جدال في أميركا حول علاقة «داعش» بالإسلام الحقيقي

بين مشكّك في مسوّغات الربط.. ومُبالغ في التركيز عليه

جدال في أميركا حول علاقة «داعش» بالإسلام الحقيقي
TT

جدال في أميركا حول علاقة «داعش» بالإسلام الحقيقي

جدال في أميركا حول علاقة «داعش» بالإسلام الحقيقي

ما الذي يريده تنظيم داعش بالضبط؟
لقد اقتطع المسلحون المتطرفون إقطاعية خاصة بهم في العراق وسوريا، الدولتين القوميتين المنهارتين من الداخل. وزعموا إقامة الخلافة واستمالوا الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى صفوفهم، ثم ذبحوا أعدادا لا حصر لها من الأبرياء، واسترقوا النساء وقطعوا رؤوس الرهائن. ولكن لأية غاية فعلوا كل ذلك؟
خلال هذا الأسبوع، خرجت صحيفة «ذي آتلانتيك» بإجابة عن ذلك التساؤل في مقالة غلاف من 10 آلاف كلمة كتبها غرايم وود. ومن خلال مقابلات أجريت مع عدد من مناصري تنظيم داعش وغيرهم من المتعاطفين معه، أرسى وود دعائم قصته حيال «لماذا ينبغي علينا التعامل مع النظرة الدينية العالمية لمن يصفون أنفسهم بـ(الجهاديين) بمنتهى الجدية؟».
وود يقول صراحة: «الحقيقة أن تنظيم داعش تنظيم إسلامي. بل إسلامي للغاية»، ويتابع مجادلا: «صحيح أن التنظيم استقطب جماعات العصابيين والمرضى النفسيين والباحثين عن المغامرات وجمهرة من الساخطين على الأوضاع العامة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، كل هذا صحيح، لكن «الخطاب الديني» الذي يستخدمه غلاة دعاة التنظيم يستقي مصطلحاته وتعابيره من تفاسير متماسكة بل وعلمائية للإسلام».
تستحق مقالة وود القراءة، إن لم يكن لشيء فلنشرها في الأسبوع نفسه الذي عقد فيه البيت الأبيض الأميركي قمة حول «مكافحة التطرف العنيف». ولقد اختتم الرئيس باراك أوباما فعاليات تلك القمة بخطاب شدد من خلاله على إيمانه المعلن بأن «الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة راهنا ليست ضد الإسلام، بل ضد أناس أقدموا على تحريف الإسلام». ولكن في أجواء واشنطن المحمومة هذه الأيام، فإن هذه اللفتة اللفظية الحميدة تفاقم حالة الانقسام القائم على الريبة مع معارضين سياسيين غاضبين على إحجام الإدارة الحالية عن الكشف بوضوح وحزم عن الأسس الدينية الراسخة للإرهابيين.
من هؤلاء رودي جولياني، عمدة نيويورك السابق - وهو من «يمين» الحزب الجمهوري - الذي علق قائلا: «يجب أن تتمتع بالقدرة على انتقاد الإسلام ذاته حيال الأجزاء الخاطئة من الإسلام». وبيل أورايلي (المعلق والإعلامي اليميني المتشدد) الذي قال مهاجما: «لقد بدأت الحرب المقدسة بالفعل، ولكن بكل أسف، يبدو أن رئيس الولايات المتحدة سيكون آخر من يعترف بذلك». جولياني وأورايلي يعبران عن الشق الفج من الجدل، ويظهر من تحمسهما لتسجيل النقاط السياسية أنهما يتبنيان منطق نظرية «صدام الحضارات» ذاتها التي يفضلها ويسعى إلى تزكيتها منظرو تنظيم داعش، الذين لا يريدون هدية أفضل من أن يتاح لهم الاصطفاف في مواجهة «الغرب الصليبي». غير أن مقالة وود المستفيضة، التي أثارت سيلا أطول وأغزر من ردود الفعل عليها، تقدم قراءة أكثر إحاطة وعمقا للواقع.
بمنتهى البساطة، يستكشف وود «مثابرة داعش وهوسه الجدي»، أي درجة أو منسوب الإيمان الصادق والقاطع عند أتباعه بحتمية اليوم الآخر المتجذرة في أصول العقيدة الإسلامية والتي ينتظر المؤمنون تحققها على الأرض.
