طهران تهيمن على الحياة السياسية والعسكرية في بغداد

بسبب الهيكلة الطائفية في العراق.. وتجاهل أوباما «جرائم حرب» كوكبة الميليشيات الشيعية

طهران تهيمن على الحياة السياسية والعسكرية في بغداد
TT

طهران تهيمن على الحياة السياسية والعسكرية في بغداد

طهران تهيمن على الحياة السياسية والعسكرية في بغداد

في حين تتركّز أنظار العالم على الفظائع التي يرتكبها «داعش» حيثما حل، من العراق وسوريا إلى ليبيا، فإن الخطر الكبير الذي تشكله الميليشيات الشيعية في العراق والدول المجاورة، وبالذات تلك المرتبطة مباشرة بإيران، لا يحظى بأي اهتمام ملحوظ. وبينما، تبدي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تحمسًا واضحًا لضرب «داعش» والتنظيمات السنّية المتطرّفة، فإن حرص البيت الأبيض على التقارب مع سلطات طهران، أتاح المجال للأخيرة استغلال الوضع لتعزيز قبضتها الميدانية على العراق وسوريا وغيرهما من دول المنطقة. ولكن، أي خطوات فعالة لضرب «داعش»، وفي مقدّمتها الإعداد لتحرير مدينة الموصل - كبرى مدن شمال العراق - من قبضتها، لا بد أن يسهم فيها المقاتلون السنّة. ولن يكون متيسرًا الرهان على هؤلاء، طالما واصل المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، غض النظر عن تجاوزات الميليشيات الشيعية العراقية والتزامها التام بأوامر قيادة الحرس الثوري الإيراني.

