A Lean Soul
***
• إخراج: تشو سي - تشي | Chu Hsien - Che
• تايوان | تسجيلي (2021)
كي دجنشنغ رسام وروائي لم يعرف شهرة تذكر خارج تايوان والمنطقة الصينية. حتى في تلك الأنحاء فإن نقاده كثيرون وأترابه من الكتاب لم ينبروا للدفاع عنه في وجه الاتهامات بأنه كاتب من الدرجة الثالثة ولديه أسلوب كتابة غير راق ومواقف غير أخلاقية. هذا لم يمنع المخرج تشو سين - تش من تحقيق فيلم عنه وفيلم جيد. إذا ما كانت الادعاءات صحيحة حول هذا الكاتب فإن الفيلم، على الأرجح، أفضل مما كتابات المؤلف.
ليس أن دجنشغ لم يدافع عن نفسه أمام هجوم الآخرين عليه، بل فعل ذلك وعلى طريقته. في أحد مشاهد الفيلم يذكر أنه أحد ثلاثة فنانين فقط (لجانب ليوناردو دا فينشي وڤنسنت ڤان غوخ) فهموا لغز الحياة في رسوماتهم. وجواباً على سؤال حول رواياته يذكر بأنها منفردة في نوعها ولا تضاهى. ثم يجيب عن سؤال وجه إليه حول أسباب توقفه عن الكتابة قائلاً «لأنني انتهيت من وضع أهم الأعمال في العالم».
قيمة الفيلم ليست في متابعة هذا المؤلف وآرائه بل في اختياراته الفنية حين يصل الأمر إلى كيفية تقديم أعماله. في هذا الصدد تتوزع مشاهد الفيلم بين المقابلات (مع نقاد وكتاب وأصدقاء) وبين وثائقيات حوله وإلقاء صوتي (Voice - Over) و- الأهم - إعادة تمثيل مشاهد من رواياته. ليس التمثيل الدرامي في مشاهد متوالية، بل يأخذنا الفيلم إلى ترجمة صورية لبعض كتاباته. بذلك الفيلم تسجيلي - تمثيلي لكنه ليس روائياً.
هذا الفيلم هو مشروع ثقافي قامت بتبنيه مؤسسة Pegatron Corp، وهي شركة تنتج أدوات وآلات مكتبية متعددة من أجهزة الكومبيوتر إلى دفاتر الكتابة ومن المكاتب إلى تصميم المواقع وأجهزة التلفزيون. جزء من أرباحها وجهته إلى صنع أفلام عن الكتاب من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية بهدف تعريف الجيل الحالي بهم. تبعاً لذلك، يمكن فهم السبب وراء ابتعاد الفيلم عن الحكم على دجنشنغ وإبقاء السجال حاضراً حول قيمته الفعلية. للفيلم نبرة هادئة وبصريات تمر هادئة بإيقاع تأملي حافل [الجائزة الأولى في مهرجان تايبي للسينما التسجيلية]
Awake
***
• إخراج: مارك راسو | Mark Raso
• الولايات المتحدة | تشويق (2021)
مثل A Quiet Place المشكلة تأتي من السماء. مثله أيضاً تتعامل مع الحواس. هناك لا يمكن لك أن تصدر صوتاً، وهناك لا يمكن لك أن تنام. مثله أيضاً هو، جانبياً، عن أم وأولادها (اثنين هنا، ثلاثة في الفيلم الآخر).
المقدمة سريعة وتقتحم الموضوع مباشرة. جيل (جينا رودريغيز) مطلقة تعمل كأمن خاص لإحدى المؤسسات. في صباح يوم تتعطل فيه السيارة التي تقودها على حين غرة. المكبح لا يعمل فتصطدم بسيارة شرطة فقدت السيطرة على نفسها أيضاً. في الواقع، كل الإلكترونيات والأجهزة التي تعتمد على الكهرباء تتوقف عن العمل، لكن الأهم هو أن الناس (في كل أميركا دفعة واحدة) تفقد القدرة على النوم. في مطلع الفيلم، وبعد إثبات أن السيارات لم تعد تعمل نرى سيارتي جيش تتقدمان. تسأل جيل أحد الأفراد عن كيف حدث إن سيارته ما زالت تعمل اعتيادياً. سيبقى السؤال مطروحاً بلا إجابة والغالب أن المخرج وشقيقه جوزف راسو الذي شاركه الكتابة أرادا القفز على هذا السؤال المحرج ولو إلى حين. لن يهم الموضوع لأن المحور يبقى ملك شخصية جيل التي كانت لاحظت إن ابنتها الصغيرة لم تتعرض للتأثير ذاته فنامت ملء جفونها في تلك الليلة.
