تركيا تفقد يشار كمال أحد عمالقة أدبها

توفي عن 92 عاما بعد صراع طويل مع مرض عضال يشار كمال، أحد عمالقة الأدب التركي وأبرز الكتاب المعاصرين، الذي ترجمت أعماله إلى أكثر من 40 لغة. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن أطباء كمال الذي نقل إلى المستشفى في يناير (كانون الثاني)، أنه توفي بسبب مضاعفات التهاب رئوي وعدم انتظام في دقات القلب.
وكمال الحاصل على جائزة السلام الممنوحة من رابطة الناشرين الألمان توفي أول من أمس السبت في أحد مستشفيات إسطنبول. ويعتبر كمال أحد أهم كتاب الرواية التركية على الإطلاق. وكان كمال حقق شهرة عالمية من خلال روايته «محمد النحيل» التي بدأ نشرها عام 1955 وترجمت إلى أكثر من 40 لغة وفرضت وجوده على ساحة الأدب العالمي، وصدرت في عدة مجلدات فيما بعد، حيث جعلته من أكثر الكتاب قراءة في بلاده.
وتبرز أعماله الكفاح من أجل الحرية وحقوق الإنسان، وهي مبادئ تتضمنها أكثر من 20 رواية له، والكثير من القصص القصيرة التي كتبها كمال. وفاز بجوائز عدة ورشح مرارا لجائزة نوبل للآداب التي كان أورهان باموك أول كاتب تركي يحصل عليها في 2006.
حصل يشار كمال على جوائز كثيرة عن رواياته ذات الطابع الملحمي التي تتناول ظروف الحياة الصعبة لسكان بلدات وسط الأناضول ونضالهم ضد الإقطاعيين والدولة.
وكمال من أصل كردي وكان فنانا ناشطا في صفوف اليسار، ومناضلا من أجل القضية الكردية. وقد تعرض لمحاكمات كثيرة ولعقوبة بالسجن بعد الانقلاب العسكري في عام 1971، وعاش في المنفى سنوات عدة في السويد. وقال وزير الثقافة عمر تشيليك عبر خدمة «تويتر»: «حزننا كبير. خسرت تركيا والبشرية قامة كبيرة».
وقد عرضته كتاباته ونضاله السياسي ضد النهج القمعي للسلطات حيال الأقلية الكردية في تركيا، لمحاكمات عدة ودخل السجن أيضا. كما اضطر للعيش متخفيا وفي المنفى لسنوات في السويد هربا من تهديدات بالقتل تعرض لها، وضغوط السلطات. بدأ الكتابة في سن مبكرة؛ إذ وضع قصائده الأولى وهو على مقاعد المدرسة الابتدائية.
ولد يشار كمال في عام 1923 في بلدة صغيرة في سهول كيليكيا (جنوب شرقي تركيا). وقد عرف الكاتب، واسمه الأصلي كمال صادق غوتشيلي، طفولة مأسوية؛ فبعدما فقد النظر في إحدى عينيه جراء حادث، شهد وهو في سن الخامسة جريمة قتل والده عندما كان يصلي في مسجد بيد ابنه بالتبني.
وغادر الشاب المدرسة مبكرا، ومارس أعمالا مختلفة ليؤمن لقمة العيش، فعمل في جمع القطن، وسائق آليات زراعية، وأمين مكتبة كذلك.
في عام 1950 أوقف لأول مرة بتهمة القيام بدعاية شيوعية، وجرت محاكمته لكنه بُرِّئ.
وتخلى يشار عن اسمه الأصلي معتمدا اسم كمال الذي يعني الناجي باللغة التركية. وانتقل للعيش في إسطنبول، حيث راح يعمل في الصحيفة اليسارية والعلمانية «جمهوريت».
وقد بدأ في إسطنبول كبرى المدن التركية «مسيرته» مناضلا سياسيا، وانضم إلى حزب العمال الأتراك وأسس مجلة ماركسية بموازاة عمله على روايته الأولى.
وجاءت روايته الأولى «محمد النحيل» في 4 أجزاء. ويروي فيها مغامرات مقيم في إحدى البلدات يضطر إلى العيش متخفيا بعد ثورته على الزعماء الإقطاعيين. وقد حولت الرواية عام 1984 إلى فيلم أخرجه الممثل والكاتب المسرحي البريطاني بيتر أوستينوف.
وشكلت مواضيع مثل الظلم الاجتماعي وكفاح الفقراء ضد الاستبداد والحرمان، محاور أساسية في أعمال يشار كمال مثل «أرض من حديد، سماء من نحاس».
وقد استلهم من شخصية عمه، وهو لص معروف اغتيل في سن الخامسة والعشرين، شخصيات أبطاله المتمردين الطيبين. وينهل أسلوبه الشاعري الغني بالوصف مباشرة من الأساطير والفلكلور في منطقة الأناضول.
وقد أوقف مجددا إثر الانقلاب العسكري في 1971 وأدخل السجن، لكن أفرج عنه بعد احتجاجات دولية. وفي نهاية ذلك العقد اضطر إلى سلوك طريق المنفى، فانتقل إلى السويد التي أقام فيها سنتين.
في عام 1995، واجه يشار كمال مجددا مشكلات مع القضاء وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ بعد إدانته بتهمة التنديد بـ«قمع» الأكراد، إلا أن الكاتب رفض السكوت. وقال عام 2007: «الحرب تدمر تركيا».. في إشارة إلى المعارك بين المتمردين الأكراد والجيش. وأضاف: «أنا لست بطلا لكن من واجبي أن أسمع صوتي».
وقد استمر في نضاله، وكان أول من دافع عن مواطنه أورهان باموك أول كاتب تركي يفوز بجائزة نوبل للآداب، عندما تعرض لملاحقات؛ لأنه تحدث عن مجازر إبادة طالت الأرمن عام 1915، وبمعزل عن نضاله السياسي كان يشار كمال كاتبا فذا. وقد قال في أحد الأيام: «لا أكتب عن مشكلات ولا أكتب متوجها إلى جمهور ولا أكتب لنفسي، حتى أنا أكتفي بالكتابة بكل بساطة».
وقد حاز جوائز وأوسمة عدة في العالم بأسره، لكنه لم يحظ بجائزة نوبل، الأمر الذي يعتبره الكثير من الأتراك ظلما.
في عام 2001 توفيت زوجته تيلدا، وهي بلجيكية من عائلة يهودية معروفة، ترجمت جزءا كبيرا من أعماله إلى الإنجليزية وساهمت في شهرته العالمية.