اليمين في الحكومة الإسرائيلية المرتقبة يطلب تعزيز الاستيطان لصد تهمة اليسارية

بنيت متوسطاً لبيد (إلى اليسار) وساعر خلال اجتماع للتحالف الأحد (د.ب.أ)
بنيت متوسطاً لبيد (إلى اليسار) وساعر خلال اجتماع للتحالف الأحد (د.ب.أ)
TT

اليمين في الحكومة الإسرائيلية المرتقبة يطلب تعزيز الاستيطان لصد تهمة اليسارية

بنيت متوسطاً لبيد (إلى اليسار) وساعر خلال اجتماع للتحالف الأحد (د.ب.أ)
بنيت متوسطاً لبيد (إلى اليسار) وساعر خلال اجتماع للتحالف الأحد (د.ب.أ)

مع قرار رئيس البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) ياريف لفين، دعوة الهيئة العامة إلى جلسة خاصة، الأحد المقبل، لتنصيب الحكومة الجديدة، وعرضها للتصويت لنيل ثقة الكنيست، تم كشف برنامج الحكومة ونصوص الاتفاقيات حولها.
وقال أحد أقطاب الحكومة المرتقبة غدعون ساعر، الذي يفترض أن يصبح وزير القضاء، إنها ستقرّ في جلساتها الأولى سلسلة مشروعات لتعزيز الطابع اليهودي للقدس وتوسيع الاستيطان في جميع المناطق الفلسطينية المحتلة. وقال ساعر إن الهدف في القدس هو «تعزيز البناء الاستيطاني في المدينة وتحويلها إلى مركز الحكم الإسرائيلي عبر نقل مقرات الوزارات إليها».
وكان قادة أحزاب الائتلاف الحكومي الجديد برئاسة يائير لبيد، رئيس حزب الوسط «يوجد مستقبل»، ونفتالي بنيت، رئيس حزب «يمينا» المتطرف، قد اتفقوا على الخطوط العريضة لحكومة الوحدة التي يفترض أن تنطلق إلى المصادقة، ثم العمل، وعرضوها على جدول أعمال الكنيست. وهي تركز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وتحاول الابتعاد عن القضايا السياسية الجوهرية، بسبب الخلافات العميقة حولها.
وتنص وثيقة الخطوط العريضة على «العمل الحثيث في الحكومة من أجل نمو وازدهار القدس، عاصمة إسرائيل، مع الاستمرار في تعزيز وتوسيع البناء فيها، وتحويلها إلى عاصمة ديناميكية وعصرية. ومن أجل ترسيخ مكانة المدينة كمركز للحكم، في غضون فترة وجيزة بعد تنصيب الحكومة، سيتم نقل جميع مقرات الوزرات وأقسامها والمؤسسات الحكومية إلى القدس».
يذكر أن نصوص اتفاقيات الائتلاف جاهزة وكان بالإمكان تنصيب الحكومة على الفور، لكن لفين، المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قرر المماطلة واستغلال نفوذه في الحكم وتأجيل جلسة الكنيست حتى الحد الأقصى، على أمل أن يتمكن من تفكيك الحكومة الجديدة قبل تنصيبها.
وقد بنى آماله هذه على النائب من حزب «يمينا» نير أوروباخ الذي تردد طويلاً في تشكيل الائتلاف. لكنه أعلن، أمس، أنه قرر تأييد الحكومة، رغم الضغوط الشديدة التي مارسها عليه نتنياهو، ومؤيدوه من قوى اليمين والاستيطان. وبذلك بات مضموناً حصول الحكومة الجديدة على دعم أغلبية 61 عضو كنيست، بضمنهم 4 نواب لـ«القائمة الموحدة» من «الحركة الإسلامية» بقيادة النائب منصور عباس.
ومع ذلك، لم يرفع نتنياهو الراية البيضاء. وحسب مصدر مقرب منه، فإنه سيواصل العمل على تفكيك الائتلاف الجديد حتى اللحظة الأخيرة. وفي يوم أمس تسرب للإعلام نبأ مفاده أنه يمارس الضغوط على «الحركة الإسلامية» أيضاً حتى تنسحب من هذا الائتلاف.
فإذا فشل في هذا، ستتم المصادقة على الحكومة الأحد، ويبدأ قادتها ممارسة مهامهم في الأيام التالية. وسيكون على نتنياهو أن يفارق مقر رئاسة الحكومة في شارع بلفور في القدس الغربية ليدخل مكانه نفتالي بنيت، وسيكون يائير لبيد، رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية ورئيس حكومة بالوكالة في غياب بنيت. وبعد 27 شهراً يتناوب لبيد وبنيت على المناصب.
والمهمة الأولى التي ينوي الائتلاف الحكومي القيام بها هي تغيير رئيس الكنيست واستبداله بالنائب ميكي ليفي، وهو قائد سابق لشرطة القدس، ويمثل حزب لبيد. وسيطرح على الكنيست عدداً من مشروعات القوانين التي تقيد نتنياهو حتى لا يعود إلى جهود إسقاط الحكومة، ومن بينها سن قانون يمنع رئيس حكومة سابق من العودة إلى رئاسة الحكومة، إلا إذا مضى على تركه المنصب 4 سنوات.
ومن نصوص برنامج الحكومة الذي نشر رسمياً، أمس، أنها «ستعمل على تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي والحفاظ على أمن المواطنين، إلى جانب السعي الدائم لتحقيق السلام». وفي الصياغة النهائية للاتفاق، لم يأتِ على ذكر «الامتناع عن اتخاذ خطوات أحادية الجانب»، علماً أن المسودات الأولية للاتفاق كانت قد شملت ذلك.
وفيما يتعلق بالعرب مواطني إسرائيل (فلسطينيي 48)، ينص برنامج الحكومة على تخصيص 30 مليار شيكل (9 مليارات دولار) لـ5 سنوات لأجل سد هوة التمييز و800 مليون دولار لمكافحة العنف المجتمعي والاعتراف بـ3 قرى عربية في النقب وتمديد تجميد تنفيذ «قانون كامينتس» حتى العام 2024. وتجميد الهدم في النقب لمدة 9 أشهر، وتعيين أحد أعضاء القائمة الموحدة بمنصب نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة، ورصد ميزانية تقدر بنحو نصف مليار شيكل (155 مليون دولار) للصرف على المجتمع العربي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