رحيل إريك رولو.. الصحافي الذي لا يتعب

عاشر كبار زعماء العالم وحاورهم وعاكسهم وأحبهم ففتحوا له قصورهم

رحيل إريك رولو.. الصحافي الذي لا يتعب
TT

رحيل إريك رولو.. الصحافي الذي لا يتعب

رحيل إريك رولو.. الصحافي الذي لا يتعب

قليلون يعرفون من هو إيلي رفول المواطن المصري المولود عام 1926 في مدينة هليوبوليس، وقليلون يعرفون أن رفول الذي توفي في 25 فبراير (شباط)، في منزله المطل على الشاطئ الفرنسي المتوسطي، صحافي مشهور على المستوى العالمي. عاشر كبار زعماء العالم وحاورهم وعاكسهم وأحبهم، ففتحوا له قصورهم قبل أن يفتحوا له قلوبهم. نجح في مهنة المتعب إلى درجة أن الحكومة الفرنسية كلفته بمهمات سرية في إيران وليبيا. وذهب الرئيس الاشتراكي الأول في الجمهورية الخامسة، فرنسوا ميتران، إلى حد تعيينه سفيرا لبلاده لدى تونس، ثم لدى تركيا، ثم سفيرا متنقلا قبل أن يعود رفول إلى الصحافة.
من حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين، إلى جمال عبد الناصر، إلى ياسر عرفات، وحافظ الأسد، والعقيد معمر القذاف،ي وآية الله الخميني، وغيرهم كثيرون.. كلهم «ارتاحوا» لإيلي رفول المولود في عائلة يهودية مصرية، الذي بدأ عمله الصحافي في سن العشرين، في العاصمة المصرية، محررا في مجلة قاهرية كانت تسمى «Egyptian Gazette».
لا نعرف الأسباب التي دفعت إيلي رفول، الشاب اليهودي الشيوعي المعارض لحكم الملك فاروق الذي نزع عنه الجنسية المصرية وأجبره على سلوك درب المنفى عام 1951 أن يغير اسمه الأول واسم عائلته عند وصوله إلى فرنسا التي اختارها موطنا له، وأن يتحول إلى إريك رولو. المرجح أن إيلي رفول أراد أن يطمس هويته المصرية اليهودية وأن «يتفرنس» تماما من خلال تغيير اسمه على غرار ما فعله كثيرون من الصحافيين والأدباء والفنانين في فرنسا عقب الحرب العالمية الثانية مع ما جلبته على اليهود من مآس وويلات ليس أقلها إجبارهم على تعليق شارة النجمة الصفراء. لكن رولو، في كتاباته الصحافية وغير الصحافية اقترب من قضايا العالم الثالث ومن القضية الفلسطينية إلى درجة أن اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسه مناحيم بيغن، اتهمه بـ«الخيانة» وقاطعه وحاول فرض الحظر عليه. لكن هذا لم يمنعه من أن يبقى على علاقة مع اليسار الإسرائيلي، وأن يجري مقابلات صحافية مع ديفيد بن غوريون، وغولدا مائير، وموشيه دايان، وإسحاق رابين، وشيمعون بيريس.
طيلة حياته المهنية، كانت اهتمامات إريك رولو تدور حول الشرق الأوسط «بالمفهوم الأنكلو سكسوني للتعبير؛ أي تركيا وإيران، وحتى أفغانستان» وقضاياه. في عام 1951، انضم إريك رولو إلى وكالة الصحافة الفرنسية وبعد ذلك بـ4 سنوات إلى صحيفة «لوموند» التي فتحت له صفحاتها. وخلال عقود طويلة تحول رولو إلى مرجع في القضايا العربية والشرق أوسطية مستندا إلى معرفته للغة العربية وإلى شبكة علاقات واسعة نسجها في المنطقة ومكنته من أن يكون على اطلاع ليس فقط على ما يحدث على المسرح، بل خصوصا ما يجري وراء الستارة.
عايش الأحداث المزلزلة التي عرفها الشرق الأوسط من قيام إسرائيل الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى، فالثورة المصرية، وتنحية الملك فاروق، امتدادا إلى تأميم قناة السويس، فالحرب الثلاثية البريطانية الفرنسية الإسرائيلية على مصر وتوجه عبد الناصر إلى المعسكر الاشتراكي، ثم إلى بلدان عدم الانحياز. ومن بداية الستينات وحتى منتصف الثمانينات، كان إريك رولو حركة لا تهدأ. تابع حرب يونيو (حزيران) عام 1967 ونشوء المقاومة الفلسطينية وسبتمبر (أيلول)/ الأسود عام 1970 الذي شهر إخراج المقاومة الفلسطينية من الأردن وحتى الحرب اللبنانية التي انطلقت مقدماته في عام 1973 ثم استفحلت في العام 1975، قبلها، مال إلى شمال أفريقيا مع انقلاب العقيد القذافي وإلغاء الملكية. إلا أن اهتماماته في السنوات الأخيرة من عمله الصحافي قبل أن ينتقل إلى عالم الدبلوماسية تركزت بالدرجة الأولى على الثورة الإيرانية ثم الحرب العراقية الإيرانية وما حملته من انعكاسات على منطقة الخليج واصطفافات دولية.
