«تموت تخليه» حذاء الفقراء في السودان مصنوع من إطارات السيارات

لإطارات السيارات المستعملة أكثر من استعمال في السودان، فبالإضافة لاستخدامها في الاحتجاجات والمظاهرات بإحراقها على الإسفلت لوقف حركة السير، فإن النسوة يستخدمنها حاملا لـ«طست الغسيل»، كما يستخدمها الأطفال الفقراء لعبة يدحرجونها من مكان لآخر، وفي الوقت ذاته يستخدمها البعض سياجا للحيلولة دون اقتراب السيارات من حوائط المنزل الطيني.
لكن أكثر استخداماتها «حيوية» في صناعة أحذية شعبية غاية في المتانة ورخص السعر، وطبعا هنا لا يمكن الحديث عن جمالها أو راحتها للقدم. كما تستخدم إطارات الشاحنات الثقيلة القديمة في صناعة قطع غيار رخيصة الثمن لبعض أنواع السيارات.
ويطلق السودانيون على الحذاء المصنوع من الإطارات المستعملة اسما طريفا: «تموت تخلي»، وهو يدلل على متانته وقوته لتستخدمه حتى مماتك.
تمتلئ المساحة أمام مشغله بالإطارات القديمة، وبأجهزة قطع مبتكرة حادة، والمواد اللاصقة، فمحمد أبكر يشتهر بصناعة الحذاء الشعبي «تموت تخلي».
يستخدم محمد أبكر أدوات قطع ولصق وخياطة من ابتكاره، يحول بواسطتها الإطار القديم لحذاء زهيد الثمن يشتريه الفقراء، والعمال الذين يشتغلون في ظروف عمل قاسية.
ويقول أبكر: «كما ترى فالحذاء رخيص لأن كلفته لا تتعدى جمع الإطارات القديمة وقطعها وفقا لمقاسات وقصات محددة، فيكون الناتج حذاء متينا زهيد الثمن».
ولا يعرف أبكر من أين أتت التسمية، أو من أطلقها أول مرة، لكنه يقول إن الحذاء الذي يصنع أخذ اسمه من متانته، و«تموت تخلي» تعني أنك ستلبسه حتى تموت دون أن يبلى.
ويعتبر «تموت تخلي» حذاء الفقراء من زمان قديم، لكن الناس تخلوا عنه تقريبا إبان فترة ما بعد تصدير النفط السوداني، لكن بعد انفصال الجنوب وذهاب النفط جنوبا وتراجع حالة الرفاه النسبية، فإن الفقراء عادوا مجددا لانتعال هذا الحذاء، وانتعشت تجارته بعد أن كادت تبور، فبعد أن كان الكثيرون يستحون من انتعاله فإن الفقر جعل الكثيرين يفضلونه على الأحذية الجلدية المستوردة منها والمحلية بسبب غلاء ثمنها.
ويقول أبكر إن تجارته كسدت في تلك الفترة، ويضيف: «كان الناس لا يشترون تلك الأحذية، لكن بعد تدهور حال البلد، عادوا مجددا وعادت المحلات المختصة بصناعته تعمل مجددا، فبعد أن كان زبائني لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، أصبحوا الآن بعدد أصابع اليدين، الحمد لله». وعلى قول المثل: «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فإن أبكر يبدو سعيدا بعودة زبائنه إليه.
ويضيف أبكر: «الحذاء في حدود 15 جنيها سودانيا، وهو مبلغ زهيد كما ترى، وهو أفضل من المشي حافيا، فإذا كنت لا تستطيع شراء الأحذية الغالية فإن (تموت تخلي) متاح لك» (الدولار الأميركي يساوي 9 جنيهات).
وتستخدم إطارات الآليات الثقيلة «السميكة» في تصنيع نوع آخر من «تموت تخلي»، إذ تستخدم شرائح من هذه الإطارات بعد أن تشكل وتقطع وتنعم بآلة خاصة في صناعة قطع غيار السيارات البلاستيكية مثل «جلب حمل الهيكل»، و«لساتك» منع الضجيج، والقطع البلاستيكية التي تمنع الاحتكاك بين الأجزاء المعدنية، ويطلق عليها هي الأخرى «تموت تخلي»، والاسم أيضا يستند على كونها أكثر متانة من بعض أنواع قطع الغيار المقلدة التي تملأ الأسواق.
ويقول الميكانيكي المختص في صيانة السيارات من طراز مرسيدس، الصادق حسن خضر الشهير بـ«الصادق لوك»: «(تموت تخلي) ليس ناجحا بنسبة 100 في المائة، لكنه أفضل من العدم، خاصة في حال انعدام قطعة الغيار في الأسواق».
ويضيف خضر: «(تموت تخلي) يمنع احتكاك القطع المعدنية بعضها مع بعض، مما يمنع الضجيج، لكنه بالتأكيد ليس مثل قطع الغيار الأصلية».
ويقول إبراهيم الطاهر إنه اضطر لشراء «تموت تخلي»، لأنه عجز عن إيجاد قطعة غيار لسيارته من طراز شيفروليه قديم بعد أن علا «ضجيجها»، فاستعان بهذا الابتكار المحلي، وحلت مشكلته بنسبة كبيرة، ولم تعد تصدر تلك الضوضاء.
ويضيف: «نصحني ميكانيكي باللجوء إلى (تموت تخلي)، فحلت مشكلتي تماما، ولم أعد بحاجة لتبديلها في وقت قريب مثلما كنت أفعل مع قطع الغيار المقلدة التي تملأ الأسواق، وهو برخص التراب».
يبدو أن المثل القائل «الحاجة أم الاختراع» صادق تماما في الحال السودانية، فقطع غيار سيارات وأحذية «تموت تخليها»، تتصدى لمواجهة الركود الذي تعانيه البلاد.