مع ظهور «داعش» في العراق، وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقف متناقض ومزدوج في آن؛ إذ اضطرت إلى الدخول في حرب إلى جانب أحد ألد أعدائها، أي الدولة الإيرانية والميليشيات الشيعية التابعة لإيران التي اتهمت أخيرًا بارتكاب عدد من الجرائم الطائفية. ومع ضربات التحالف الجوية باتت الولايات المتحدة تؤمِّن، ولو بشكل غير مباشر، الغطاء الجوي ليس لحكومة بغداد فحسب، بل أيضا للميليشيات العراقية التي ترتكب شتى انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق عدة من العراق.
الرئيس الأميركي باراك أوباما ومجلس الأمن القومي الأميركي غضّا الطرف لفترة طويلة عن الأزمة العراقية المتطاولة والآخذة بالتفاقم يومًا بعد يوم، متجاهلين تقارير لا تعد ولا تحصى عن عمليات التعذيب والتطهير العرقي التي كانت ترتكب على يد بعض الميليشيات الشيعية. ولقد واصلت إدارة أوباما بيع الأسلحة، التي قُدِّرت قيمتها بملايين الدولارات، للسلطات العراقية على الرغم من السياسات الطائفية والتقسيمية التي اتبعها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ومساندته للميليشيات التي تدعمها إيران.
وتضم الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيًا بعض أبرز الأسماء الفاعلة والمؤثرة، منها على سبيل المثال هادي العامري الذي يقود منظمة «بدر»، في حين يتولى أبو مهدي المهندس الذي يُعتقد أنه العقل المدبر وراء تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في الكويت عام 1980، قيادة ميليشيا كتائب «حزب الله»، ويترأس قيس الخزعلي ميليشيا «عصائب أهل الحق».
من ناحية ثانية، تبرز مجموعة أخرى تطلق على نفسها تسمية «سرايا السلام»، وهي ميليشيا لا تدعمها إيران بل تتبع السيد مقتدى الصدر، الذي قاتل إلى جانب العشائر السنّية بما في ذلك قبيلة البو نمر. ويشير ريناد منصور، الخبير المتخصص في الشؤون العراقية، في «وقفية كارنيغي للسلام الدولي»، في حديث مع صحيفة «الشرق الأوسط»، إلى «أن الصدر عارض سياسات (عصائب أهل الحق)، التي انبثقت عن تنظيم (جيش المهدي) الذي كان الصدر قد أسّسه قبل بضع سنوات». واتهم الصدر بعض العناصر الراديكالية التي انفصلت عن منظمته السابقة بارتكاب جرائم القتل الطائفية، كما عزا إليها ارتكاب أعمال التعذيب في عام 2006».
ومما لا شك فيه أن كوكبة الميليشيات المدعومة من إيران تلغي دور المؤسسات العراقية الرسمية وتزيلها عن الواجهة، ذلك أنها تنسق عملياتها مع «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني. وللعلم، فإن «فيلق القدس» هو عبارة عن وحدة قوات خاصة إيرانية تعمل خارج حدود الجمهورية الإسلامية. وقد تولى قائدها الجنرال قاسم سليماني بنفسه إدارة العمليات على خطوط المواجهات الأمامية مُعيدًا بذلك إنعاش تحالفات قديمة، مع الحرص في الوقت نفسه على إنشاء فروع وموالين جدد له. وبالتالي، تمكن النفوذ الإيراني من ملء الفراغ الذي خلفه نهج النأي بالنفس العسكري والدبلوماسي الذي اتبعته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في العراق.
وهنا يقول سنان عدنان، الخبير المتخصص في الشؤون العراقية بمعهد «دراسة الحرب»، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن «سياسة الولايات المتحدة تجاه دور الميليشيات الشيعية لا تزال مبهمة، ونلاحظ كثيرا من الغموض في تصريحات المسؤولين الأميركيين، وليس ثمة سياسة واضحة حتى الآن اتجاه الميليشيات المدعومة من إيران، بل حين سئل أحد المسؤولين الأميركيين عن دور الميليشيات الشيعية، أخيرًا، اكتفى بالرد أنه لا بد من النظر فيها ودمجها مع قوات الأمن بلا توضيح آخر».
راهنًا، يعمل قادة الميليشيات الشيعية خارج سيطرة الحكومة العراقية. وفي هذا السياق يشير عدنان إلى أن وزير الدفاع ورئيس الوزراء لا يتغاضيان كليًا وفعليًا عن الدور الطائفي للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران التي تشنّ هجمات كبرى ضد «داعش» وتؤدي إلى خسارة التنظيم لأراض مهمة. «فالميليشيات المدعومة من إيران نفّذت عمليات بالتعاون مع قوات الأمن العراقية على مستويات محلية، إنما لا نرى هذا التعاون والتنسيق على مستويات عليا مثل وزارة الدفاع». وفق عدنان.
ولكن على الرغم من ذلك، بات كثير من الشخصيات الرئيسية من هذه الميليشيات جزءًا من هيكلية السلطة في بغداد. فالحكيم الزميلي على سبيل المثال، قائد ميليشيا مدعومة من إيران ومتهم بقيادة «فرق الموت» حين كان نائبًا لوزير الصحة في حكومة المالكي، بات اليوم رئيس لجنة الأمن في البرلمان العراقي. ومحمد الغبان، نائب بارز للعامري في «منظمة بدر» المتهمة بارتكاب جرائم طائفية، هو اليوم وزير الداخلية، وهذا واقع يضمن لإيران إشرافًا دقيقًا على الشؤون الداخلية العراقية.
أضف إلى ما سبق أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، بما في ذلك «منظمة بدر» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» تشكل اليوم خطرًا كبيرًا على «سيادة» دولة العراق، كونها لا تستجيب لا للحكومة العراقية ولا للمرجعيات الشيعية العراقية مثل آية الله العظمى علي السيستاني، بل تعتبر أن قائدها الأعلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي. أيضا يشرح عدنان، الذي يشدِّد، في الوقت نفسه، على ضرورة التفريق بين الجماعات الموالية كليًا لإيران والجماعات الأكثر قومية، مثل «سرايا السلام»، والمتطوعين الذين لبّوا نداء آية الله السيستاني؛ أهم مرجعية شيعية في العراق، عندما أصبح واضحا أن تنظيم «داعش» بات تهديدًا وجوديًا للحكومة العراقية الخاضعة للهيمنة الشيعية. ولقد لجأ آية الله السيستاني حينئذٍ لإصدار فتوى دينية تدعو جميع الرجال القادرين على العمل لحمل السلاح للدفاع عن الدولة.
أما اليوم، وبعد سنوات من الإهمال، فيواجه المجتمع الدولي بشكل عام والحكومة العراقية بشكل خاص، مهمة قد تبدو مستحيلة، تتجسّد في تهدئة الوضع وإعادة توحيد البلاد التي انهارت فيها مقوّمات الدولة الصلبة القوية؛ إذ غدا تنظيم «داعش»، كما الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، من اللاعبين الأساسيين الذين يهدّدون بشكل جدي مستقبل العراق. ويشير منصور إلى أنه «عندما تحدثت مع رئيس الوزراء حيدر العبادي عندما كان نائبا، قال لي إنه يعرف جيدا أن عاملا أساسيا للعملية الديمقراطية هو وضع حد لهذه الميليشيات».
اليوم يسير العراق بخطى كبيرة، ويومًا بعد يوم، على المسار الذي فرض على لبنان، حيث يهيمن «وكيل إيران اللبناني» (حزب الله) على الحياة السياسية في البلاد. والفارق الوحيد بين وضعي البلدين أنه مع موارد العراق الشاسعة، تبقى الميليشيات العراقية متعددة وبالطبع أغنى بكثير من نسخة «حزب الله» اللبناني، الذي تحوّل إلى منظمة إقليمية تقود، كما يُقال، العمليات في سوريا المجاورة.
أمر آخر جدير بالاهتمام، هو أن هذا التهديد الذي تشكله الميليشيات الشيعية لا يخلو من الخطر على سياسة الولايات المتحدة. ولذا يرى عدنان أن على الولايات المتحدة أن تعتمد نهجًا واضحًا ومتماسكًا إزاء هذه المسألة. فاليوم الذي يُطرد فيه تنظيم «داعش» من العراق هو اليوم نفسه الذي سيشهد صراعًا دمويًا آخر نظرًا إلى ميل هذه الميليشيات إلى التطهير العرقي وعمليات الإعدام الطائفية الجماعية، مما يعني دخول البلاد في نفق مظلم آخر من الصراعات الطائفية التي لا نهاية له. وبعد وضع حد لتنظيم «داعش»، من الأرجح أن تستمر الميليشيات الشيعية بما تقوم به حاليًا، أي أنه سينشأ «حزب الله» جديد بنسخة عراقية مستقبلاً، وفق عدنان.
بناءً على ما سبق، لا بد من التوصل إلى حل سريع قبل الهجوم المرتقب على الموصل خلال الربيع أو الصيف القادمين. وهو حل من الضروري أن تسبقه إجراءات تعيد ثقة زعماء القبائل السنّيّة بالحكومة العراقية لضمان تعاونهم معها.
ويختتم منصور كلامه بالقول: «أخيرا تبقى الخطوة المهمة المتعلقة في إنشاء حرس وطني، يُكلف معه المواطنون المحليون بأمن مدنهم (أي حرس سنّة في المناطق السنّيّة وحرس شيعة في المناطق الشيعية)، علما أن الحكومة العراقية وافقت على هذا القانون الذي ما زال من المنتظر أن يصوت عليه البرلمان، وهذا أمر لا بد أن يحدث قبل الهجوم المرتقب على الموصل».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».