«سلاح غير مرخص»... أورويل تنبأ بالحقائق البديلة وترمب قاد جوقتها

كرم نعمة يكتب عن معركة الرئيس الأميركي السابق مع الصحافة

«سلاح غير مرخص»... أورويل تنبأ بالحقائق البديلة وترمب قاد جوقتها
TT

«سلاح غير مرخص»... أورويل تنبأ بالحقائق البديلة وترمب قاد جوقتها

«سلاح غير مرخص»... أورويل تنبأ بالحقائق البديلة وترمب قاد جوقتها

لا تغيب المسحة الثقافية عن هذا الكتاب مع أنه معني أكثر بالصحافة والموقف السياسي منها، عندما يجمع شظايا معارك الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مع وسائل الإعلام.
الكتاب هو «سلاح غير مرخص: دونالد ترمب قوة إعلامية بلا مسؤولية» للصحافي العراقي كرم نعمة، الصادر قبل أيام عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» في بيروت، والذي يعرفنا كيف منح «تويتر» الرئيس الأميركي منفذاً فريداً للتعبير عن نفسه كأقوى رجل في العالم، من دون قيود بروتوكول الرئاسة. وكان يفرض شروطه الخاصة على أي حوار يريده مع كل الأطراف داخل وخارج الولايات المتحدة، بتغريدة مقتضبة.
لقد فضّل ترمب حسابه الشخصي على «تويتر»، كما يذكر المؤلف، وليس حسابه الرسمي، للتعبير عن أفكاره، فاصلاً بذلك خطابه الشخصي عن واجباته الرسمية رئيساً. وهو قد استخدم «تويتر» سلاحاً ضد منافسيه، ومسدساً مرخصاً لإطلاق النار على مساعديه ووزراء في الحكومة وأعضاء في الكونغرس. وفي حقيقة الأمر كان «تويتر» قنبلة يدوية يمكن أن يلقيها على المشرعين الذين يتجاوزونه والصحف التي تثير استياءه، والأهم من ذلك كان وسيلة لبث الحماس في مناصريه الشعبويين.
يعود كرم نعمة إلى رواية جورج أورويل «1984» ليصل إلى أنه تنبأ بالحقائق البديلة بينما قاد دونالد ترمب جوقتها، مشيراً إلى أن العبارات والمفاهيم التي سبكها أورويل أصبحت تركيبات أساسية للغة السياسية والإعلامية، ولا تزال حاضرة بقوة بعد عقود من الاستخدام، فلم تصدأ كلمات مثل «سوء الاستخدام»، و«الجريدة الرسمية»، و«الأخ الأكبر»، و«رجال الفكر»، و«الكراهية»، و«التفكير المزدوج»، و«انعدام الشخصية»، و«الذاكرة المثقوبة»، و«وزارة الحقيقة»… إلخ، بينما تحوّل بطل رواية «1984» إلى مرادف لكل ما يكره ويخشى منه.
لكننا سنعرف لاحقاً، كما يضيف نعمة، أن تصريحات ترمب زادت بشكل كبير من توزيع رواية «1984»! فخلال خطاب ألقاه ترمب في يوليو (تموز) 2018 قال: «ما تراه وما تقرأه ليس ما يحدث».
لذلك؛ حسب رأي كرم نعمة، مدير تحرير جريدة «العرب» اللندنية، لا يمثل نموذج ترمب مثالاً سياسياً يعود له التاريخ كلما أراد أن يقدم عبره للناس، لكنه يكاد يكون أفضل النماذج التي تبحث عنها الصحافة لصناعة قصة تدور من دون أن تثير الملل، حسب تعبير نعمة، ترمب قصة صحافية متجددة، سواء أكان بتغريداته المقتضبة أم تعليقاته الجارحة والفاقدة الكياسة، أم إيماءاته المعبّرة عن الاستغراب والرفض، وأخيراً بمصافحاته المتوترة، أو المتجاهلة أكف الزعماء الممدودة وإن كانت أمام العدسات.
ويذكر المؤلف أن دونالد ترمب ليس أول رئيس أميركي يهاجم الصحافة أو يعاملها بشكل غير عادل، لكنه أول رئيس كانت لديه سياسة محسوبة ومتسقة تقوض الشرعية؛ بل وتعرّض عمل الصحافة للخطر. ويرى أنه لم تكن من مهمة الصحافة إنقاذ الولايات المتحدة من ترمب، بل مهمتها الأساسية هي أن «تقوم بالإبلاغ والتعمق والتحليل والتدقيق بأفضل ما تستطيع ودون خوف وفق تعبير صحيفة (الغارديان) البريطانية».
وهكذا يستمر الكتاب في حزمة مقالات وبلغة أدبية لا تخلو من الإيحاء والتساؤل، في إثبات أن الرئيس دونالد ترمب كان يعيش أجواءً مشوشة في استخدامه مصطلحاً ممهوراً باسمه عن «الإعلام عدو الشعب»، لأنه كان يتجاهل عن عمد، وفق مؤلف «سلاح غير مرخص»، الصورة المثالية التي افترضتها المقولة التاريخية للرجال الأقوياء الذين كتبوا الدستور الأميركي، والتي فضلت «دولة من دون حكومة» على «دولة بلا صحافة».


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.