أزمة لبنان تطال حليب الأطفال... ونقص المستلزمات يهدد غسل الكلى

مخارج لازدحام محطات الوقود... ومبالغ مستحقة على «المركزي» تناهز مائة مليون دولار

صيدليات لبنان تقفل قسراً اليوم (الجمعة) احتجاجاً على الأزمة (الوكالة المركزية)
صيدليات لبنان تقفل قسراً اليوم (الجمعة) احتجاجاً على الأزمة (الوكالة المركزية)
TT

أزمة لبنان تطال حليب الأطفال... ونقص المستلزمات يهدد غسل الكلى

صيدليات لبنان تقفل قسراً اليوم (الجمعة) احتجاجاً على الأزمة (الوكالة المركزية)
صيدليات لبنان تقفل قسراً اليوم (الجمعة) احتجاجاً على الأزمة (الوكالة المركزية)

تحاصر الأزمات الصحية وفقدان المواد الغذائية الأساسية في لبنان، المحاولات الحكومية لعدم تمدد الأزمة، وكان آخرها بدء فقدان حليب الأطفال من السوق، والنقص الحاد في المستلزمات الطبية، مما بات يهدد خدمة غسل الكلى في المستشفيات، بدءاً من الأسبوع المقبل.
وتُضاف تلك الأزمات المستجدة إلى تراجع مخزون السلع الغذائية المدعومة في السوق اللبنانية، مع توقف مصرف لبنان المركزي الذي يوفر العملة الصعبة لاستيرادها، عن دفع فواتير مستوردي المواد المدعومة، الطبية والغذائية، منذ ثلاثة أشهر تقريباً، رغم أن بعض السلع التي حازت على موافقة مصرف لبنان قبل استيرادها، وصلت وتم بيع جزء كبير منها على السعر المدعوم، وهو ما راكم المبالغ المستحقة على المصرف المركزي لمستوردي تلك المواد الحيوية، إلى ما يقارب المائة مليون دولار، بحسب ما قال رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي لـ«الشرق الأوسط».
ويوفر مصرف لبنان العملة الصعبة لاستيراد المواد الأساسية مثل المحروقات والطحين والأدوية والمستلزمات الطبية وحليب الأطفال، إضافة إلى مواد غذائية أساسية تقلصت الأصناف في قائمة المدعوم منها خلال الأسابيع الماضية، على ضوء الشح بالعملة الصعبة في احتياطي المصرف المركزي. ويدعم المركزي الأدوية على سعر صرف 1515 ليرة (سعر الصرف في السوق السوداء يتخطى الـ14500 ليرة للدولار الواحد)، ما يعني أنه يدعم 85 في المائة من سعرها الحقيقي. كما يوفر الدعم للمواد الغذائية بسعر 3900 ليرة للدولار، ما يعني أنه يدعم بنسبة تصل إلى 70 في المائة من سعرها في الخارج.
وبعد فقدان أدوية من الصيدليات ورفع المستشفيات تحذيراتها من تراجع مخزونها من المستلزمات الطبية، أعلنت نقابة المستشفيات الخاصة أمس (الخميس) أن «المستشفيات تعاني من نقص حاد في مستلزمات غسل الكلى مما يهدد بتوقف هذه الخدمة اعتباراً من الأسبوع المقبل في حال عدم تسليم المستلزمات للمستشفيات خلال الأسبوع الحالي». وقالت في بيان إن «المستشفيات عامة تعاني من نقص حاد في الكواشف والمستلزمات الضرورية لإجراء الفحوصات المخبرية وتشخيص الأمراض، مما جعل العديد منها يتوقف عن إجراء تلك الفحوصات للمرضى الذين يقصدونها، كما اضطرت إلى تقليص عدد حالات دخول المرضى إلى المستشفيات بسبب النقص المذكور».
وأوضحت النقابة أن «النقص المشار إليه مرده إلى الخلاف الحاصل بين مستوردي تلك المستلزمات الطبية وبين مصرف لبنان حول دعم شرائها بنسبة 85 في المائة بسعر الصرف الرسمي للدولار» (1515 ل. ل).
وفي هذا الإطار، أعلنت المستشفيات أنه في حال توقف دعم تلك المستلزمات فإن الموردين سيبيعونها للمستشفيات بسعر صرف الدولار في السوق الموازية. وهذا الأمر يعني أن تعريفة تلك الخدمات ستزداد أضعافاً، وأن على المريض المستفيد تحمل فروقات تلك الأسعار ما سيهدد الأمن الصحي للمواطنين، إذ ليس بمقدور الجميع تكبد تلك النفقات الإضافية.
وإلى جانب المستلزمات الطبية، بدأت أزمة حليب الأطفال تلوح في الأفق، مع عدم توفر المدعوم منها في السوق. وتحدث ناشطون عن ارتفاع سعر علبة الحليب إلى أكثر من مائتي ألف ليرة لبنانية (14 دولارا وفق سعر الصرف بالسوق السوداء)، ما يعادل ثلث الحد الأدنى للأجور.
وينقسم حليب الأطفال إلى أربع فئات: الأولى والثانية (من عمر يوم حتى سنة) تتولى وزارة الصحة العامة دعمهما مثل الأدوية على سعر صرف 1515 ليرة للدولار الواحد. أما بيعه فهو محصور بالصيدليات وفق القانون، ويجب أن يحوز على موافقة وزارة الصحة مثل الأدوية، ويُباع بسعر مدعوم بـ85 في المائة من ثمنه في الخارج. أما الفئة الثالثة (من عمر سنة حتى ثلاث سنوات) فهي ضمن السلة الغذائية المدعومة على سعر صرف 3900 ليرة.
وقالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» إن الفئتين الأولى والثانية «خاضعتان للمفاوضات بين وزارة الصحة ومصرف لبنان لحل هذه المشكلة مثل مشكلة الأدوية الأخرى»، لافتة إلى أن الشركات المستوردة لوّحت باستيراد الحليب من الفئة الثالثة كي تتوفر في السوق من غير دعم، بعدما تأخر مصرف لبنان في دفع ما عليه لمستوردي المواد المدعومة، ما وضع الشركات في عجز وبدأت تُفقد من الأسواق.
وقال بحصلي إن المصرف المركزي «لم يفِ بالتزاماته تجاه البضائع المدعومة الحاصلة على موافقة منه لاستيرادها وبيعها على السعر المدعوم، رغم أن بعضها وصل إلى لبنان وتم بيعه»، نافياً أن يكون هناك أي احتكار. وسأل: «البضائع تُباع بعُشر ثمنها في السوق، فكيف يتم الطلب من المستوردين بيع البضائع دون الحصول على فارق سعرها من الدولة؟». وقال: «لا يمكن الطلب من التاجر أن يتحمل فارق الأسعار، بينما على الدولة أن تتحمله»، لافتاً إلى مفاوضات بين التجار ووزارة الصحة للتوصل إلى حل ودفع المستحقات على الدولة لصالح التجار. وقال: «أمام التجار خياران، إما أن يدفع مصرف لبنان المستحقات بذمته للتجار، القديمة والجديدة، وإما أن توزع البضاعة على سعر صرف السوق» ما يعني أن أسعارها سيرتفع ثمنها 85 في المائة على المواطن، وذلك في حال تم تحرير سعر البضائع منعاً لفقدانها في السوق ووضع آلية مراقبة للأسعار، علما بأن المفاوضات لم تصل بعد إلى حسم بين الوزارات والمصرف المركزي.
ويسير الدعم وفق آلية تتمثل في تقديم الطب إلى مصرف لبنان الذي يمنع الموافقة، تليها موافقة من الوزارة المعنية (الصحة أو الاقتصاد التي تضع السلة الغذائية المدعومة)، وبعد وصول البضائع يتم الحصول على موافقة توزيعها من مصرف لبنان.
هذا الجانب يُضاف إلى محاولات لحل أزمة الازدحام على محطات الوقود، حيث يطالب المستوردون باستيراد البنزين من عيار (98 أوكتان) ولا يخضع لدعم الحكومة، أي يتم بيعه بسعر يعادي سعر صرف الدولار في السوق السوداء، بحسب ما قالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط»، موضحة أنه وفق ذلك «يكون المواطن أمام خيار ملء خزان سيارته بوقود مدعوم من عيار 95 أوكتان وفق السعر المدعوم، أو الملء بعيار 98 أوكتان المحرر من الدعم الرسمي» علما بأن الازدحام عادة ما يكون على البنزين المدعوم.
في غضون ذلك، تحدثت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية عن أزمة فقدان مادة الطحين بدأت تلوح في أفران منطقة الجنوب، بعد الدواء والبنزين. وسجل تهافت المواطنين وأصحاب الأفران على شراء مادة الطحين من المستودعات المعتمدة في منطقة النبطية، رغم أن مصادر وزارة الاقتصاد نفت أن تكون هناك أزمة، قائلة إن الخبز متوفر في جميع الأماكن.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.