واشنطن تدرس مساعدة الأفغان المعرّضين للخطر بعد الانسحاب

TT

واشنطن تدرس مساعدة الأفغان المعرّضين للخطر بعد الانسحاب

أكد وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، أن إدارة الرئيس جو بايدن، تنظر في «كل حال طوارئ محتملة» لمساعدة آلاف الأفغان الذين يمكن أن يتعرضوا لخطر الانتقام من «طالبان» بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.
وأشار بلينكن إلى أن الخطوات التي تدرسها الإدارة تشمل مطالبة الكونغرس بزيادة عدد التأشيرات لهؤلاء الأفغان وإمكان منحهم وضعاً إنسانياً مشروطاً يتيح لهم اللجوء بصورة قانونية إلى الولايات المتحدة. ومع أنه قال: «نحن ندرس كل خيار»، لم يقدم إجابة مباشرة عندما ضغط عليه المشرعون في لجنة الشؤون الخارجية لدى مجلس النواب بشأن الحاجة إلى التفكير في إجلاء آلاف الأفغان الذين ينتظرون تأشيرات الهجرة الخاصة إلى دولة ثالثة بحيث يمكن أن يكونوا آمنين في أثناء انتظارهم للحصول على التأشيرات الأميركية. وكان النائب الجمهوري مايك ماكول، قد ضغط على بلينكن من أجل العمل على إجلاء أي شخص في أفغانستان وصلت معاملته إلى مرحلة متقدمة. وقال إن «الساعة تدق، و(طالبان) تتقدم»، مناشداً «الإدارة لإجلاء أي شخص وصل إلى مرحلة مهمة في عملية الفحص الأمني». وأضاف: «انتهى وقت التفاهات والوعود الغامضة. نحن بحاجة إلى عمل». وغرد لاحقاً على «تويتر» بأنه «محبط» من عدم استجابة بلينكن مباشرةً لإجلاء الأفغان «الذين خاطروا بحياتهم لمساعدتنا». وأشار إلى أن وزارة الدفاع (بنتاغون) أعلنت أنها أعدت خططاً للإجلاء، ولكن «يجب على وزارة الخارجية إبلاغ الكونغرس إلى أين يمكن إجلاؤهم».
كانت حركة «طالبان» قد أفادت في بيان، بأن الأفغان الذين عملوا مع القوات الأميركية والدولية يجب أن «يبدوا الندم» و«عدم الانخراط» في هذه الأعمال في المستقبل ومن ثم لن تلاحقهم «طالبان». لكن الأفغان الذين يتقدمون للحصول على تأشيرات الهجرة الخاصة لا يعتقدون أن هناك أي سبب لتصديق الحركة.
وفي البنتاغون، صرح قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي، بأن الانسحاب من أفغانستان «صار في منتصف الطريق».
وأخبر بلينكن لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب أن وزارة الخارجية أضافت 50 شخصاً للتعامل مع تراكم طلبات الهجرة الخاصة، مشيراً إلى أن الإدارة خصصت 26 ألفاً من التأشيرات، واستخدمت منها 15 ألفاً. ومع بقاء 11 ألفاً فقط، لا يمكن استيعاب كل الطلبات الـ18 ألفاً المتبقية. واقترح بلينكن «زيادة ثمانية آلاف إلى سقفنا حتى نتمكن من استيعاب الجميع».
وكذلك قال بلينكن للجنة الفرعية للمخصصات التابعة لمجلس النواب: «حتى ونحن نسحب قواتنا، فإننا لا ننسحب من أفغانستان»، مضيفاً: «نحن مصممون على الحفاظ على وجود قوي للسفارة، وبرامج لدعم أفغانستان وشعبها وحكومتها، والتنمية الاقتصادية والإنسانية والخدمات وقوى الأمن». وأكد أن «كل هذا سيبقى. نحن نعمل مع شركاء آخرين للتأكد من بقائهم كذلك، وإننا نواصل مشاركة عميقة في دعم الحكومة، ودعم الناس». وشدد على أنه «مهما حدث في أفغانستان، إذا كان هناك تدهور أمني كبير (...) لا أعتقد أنه سيحدث» بين ليلة وضحاها، مستنتجاً أنه «لذلك لن أساوي بالضرورة بين رحيل قواتنا في يوليو (تموز) أو أغسطس (آب) أو أوائل سبتمبر (أيلول) بنوع من التدهور الفوري في الوضع».
ومن المقرر أن تنجز القوات الأميركية والدولية انسحابنا من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر المقبل، أي بعد 20 سنة من هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية ضد الولايات المتحدة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