كان إريك رولو دائم التنقل من بيروت إلى دمشق والقاهرة وعمان وبغداد وطهران، ناهيك بالعواصم الأفريقية حيث عايش عن قرب مرحلة تحرر القارة السوداء من نير الاستعمار البريطاني والفرنسي والبرتغالي. استفاد رولو من سمعة صحيفة «لوموند» المستقلة التي تركت له حرية الكتابة. لكنه بالمقابل استفادت منه ومن كتاباته التي تميزت دائما بسعة الاطلاع ودقة المعلومات. بيد أن تتويج إريك رولو صحافيا عالميا جاء عندما قبل الرئيس جمال عبد الناصر أن يستقبله وأن يخصه بمقابلة صحافية مطولة استفاد منها ليعلن أنه سيعفو عن الشيوعيين المصريين. هذه المقابلة فتحت أمامه كل الأبواب في المنطقة العربية إلى درجة أنها أثارت «حسد» زملائه الصحافيين الفرنسيين.
لم يكن إريك رولو صحافيا فقط. كان أكثر من ذلك. كان مفكرا ومستشارا وناصحا لزعماء كانت تنقصهم المعرفة الدقيقة لخفايا ودقائق الحياة السياسية الغربية ومعطياتها المعقدة. اهتم رولو بالقضية الكردية منذ الخمسينات ونسج علاقة قوية مع مصطفى الرزاني، والد مسعود البرزاني. كذلك كان مقربا من الملك حسين. لم يكن يفرق بين جمهوريات وممالك. كانت أبواب عمان مفتوحة بوجهه كما أبواب بغداد ودمشق وطرابلس. وبخصوص طرابلس، كان رولو مقربا من العقيد القذافي إلى درجة أنه مهد له زيارة العاصمة الفرنسية في عام 1973.
في عام 1984 كلف الرئيس ميتران الصحافي رولو بمهمة دبلوماسية سرية هي التوجه إلى طرابلس وإقناع القذافي بسحب قواته من شمال تشاد. ونجح رولو في إقناع الزعيم الليبي بالتجاوب مما حمل ميتران، عقب ذلك، على فرض رولو سفيرا وتعيينه لدى تونس التي كانت وقتها تستضيف الجامعة العربية كما أن ياسر عرفات كان قد اختارها مقرا له ولمنظمة التحرير بعد خروجه من بيروت في عام 1982. وسعى ميتران مرة جديدة للاستفادة من خبرة وشبكة إريك رولو فكلفه بمهمة ثانية أكثر تعقيدا إذ طلب منه في عام 1986 الذهاب إلى إيران للحصول على إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين المخطوفين في بيروت. وبحسب ما يرويه رولو، فإن فشل مهمته يعود للمزايدة التي قام بها وسيط من المعارضة الفرنسية اليمينية الذي وعد الإيرانيين بالكثير إذا قبلوا انتظار الانتخابات التشريعية ووصول اليمين إلى السلطة. وبالفعل، لم يطلق سراح الرهائن الفرنسيين إلا في عام 1987 عندما أصبح جاك شيراك رئيسا لحكومة يمينية. وسعى شيراك للتخلص من إريك رولو سفيرا وطالب، خلال زيارة رسمية إلى تونس، بألا يكون من عداد الوفد الرسمي وألا يلتقي به الأمر الذي أثار أزمة سياسية داخلية بسبب الدعم الذي تلقاه رولو من ميتران. وكان الحل الوسط أن يذهب رولو في عطلة خارج تونس. وبعدها تحول سفيرا متجولا ثم عين سفيرا لبلاده في أنقره ما بين عام 1988 و1991.
كتب آلن غريش، رئيس تحرير مجلة «لوموند ديبلوماتيك» الذي عايش إريك رولو عن قرب خلال عمل الأخير في هذه المجلة عقب خروجه من السلك الدبلوماسي، في تقديم مذكرات رولو التي صدرت في عام 2012 عن دار فايار تحت عنوان: «في كواليس الشرق الأوسط»، أن رولو «كان يتمتع بحس صحافي جعله يكون على موعد مع التاريخ إذ كان في القاهرة وقت الهجوم الجوي الإسرائيلي عام 1967 وفي عمان عام 1970 خلال سبتمبر الأسود وفي القاهرة مجددا عام 1970 يوم وفاة عبد الناصر وفي نيقوسيا عام 1974 يوم محاولة الانقلاب على المطران مكاريوس».
لم تكن المهنة الدبلوماسية إلا مرحلة قصيرة في حياة إريك رولو الحافلة إذ عاد بعدها إلى حبه الأول في إطار مجلة «لوموند ديبلوماتيك». وبالتوازي، عمل على كتابة مذكراته التي لاقت عند نشرها رواجا كبيرا خصوصا لدى الأوساط المهتمة بالشرق الأوسط، لأنها تنقل صورة التغيرات والأحداث الجسام من الداخل؛ حيث لا يبخل الكاتب بسرد تفاصيل تلقي مزيدا من الضوء على تاريخ هذه المنطقة. رحل رولو الذي انضم إلى «محكمة راسل» الخاصة بالقضية الفلسطينية لكن «مدرسته» الصحافية لم تنطفئ.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».