يسجل الفيلم نقاطاً عالية في طريقة عرضه لما يقع أمامنا. لقطات منفردة ولو قصيرة. توظيف المعلومات العلمية حول ما قد يحدث للإنسان إذا ما فقد القدرة على النوم بعد 48 ساعة وما بعد. الرأس يتحول إلى خلية مدمرة للأعصاب. الأبدان سترتجف وبعد حين لن يستطيع أحد التحكم على أفعاله. شيء غير بعيد عما يثيره أصحاب نظرية المؤامرة حول النتائج المتوخاة من التلقيح ضد كورونا.
لا يستطيع الفيلم نزع التهمة الاستهلاكية. الدراما التي يعرضها تبقى موجهة للعموم. التصوير والموسيقى وإيقاع الفيلم تبعاً للتوليف، تعمل حسب المطلوب في هذا الاتجاه. هناك القدر الكافي من الإثارة بحيث تبقى صاحياً بدورك [نتفلكس].
About Endlessness
****
• إخراج: روي أندرسن | Roy Anderson
• السويد - النرويج | خارج التصنيف (2019)
بوصول الفيلم الذي تم إنتاجه قبل عامين (عرضه مهرجان ڤنيسيا حينها) إلى صالات أميركية وأوروبية بعد انحسار موجة كورونا، يثار مجدداً، في أروقة النقد، الأسلوب الفريد الذي ينتهجه المخرج السويدي روي أندرسن في كل مرة ينجز فيها أحد أفلامه.
«عن اللانهاية» لا يضارع فيلمه السابق «حمامة جلست على غصن تتأمل في الوجود» لكنه يحفل بعلامات النبوغ ذاتها. تلك التي ينفرد أندرسن في تصويرها معتمداً على أسلوب الحكايات نصف المروية صمتاً والمواقف التي توحي بنظرته الساخرة (والسوداوية) للعالم في الأمس والحاضر.
وصف المخرج فيلمه (الذي قد يكون آخر أعماله) بأنه مجموعة من أبيات الشعر القصيرة حول الوجود» (العنوان منقول من شاعر البيرو سيزار ڤالييو) وعلى المشاهد أن يحترم هذا الوصف ولو أن الفيلم يدلف من خلاله إلى حالات يبدو فيها الوجود أقرب إلى العدم.
مشاهدة هي تلك الحكايات وتبدأ بالنادل يحمل زجاجة مشروب ويتقدم من زبون جالس يقرأ صحيفته. يصب النادل قليلاً في الكأس. يتذوقه الزبون ويهز برأسه إيجاباً. لكن النادل يملأ الكأس ويتركه يفيض. من بعيد نسمع تعليق سيدة تقول «رأيت رجلاً شارداً». المشهد هنا مثل كاريكاتور كذلك معظم ما سيلي ومنها المشهد الذي يتوقف فيه سائق سيارة. يخرج من سيارته ويترك الباب مفتوحاً. ثوان وتمر شاحنة تقتلع الباب من أساسه.
أندرسن يعرف كيف يوصل المادة الساخرة مباشرة ومن دون أن تلعب الكاميرا أي دور باستثناء إنها مفتوحة على المشهد ومن دون حركة تذكر وأحياناً من دون حركة مطلقاً. مشاهده تطرح وتتوقف. لا يهم المخرج شرح ما وصل إليك (أو حتى ما لم يصل). يترك للمشهد (رجل يربط حذاء ابنته الصغيرة تحت المطر المنهمر) يبوح عن نفسه ويمضي عنه. يفيض هذا المشهد عاطفة صامتة. وفي مشهد رجل وامرأة يطيران فوق المدينة (الصورة) مزج بين الخيال والروحانيات. في جله فإن الحكايات الواردة تصنع عملاً خلاباً في مطلق الأحوال.