إن المذابح الجماعية التي يرتكبها التنظيم عمدا ليست إلا جزءا من محاولته الدؤوبة للعودة بالعالم إلى لحظة البداية، قبل قيام «الحدود الوطنية» حين لا يحكم إلا بأحكام تنظيم داعش وحدها. إنهم، عمليا، يريدون جر الغرب إلى معركة تستحضر رؤى «نهاية العالم» المسيحانية القديمة. ويقول وود في مقالته: «يستطيع المسلمون نبذ تنظيم داعش، وسوادهم الأعظم يفعل ذلك حقا»، في سياق سعيه لتفسير المعدن الشخصي الحقيقي لـ«حماسة» المتطرفين، لكنه يستدرك فيقول: «غير أن التظاهر بأن التنظيم ليس دينيا، ولا يتعلق بأحلام الألفية السعيدة، ويتصل بعقيدة لا بد من فهمها واستيعابها لكي يتسنى مقاومتها، دفع الولايات المتحدة إلى التقليل من شأنها». مقالة وود غنية وعميقة، وهي لا تطالب بشن حرب على الإسلام، بيد أنها، كما يرى اليوم كثيرون من النقاد، تعتبر أن إفراطها بالتركيز على «النسخة الداعشية» من الإسلام يحجب عددا من الحقائق المهمة الأخرى حول الإسلام و«الجهاد» والجماعات التي تدّعي الانتساب إليه. أحد هؤلاء النقاد شادي حامد، الباحث لدى معهد بروكينغز في واشنطن، الذي قال ضمن سلسلة من التعليقات الجديرة بالتمعن والتأمل إن المقالة أخذت الدوافع الدينية لـ«داعش» بجدية «مبالغ فيها» مقابل تجاهلها أو تحديها الطرق الكثيرة التي تناسى بها منظرو التنظيم أو تحدوا تقاليد الفكر الإسلامي عبر تاريخه. وهذا ما أكد عليه أيضا روس دوثات من صحيفة «نيويورك تايمز».
ولكن عودة إلى وود، إنه لا يرفض بصورة مقنعة الشكوك بأن هؤلاء من يصفون أنفسهم بـ«الجهاديين» كائنات في العصر الحديث، وهذا على الرغم من غلوّ القرون الوسطى المتأجج في قلوبهم. وأبعد من وضع التنظيم نفسه خارج تراكم قرون من الفقه الإسلامي، فإنه برز وسط مجموعة من الظروف التاريخية نشأت أو تبلورت خلال القرن العشرين، كما عبأ صفوف مقاتليه ونشر دعوته عبر شبكات تواصل من القرن الحادي والعشرين.
في المقابل، يرى آخرون أن وود تقبل من دون تردد النظرة العالمية لأتباع «داعش». من هؤلاء هارون مغول الذي كتب في مجلة «صالون» قائلا: «على الرغم من أن خطاب (داعش) الدعوي يحوي جملة مقتطفات ومقتطعات من الدين الإسلامي، فإن علاقته بالإسلام ليست أكثر من علاقة فرانكشتاين بالإنسانية، أو الغيلان الموتى بالأحياء من البشر». أما مرتضى حسين، في «إنترسبت»، فقد اتهم وود باختزال أعمال مجموعة كبيرة من علماء الدين الإسلامي في مقالته الواقعة في 10 آلاف كلمة لتبرير تحيزه لأطروحته.
ثم هناك سؤال كبير محل اعتبار هو: هل هناك أي أهمية حقا لما تعتقده حفنة من القتلة المجرمين؟ ولقد عقد بعضهم المقارنة بين الهوس بآيديولوجيات «داعش» مقابل مناقشات في حقب زمنية أخرى تدور حول «عرقية» أو «ماركسية» جماعات ثائرة أو متمردة. ففي هذا الإطار أدلى فريد زكريا، في صحيفة «واشنطن بوست» بدلوه قائلا: «يذكرني مقال وود ببعض اللهاث الطويل إبان حقبة الحرب الباردة، لمعرفة ما إذا كان الشيوعيون آمنوا فعلا وحقا بالشيوعية. وبطبيعة الحال يؤمن كثير من قادة داعش بالأساس الفكري للتنظيم، غير أن السؤال الحقيقي هو: لماذا برزت هذه الآيديولوجية في هذا التوقيت تحديدا؟ ولماذا تحمل ذلك القدر من الجاذبية لمجموعة ما – في واقع الأمر، هي مجموعة صغيرة جدا – من المسلمين الذكور؟».
الإجابة على الأسئلة المطروحة لن نجدها، في الواقع، ضمن التأملات التي تطرحها مقالة وود حول رغبة الموت المسيحانية لدى «الجهاديين». نعم، مثير للاهتمام التفكر في عقليتهم الواهمة، ولكن الأهم من ذلك ربما تقدير الحجم الحقيقي لتحديات الحاضر، ومنها:
- الأنظمة السلطوية العربية التي أنتجت «التطرف الإسلامي».
- كوارث السياسات الخارجية الغربية والتي في جزء منها منحت جرعات من الغذاء الحيوي للمتطرفين.
- العوائق الكثيرة التي ما زالت تعترض سبل التنمية والإصلاح السياسي في منطقة الشرق الأوسط.
نعم، يمكننا فعليا أن نشغل أنفسنا بالجزء «الإسلامي» من تنظيم داعش، غير أن قضايا «الدولة» لدى ذلك التنظيم هي التي ستحدد مصيره المحتوم في نهاية المطاف.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ {الشرق الأوسط}



2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.