي جاءت كإشارة إلى بدء الخروج من عالم الوباء الذي أصاب الكثير من أوجه النشاط بالشلل، واجهت مسألة التفاوت بين نِسب التلقيح في الدول الغنية والفقيرة حيث ما زال خطر تفشي كوفيد 19 خطراً ماثلاً. ولم تجد دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إنهاء براءات اختراع اللقاحات لإتاحة إنتاجه بكميات كبيرة في الدول الفقيرة آذاناً صاغية في أوروبا كما هو معروف. بل ظهرت اقتراحات بديلة بتقديم مليار جرعة لقاح إلى دول الجنوب بما يخفف من وطأة انتشار المرض من جهة ويضمن استمرار تدفق الأرباح إلى شركات الصيدلة الكبرى من الجهة الثانية.