تعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للمرة الأولى منذ وصوله إلى قصر الإليزيه ربيع العام 2017 لاعتداء جسدي مباشر أثار موجة من التضامن معه ومن التنديد بالعنف الذي أخذ يطبع الحياة السياسية. ووقعت الحادثة بعد ظهر أمس عندما كان ماكرون يزور بلدة «تان ليرميتاج» الريفية الواقعة في منطقة «دروم»، جنوب شرقي فرنسا، على بعد 20 كيلومتراً من مدينة فالانس المعروفة.
وبيّنت مقاطع فيديو انتشرت أمس على نطاق واسع ماكرون وقد خلع سترته، يقترب من مجموعة من الأشخاص المتجمهرين وراء حواجز معدنية، وهو يتأهب لمصافحتهم. وبعد أن صافح عدة أشخاص، أمسك شاب يد الرئيس ثم عاجله سريعاً بصفعة على خده الأيسر فيما سمعت أصوات تصيح: «لتسقط الماكرونية» أو «ارحل من هنا». كذلك سمع من يصرخ: «مونجوا، سان دونيس» وهما اسما مدينتين فرنسيتين، لكن أيضاً هما خصوصاً شعار للحركة الملكية التي ما زال لها أتباع في فرنسا في أوساط التيارات الكاثوليكية التقليدية والمتشددة.
وسريعاً جداً، انقض حرس الرئيس على المعتدي وطرحوه أرضاً وعمدوا كذلك إلى إلقاء القبض على شخص آخر يرجح أن يكون من أطلق الصيحات المعادية. وتولى آخرون من أمن الرئيس إبعاده عن الجمهور. وأفادت مصادر قصر الإليزيه أن ماكرون أكمل، رغم الحادثة، تجواله وصافح مزيداً من الأشخاص لـ10 دقائق إضافية.
وأفاد أليكس بيران، المدعي العام للجمهورية في مدينة فالانس، أن الشخصين الموقوفين البالغين من العمر 28 عاماً، هما من منطقة «دروم»، وأنهما غير معروفين من الجهات الأمنية. وقبل الحادثة، التقى ماكرون في المدرسة الفندقية أشخاصاً من العاملين في القطاع المذكور للتعرف عن قرب على حالته وتبادل الحديث مع الصحافة. ومن سخرية الأقدار أنه شدد على أن «الحياة الديمقراطية تحتاج للهدوء والاحترام من قبل الجميع، سواء أكانوا مواطنين أم مسؤولين سياسيين». وأضاف الرئيس الفرنسي: «الحياة الديمقراطية توفر للمعارضات التعبير الحر في الشارع والصحافة والتلفزة وفي فترات محددة ودورية داخل صناديق الاقتراع، لكن المقابل (المطلوب) هو نهاية العنف والحقد لأن عودتهما تعني المس بشيء وحيد هو الديمقراطية. لذا، أدعو الجميع للاحترام والهدوء». لكن من الواضح أن دعوة الرئيس الفرنسي لم تجد أذناً صاغية، أقله لدى هذين الشخصين الموقوفين. وفي السياق عينه، جاءت ردة فعل رئيس الحكومة جان كاستيكس الذي قال في البرلمان إن السياسة «لا يمكن أن تكون بالعنف أو الاعتداء اللفظي أو الجسدي، لذا أدعو لوثبة جمهورية، إذ نحن جميعاً معنيون بذلك، لأن أسس الديمقراطية على المحك».
وتندرج جولة ماكرون أمس، في منطقة «دروم»، في إطار خطته للتعرف على وضع الفرنسيين والمناطق الفرنسية بعد جائحة «كوفيد 19». وهدف ماكرون المباشر كان أمس دعم قطاع المطاعم والمطبخ الفرنسي بشكل عام، وكلاهما عانيا بشدة في الأشهر المنصرمة مع فرض الحظر والإغلاق. واليوم تنطلق المحطة الثالثة للتخلي عن التدابير الاحترازية التي اتخذت لكبح جماحها بحيث سيتاح التنقل الحر حتى 11:00 ليلاً وستفتح دور السينما والمسارح والمتاحف المقاهي والمطاعم «بشكل كامل» وتخفف إجراءات الوقاية... إلا أن معارضي ماكرون اعتبروا أن ما يقوم به هو حملة انتخابية مقنعة تمهيداً لرئاسيات العام المقبل، وقبل أيام قليلة من الانتخابات المحلية والإقليمية.
من بين رؤساء الجمهورية الخامسة، تعرض اثنان لمحاولة اغتيال، هما الجنرال ديغول «بسبب حرب الجزائر» في أغسطس (آب) 1962 بهجوم بالرشاشات على سيارته، وجاك شيراك في العام 2002 خلال الاحتفال العسكري بالعيد الوطني الفرنسي، عندما حاول أحد الحضور استهدافه ببندقية خبأها داخل ثيابه. وخلال رئاسة نيكولا ساركوزي، تعرض لاستهداف كلامي نابٍ خلال زيارته المعرض الزراعي في باريس. أما ماكرون، فقد استُهدف لعدد من المرات بعنف لفظي، خصوصاً إبان حركة «السترات الصفراء» التي هزت فرنسا طيلة أكثر من عام، بدءاً من خريف العام 2018.
وفيما اعتبرت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن أنه «من غير المقبول أن يهاجم رئيس الجمهورية جسدياً وهذا يصح على المسؤولين السياسيين كافة ولكن خصوصاً على الرئيس لأنه الرئيس»، أعرب جان لوك ميلونشون، رئيس حزب «فرنسا المتمردة» اليساري المتشدد والمرشح للمرة الثانية للرئاسيات، عن «تضامنه» مع ماكرون.
موجة تضامن مع ماكرون بعد تعرضه لـ«صفعة»
موجة تضامن مع ماكرون بعد تعرضه لـ«صفعة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة