سقوط مادونا من فوق المسرح.. وسفاح «داعش» يتصدران الإعلام البريطاني

الصحافة الأميركية: إحباط بسبب روسيا.. والأزمة الأوكرانية مستمرة

كشف هوية سفاح «داعش» تصدر الصحافة عبر الأطلسي (أ.ف.ب)
كشف هوية سفاح «داعش» تصدر الصحافة عبر الأطلسي (أ.ف.ب)
TT

سقوط مادونا من فوق المسرح.. وسفاح «داعش» يتصدران الإعلام البريطاني

كشف هوية سفاح «داعش» تصدر الصحافة عبر الأطلسي (أ.ف.ب)
كشف هوية سفاح «داعش» تصدر الصحافة عبر الأطلسي (أ.ف.ب)

وجدت الصحف البريطانية في حفل جوائز الموسيقى البريطاني «بريت أووردز» قصة ترفيهية تخفف على القارئ حدة القضايا السياسية والاقتصادية الساخنة مع اقتراب نهاية الأسبوع. وتصدر موقف محرج تعرضت له المغنية المخضرمة مادونا أثناء حفل زاخر بالنجوم في لندن عناوين الصحف البريطانية، أمس (الخميس)، مع صور لها وهي تسقط للخلف من فوق المسرح، متعثرة في عباءة سوداء.
ومن صحيفة «غارديان» المرموقة وصولا إلى صحيفة «صن» الشعبية كان سقوط مادونا هو الحدث الأبرز الذي طغى على أي شيء آخر في حفل «بريت أووردز» السنوي الذي أقيم أول من أمس (الأربعاء). جاء سقوط مادونا أثناء تأديتها أغنية «ليفينغ فور لاف» بعد أن فشلت في خلع العباءة التي ترتديها ضمن الزي المصمم للعرض الفني، قبل أن يساعدها الراقصون على النهوض مجددا.
كما تناول التقارير الإعلامية أن مسؤولي الاستخبارات البريطانيين تمكنوا من تحديد هوية متطرف تنظيم داعش الذي ظهر في لقطات الفيديو الخاصة بالتنظيم وهو يقوم بذبح كثير من الرهائن، مبديا فيه علامات السخرية والاستهزاء. وقالت هيئة البث البريطاني (بي بي سي) البريطانية إنها «علمت أن الشخص الذي يُعرف بالاسم المستعار جون هو محمد الموازي المشتبه في أنه الشخص الذي ظهر في تسجيلات ذبح الرهائن، ويُعتقد أنه بريطاني من غرب لندن، ومعروف لأجهزة الاستخبارات البريطانية. وذكرت «بي بي سي» أن أجهزة الاستخبارات فضلت عدم الكشف عن اسمه الحقيقي في وقت سابق، نظرا لأسباب خاصة بعمليات الأجهزة الأمنية.
في تقريرها ليوم الخميس قالت صحيفة «تايمز» تحت عنوان «بوتين مستعد لإيقاف إمدادات الغاز عن أوروبا»، إن روسيا تهدد بإيقاف الغاز عن أوروبا خلال أيام، وبهذا فإنها مستعدة لفتح جبهة جديد في المجابهة بين الغرب وروسيا بخصوص الوضع في أوكرانيا. وكانت قد تناولت الصحف خلال الأسبوع تصريحات السفير الروسي في بريطانيا، ألكسندر ياكوفينكو، الذي انتقد فيه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشدة على خلفية إعلان كاميرون اعتزام بلاده إرسال 75 مدربا عسكريا لأوكرانيا.
وقال السفير الروسي على صفحته بموقع «تويتر» للتغريدات القصيرة إن الإجراء الذي أعلن عنه كاميرون يوم الثلاثاء يدل على أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) مشارك بالفعل في النزاع الأوكراني. وكانت قد أوردت الصحف إعلان كاميرون عزم بلاده إرسال مدربين عسكريين لأوكرانيا.
صحيفة «غارديان» استمرت بتغطيتها لأزمة مصرف «إتش إس بي سي» ومثول رئيس البنك دوغلاس فلينت أمام لجنة برلمانية بريطانية ليجيب حول عمليات فرعه في جنيف المتهم في تبيض الأموال، ومساعدة شخصيات على التهرب من الالتزامات الضريبية.
كما استمرت الصحف بتغطيتها للفضيحة التي طالت وزيري خارجية سابقين في بريطانيا؛ المحافظ مالكلم ريفكيند والعمالي جاك سترو، وذلك بعدما تم تصويرهما وهما يعرضان استغلال منصبهما لصالح شركة وهمية في هونغ كونغ مقابل المال. وظهر العضوان بالبرلمان اللذان تم تصويرهما بكاميرا خفية خاصة بالقناة الرابعة بالتلفزيون البريطاني وصحيفة «ديلي تلغراف»، وهما يحددان المبلغ الذي يريدان الحصول عليه مقابل التواصل مع شركة علاقات عامة وهمية.
واستمرت التغطية بعدما قرر ريفكيند أنه سيترك منصب رئيس لجنة الأمن والمخابرات في البرلمان وسيترك مقعده في مجلس العموم في مايو (أيار) المقبل بسبب الفضيحة. وقال ريفكيند في بيان استقالته أن المزاعم المثارة حوله «وضيعة»، وأنه لن يُعَلق عليها بأكثر من ذلك.
وقال إنه يعتزم مواصلة عمله السياسي والعام بعد تركه البرلمان.
وانصبّ اهتمام الصحف البريطانية الصادرة أول من أمس على الكشف عن هوية سفاح «داعش» الذي نفذ عددا من عمليات ذبح رهائن تنظيم داعش.
وقالت افتتاحية صحيفة «الإندبندنت» التي جاءت بعنوان «روح ضالة» إنها «تكشف عن فجوة دينية وثقافي». وتقول الصحيفة: «مع اتضاح التفاصيل عن خلفية محمد الموازي، الذي يعتقد أنه (جون المتطرف)، من الصعب تجنب هذا الإحساس أن بريطانيا شابا يشعر بالانفصال التام عن هذا البلد، حتى إنه يفضل أن يعارض قيمه وشعبه بهذه الطريقة شديدة الوحشية».
وتقول الصحيفة إنه «يُعتقد أن الموازي كان يعيش حياة ميسورة في غرب لندن، وإنه قدم إلى بريطانيا وهو في السادسة من العمر. وكان يرتدي ملابس عصرية أنيقة وتخرج في جامعة ويستمنستر، إذ درس علوم الحاسب الآلي. كان على ما يبدو شابا عاديا».
وترى الصحيفة أنه نظرا لحياته العادية يبدو تحول الموازي إلى «فتى الغلاف» لعنف المتطرفين ضد رهائن غربيين أبرياء أمرا يستعصي على الفهم. وتستدرك الصحيفة أنه ليس حالة فريدة في التخلي عن الحياة في بريطانيا لقتل الآخرين في سوريا، إذ تشير تقديرات رسمية إلى أن نحو 600 بريطاني ذهبوا للقتال في سوريا والعراق.
وتضيف أن حالة الموازي بارزة ضمن كثيرين سافروا للقتال لأنه أصبح رمزا للازدراء الشديد الذي يكنه تنظيم داعش لحياة معارضي قضيته. وترى الصحيفة أيضا أن مسار الموازي صوب التطرف مثير للاهتمام لمعرفة الأجهزة المخابراتية والأمنية به منذ عام 2009، والاعتقاد أن «الملاحقات والمضايقات التي لا داعي لها من قبل المخابرات أسهمت في إحساسه بالعزلة والتهميش عن المجتمع».
وتقول الصحيفة إنها أعدت تقريرا منذ 5 سنوات خلص إلى أن استراتيجيات الحكومة البريطانية لمكافحة الإرهاب أثبتت إخفاقها بسبب مثل هذه المضايقات».
وتقول الصحيفة إن نتائج الاستطلاع الذي أجرته «بي بي سي» عن آراء المسلمين البريطانيين يؤكد فكرة أن محاربة التطرف لا يمكن تركها للشرطة والمخابرات.
وتضيف الصحيفة أن 20 في المائة من المسلمين البريطانيين الذين استطلعت «بي بي سي» آراءهم يرون أن المجتمع الغربي الليبرالي لا يمكن أن يتماشى مع الإسلام يوضح مستوى مدمرا من الانعزال والانفصال، وأن التغلب عليه مهمة للمجتمع بأسره من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
وننتقل إلى افتتاحية صحيفة «الإندبندنت» التي جاءت بعنوان «حقيقة الإرهاب». وتقول الصحيفة إن الهستيريا المصاحبة للكشف عن هوية الموازي، الذي ظهر في لقطات فيديو لذبح بعض رهائن غربيين احتجزهم تنظيم داعش، تخفي حقيقة رئيسية وهي أن بعض الإرهابيين سيفرّون.
وتتساءل الصحيفة: هل كان في وسع الأمن البريطاني القيام بالمزيد لمنع الموازي من خوض عالم الإرهاب؟ وتضيف أن الموازي كان معروفا لدى السلطات، بل إن المخابرات عرضت عليه العمل. ويجيب قائلا إنه كان بالإمكان منعه من السفر، ولكن هذا يعني أنه كان سيبقى حرا داخل بريطانيا، وسيكون بإمكانه شن هجمات داخل بريطانيا.
وتقول الصحيفة إنه يمكن دائما عمل المزيد، ولكن الطريقة الوحيدة لضمان عدم قيام المشتبه به بأي جرائم إرهابية هي التحفظ على المشتبه بهم واحتجازهم دون إثبات الاتهام. وهذا يعني قيام دولة بوليسية تركز اهتمامها على فئة واحدة فقط من المجتمع، أغلب من فيه يلتزمون بالقانون ولا يرغبون إلا في توفير حياة كريمة لأسرهم.
بالنسبة للإعلام الأميركي، بدأ الأسبوع وانتهى بعلامات إحباط تعكس المزاج الأميركي، وتعكس رأي المسؤولين في موضوعين هامين: روسيا و«داعش».
بدأ الأسبوع بتصريحات نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» عن قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه من غير المرجح وقوع حرب مباشرة مع أوكرانيا. لكن رفض بوتين عقد مزيد من الاجتماعات مع قادة فرنسا، وألمانيا، وأوكرانيا حول وقف الحرب الدائرة في شرق أوكرانيا. وقالت الصحيفة إن بوتين لم يغير رأيه منذ أن بدأت مشكلة أوكرانيا، ولن يغير رأيه، وإن الغرب يجب أن يصل إلى هذه القناعة، وربما ستعود الحرب الباردة مرة أخرى.
ولتأكيد ذلك اليأس، نقل تلفزيون «سي إن إن» صور سحب أسلحة الجيش الأوكراني الثقيلة من الجبهة، رغم أن الجيش لا يزال يتعرض للهجوم من قوات المتمردين، حتى بعد وقف إطلاق النار. وفي بداية الأسبوع، أيضا، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا عن نشاطات منظمة داعش في دول الشرق الأوسط، أوضح أنها الآن في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، وأنها تخطط لدخول الأردن ولبنان والخليج، وعكس التقرير تشاؤما من أن مشكلة «داعش» تتفاقم ولا تتقلص.
وفي منتصف الأسبوع، غطت أخبار داخلية على التغطية الإعلامية الأميركية:
قرار عمدة واشنطن العاصمة أن تنضم إلى ولايات ألاسكا، وكولورادو، وواشنطن، وهي الأماكن الوحيدة في الولايات المتحدة التي تسمح باستخدام حشيشة الماريغوانا لأغراض ترفيهية. وقرار لجنة الاتصالات الاتحادية (إف سي سي) منع أي حظر أو حجر، على مقدمي خدمات الإنترنت واعتبارها من المرافق العامة، وتأكيد قواعد الحياد الكامل فيها، وفي الأجهزة الإلكترونية التي تسيرها.
واستعمل الرئيس باراك أوباما حق الفيتو، واعترض على مشروع قانون كان أصدره الكونغرس بالموافقة على خط أنابيب «ترانس كيستون»، بين الرمال النفطية الكندية والمصافي في خليج المكسيك (تلفزيون «إيه بي سي»).
وأقرت محكمة في تكساس بأن إدي روث مذنب بقتل «أميركان سنايبر» (قناص أميركا) كريس كيبل، الذي كان قتل مئات في العراق خلال الاحتلال الأميركي. وحكم على روث بالسجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط (صحيفة «دالاس مورننغ نيوز»).
وفي شيكاغو، كما نقل تلفزيون «إيه بي سي»، مني صديق الرئيس أوباما، العمدة رام إيمانويل، بهزيمة عندما لم يقدر على الفوز بأكثر من نصف الأصوات في الانتخابات التمهيدية ليستمر عمدة على المدينة. وسيذهب الناخبون في الأسبوع المقبل إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 50 من أعضاء المجلس المحلي. وستكون هناك جولة إعادة بين إيمانويل ورئيس مقاطعة كوك (التي فيها مدينة شيكاغو) جوشا غارسيا.
ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» خبر اعتراف روبرت ماكدونالد، وزير المحاربين القدامى، بأنه كذب عندما ادعى أنه خدم في «سبشيال فورسيز» (القوات الخاصة في الجيش الأميركي).
ومع نهاية الأسبوع، عرض تلفزيون «فوكس» معلومات كثيرة، ومثيرة، عن الممثل الأميركي ليونارد نيموي الذي اشتهر بدور «سبوك» في سلسلة أفلام «ستار وورز» (حروب النجم)، حيث توفي وعمره 83 عاما من مضاعفات مرض الانسداد الرئوي.
وتناقل مليونا شخص في الإعلام الاجتماعي، بالإضافة إلى الإعلام التقليدي، فيديو الفنانة مادونا وهي تقع من على المسرح أثناء أداء أغنيتها «ليفينغ فور لاف» (أعيش من أجل الحب).
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» خبر ذبح أفيجيت روي، كاتب بنغلاديشي - أميركي، ذبح في بنغلاديش على يد متطرفين.
ومع نهاية الأسبوع، كانت هناك أخبار أكثر فظاعة.
ركز تلفزيون «سي إن إن» على جون المتطرف «سفاح داعش»، الشخص الذي ظهر في عدة شرائط فيديو وزعها «داعش» وهو يذبح رهائن غربيين، والذي تأكد أنه محمد الموازي، بريطاني ولد في الكويت.
وأيضا، شريط فيديو وزعه «داعش»، يظهر تدمير متحف الموصل، ثاني أكبر متحف في العراق، والغني بالقطع الأثرية من آلاف السنين من التاريخ العراقي.
ومع نهاية الأسبوع، مثل بدايته، جاءت أخبار مزيد من اليأس عن أي تحسن في العلاقات بين الغرب وروسيا: قتل بوريس نيمتسوف، من زعماء المعارضة في روسيا. وكما كانت «نيويورك تايمز» قالت في بداية الأسبوع، يبدو أن روسيا لن تتغير، وبالتالي، يبدو أن الحرب الباردة عائدة لا محالة.



«منتدى مصر للإعلام» يستشرف شكل المهنة في 2030

جلسة في منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)
جلسة في منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)
TT

«منتدى مصر للإعلام» يستشرف شكل المهنة في 2030

جلسة في منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)
جلسة في منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)

في ظل جدل متجدد بشأن تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام، عقد «منتدى مصر للإعلام» نسخته الثالثة في القاهرة محاولاً استشراف مستقبل المهنة، ورافعاً شعاراً يحمل تساؤلاً بشأن قدرة الإعلام المؤسسي على الاستمرار ومواكبة التحديات التكنولوجية.

تحت عنوان «2030: من سيتسمر؟» حاول خبراء وقيادات إعلامية وضع تصور لشكل الإعلام في العام 2030. وبينما تباينت الآراء بشأن طبيعة وحجم تأثير الذكاء الاصطناعي، وما إذا كان يجب توظيفه في إنتاج المحتوى، رهن الخبراء بقاء الإعلام المؤسسي بقدرته على مواكبة التحولات الرقمية والتكنولوجية المتسارعة.

جوهر التحدي

وحقاً، شددت نهى النحاس، رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، على أن «جوهر التحدي اليوم يتمثل في تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والمهنية، مع الحفاظ على الاستقلالية والربحية في بيئة إعلامية تتغير بوتيرة غير مسبوقة». وقالت في كلمتها خلال الافتتاح، إن «المنتدى يفتح الباب أمام نقاشات معمّقة حول مستقبل الإعلام، ويطرح سؤالاً بشأن من يمتلك القدرة على البقاء والتكيف مع التطور التكنولوجي المتسارع».

«المنتدى» عُقد بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة، تزامناً مع تركيز المنظمة على «بناء مناخ صحي للمعلومات، بدلاً من التركيز فقط على مكافحة التضليل وخطاب الكراهية»، بحسب ميليسا فليمنغ، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للتواصل العالمي.

ولفتت فليمنغ في كلمتها خلال حفل الافتتاح، إلى أن «منصات التواصل الاجتماعي أصبحت مصدراً رئيساً للأخبار، خصوصاً بين الشباب» ونبهت إلى أن «تلك المنصات غالباً لا تقدّم محتوى موثوقاً به؛ ما يضع عبئاً على المستخدمين في تمييز الحقيقة من التضليل». ومن ثم حذّرت من «تأثير المعلومات المضلّلة على السلام وحماية البيئة والثقة بالمؤسسات»، مشيرةً إلى «تراجع الثقة في وسائل الإعلام التقليدية».

وبالفعل، يشير العديد من الدراسات إلى تراجع مستمر لمستوى الثقة في الأخبار، تزامناً مع زيادة مطّردة في الاعتماد على منصّات التواصل الاجتماعي المختلفة مصدراً للأخبار والمعلومات».

الإعلام... كيف تغير؟

المناقشات الافتتاحية شهدت محاولة للإجابة عن سؤال «كيف تغير الإعلام؟»، وقال طارق نور، رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر، إنه «في عصر الآلة وإنترنت الأشياء أصبح السؤال الملح، هل سنتحكم في الآلة، أم هي من ستتحكم فينا؟». وأردف أن «الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإما أن يُستخدم في خدمة الحقيقة، أو يُوظّف لتضليلها»، معوِّلاً على «وعي الجمهور لحسم هذه المعادلة».

ورغم المخاوف من تحكم الذكاء الاصطناعي في المهنة، قال نور إن «الحل ليس في مقاومة الآلة، بل في إنتاج محتوى يجمع بين التكنولوجيا والفكر الإنساني».

أما مايا سبليني، مديرة تحرير القسم العربي في قناة «فرانس 24»، فقالت إن «الذكاء الاصطناعي لا يقدّم معلومات موثوقاً بها؛ ما يثير إشكاليات أخلاقية عند استخدامه». وتابعت أن «انتشار المعلومات المضلّلة والتزييف العميق يضيفان مسؤولية وعبئاً أكبر على العمل الإعلامي في سبيل التحقق من المعلومات». ورأت أن «المهنة لن تموت، بل سيتعزّز دورها، وسيكون أساسياً بشكل أكبر مهما بلغت التغيرات التكنولوجية».

أما كارولين فرج، نائبة رئيس شبكة «السي إن إن» العالمية ورئيس تحرير خدمتها العربية فقالت إن «نحو 95 في المائة من مخرجات الذكاء الاصطناعي صحيحة، لكن تبقى نسبة 5 في المائة في خانة المغامرة التي قد تمسّ المصداقية... ومن ثم فالتحقق من المحتوى مسؤولية الإعلامي أولاً». وأضافت: «التدقيق هو جوهر العقد بين الوسيلة الإعلامية والقارئ، وأساس الثقة والمصداقية في العمل الصحافي... والبقاء سيكون لتلك المؤسسات التي تواكب التغيير وتتبع أساليب تحريرية أقرب إلى الجمهور».

نهى النحاس تلقي كلمتها (إدارة المنتدى)

دمج التكنولوجيا بالإعلام

وفي مداخلته، شدد فوتر فان تونغرين، الرئيس التنفيذي لـ«آر إن تي سي» الهولندية على «ضرورة دمج التكنولوجيا في العمل الإعلامي، لكن مع وعي كيفية استخدامها واستغلالها كأداة مساعدة في العمل... فعلى الإعلام المؤسسي أن يدرك أن الطرق التقليدية لن تكون فاعلة في المستقبل».

ومن ثم، اختتم الإعلامي المصري، عمرو عبد الحميد، الجلسة الافتتاحية، فقال: «ليست هناك إجابة واحدة عن سؤال كيف تغيّر الإعلام؟... لكن الجميع يتفق على أن جوهر الإعلام لم ولن يتغير».

2500 حضروا من مصر والعالم

جدير بالذكر، أن نحو 2500 صحافي من مصر والعالم حضروا «المنتدى»، الذي تنوّعت جلساته بين تشخيص الوضع الراهن، ومحاولة استشراف المستقبل، مع تقديم ورش عمل متنوعة عن أدوات الإعلام الجديد من الذكاء الاصطناعي إلى الواقع الافتراضي والمعزز وغيرهم.

وفي جلسة تحت عنوان «أصوات عالمية»، ركز المشاركون على أن المهنة ستبقى لكن شكلها سيتغيّر. وقالت صفاء فيصل، رئيسة تحرير البرامج الإخبارية في «هيئة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) إن «الإعلام كائن حيّ، يحسّ ويتفاعل وينمو... ومن هذا المنطلق، تواجه المؤسسات الإعلامية تحديات كبرى أمام زحف الإعلام الرقمي وهيمنة المؤثرين ووسائل التواصل، فضلاً عن الأزمات المالية وعزوف الجمهور عن متابعة الأخبار».

في حين لفتت سها سيباني، رئيسة الإنتاج التنفيذي في «فرانس 24» إلى أن «منصات التواصل الاجتماعي أدوات يمكن من خلالها تطوير الأداء الإعلامي... والصحافة ستبقى لكن شكلها سيتغير ليلائم التطورات التكنولوجية».

بل إن الاشتراكات وطرق الدفع للأخبار ستتغير، وفق مادلين وايت، المديرة التنفيذية لشركة «ذي أوديينسر»، التي ذكرت أن «تحديد نوع الاشتراكات المناسب للوسيلة الإعلامية يتوقف على نوعية الجمهور»، مشددة على «ضرورة دراسة الجمهور وقياس اتجاهاته».

الذكاء الحر

من جهة ثانية، طرح «المنتدى» مفهوم «الذكاء الحر» مستعرضاً كيفية الاستفادة من التكنولوجيا في خدمة المهنة. وقال عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة «الشروق» المصرية، إنه «ما لم تتفوّق الآلة على العقل البشري، فلا داعي للخوف من الذكاء الاصطناعي».

بينما أشار فادي رمزي، أستاذ الإعلام الرقمي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إلى أن «الذكاء الاصطناعي يمكن أن يدخل في مختلف مراحل إنتاج المحتوى الإعلامي تحت إشراف العنصر البشري»،

ولفت الدكتور ياسر عبد العزيز، الكاتب والباحث في شؤون الإعلام والاتصال، إلى أن «الإفراط غير الواعي في الذكاء الاصطناعي يؤدي أحياناً إلى إغراق المستخدمين بمحتوى رديء يفسد التفكير، كما أن استبدال العنصر البشري في الإعلام دون تبصّر خطر يهدّد جودة المضمون»، مؤكداً أن «الاستخدام الماهر من قبل الإنسان هو الضامن للحفاظ على المحتوى الهادف».

التعليم والتدريب

ولم يغب التعليم والتدريب عن «المنتدى»؛ إذ ركزت إحدى جلساته على أهمية تطوير طرق تدريس الإعلام مع الاهتمام بتدريب الإعلاميين، وفي هذا السياق نفذ المنتدى تدريباً لنحو 60 طالباً من مختلف الجامعات المصرية نفذته شبكة «سي إن إن» الدولية. وقالت الدكتورة ميرفت أبو عوف، عميد كلية الفنون البصرية وإدارة الإبداع، جامعة ESLSCA، إن «سوق العمل أصبحت مختلفة كلياً؛ ما يستدعي الاستثمار في التدريب لتأهيل جيلٍ يستطيع التعامل مع التغيّرات المتسارعة، والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية».

هذا، وعلى مدار اليومين كان «الذكاء الاصطناعي» محوراً رئيساً في كل الجلسات، حتى إن لم يحمل عنوان الجلسة كلمة «الذكاء الاصطناعي»، لكن ما أحدثه من تغيرات في المشهد الإعلامي وفي طرق إنتاج المحتوى جعله هاجساً أساسياً لدى العاملين في المهنة.

وأخيراً، ونظراً لترابط السياسة والإعلام، حملت واحدة من جلسات «المنتدى» عنوان «غزة... التغطية مستمرة»، وأكد المتكلمون على «أهمية أنسنة القصص الصحافية بعد وقف الحرب»، معتبرين أنه بعد صمت المدافع «يعلو صوت الكارثة الإنسانية في القطاع».


اختفاء آلاف المتابعات على «إكس» يثير تساؤلات بشأن سياسات المنصة

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)
شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)
TT

اختفاء آلاف المتابعات على «إكس» يثير تساؤلات بشأن سياسات المنصة

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)
شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

أثار التراجع المفاجئ في أعداد المتابعين على منصة «إكس» خلال الفترة الماضية، تساؤلات واسعة في أوساط المُستخدمين والصحافيين والمؤثرين بشأن سياسات المنصة، بعدما لاحظ كثيرون «اختفاء آلاف المتابعات». وفي حين أرجعت المنصة السبب في هذا الاختفاء إلى حملات «تنظيف» تستهدف «الحسابات الوهمية وغير النشطة»، عدّ خبراء ما يحدث يعكس «تحولاً خفيّاً» في سياسات الخوارزميات التي تتحكم في مدى انتشار المحتوى ووصوله إلى الجمهور.

عدد من الخبراء الذين تواصلت معهم «الشرق الأوسط» أقرّوا بوجود ارتباك متزايدٍ بين المُستخدمين والمؤسسات في فهم آليات «إكس» الجديدة. وقال بعضهم إن «سياسات المنصة، غير الشفافة – وفق وصفهم – تسببت في تراجع غير مسبوق في معدلات التفاعل، التي كانت حتى وقت قريب معياراً رئيساً لشعبية المستخدمين وفاعلية حضورهم الرقمي».

منصة «إكس»، التي يملكها إيلون ماسك أغنى أغنياء العالم، كانت قد حذّرت خلال العام الماضي مُستخدميها من اختفاء بعض متابعيهم، إثر حملة أطلقتها بحجة التخلص من الحسابات «المزعجة» والآلية (البوتات) و«تنظيف التطبيق من محاولات التلاعب بالمحتوى وانتهاكات سياسات المنصة».

وادعت الشركة، عبر حساب «إكس سيفتي» الرسمي المعني بالسلامة الرقمية، أن مكافحة الرسائل المزعجة كانت من أولويات ماسك منذ استحواذه على المنصة عام 2022.

لكن يبدو أن الأمور لم تسر على هذا النحو، إذ أفاد تقرير لموقع «تك كرانش» بأن «الإجراء لم ينجح في وقف نشاط الحسابات المزيفة، بل ظهرت حسابات جديدة تحمل العلامة الزرقاء نفسها حتى بعد فرض رسوم على ميزة التوثيق». وكان الأمر اللافت جداً، هو الانخفاض الملحوظ في أعداد المتابعين لدى كثير من المستخدمين، سواء أكانوا مؤسّسات أم مؤثّرين، من دون سبب واضح.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في فرع جامعة روتشستر للتكنولوجيا (الأميركية) بدبي، قال إن «هذا الانخفاض في عدد المتابعين، لا سيما لدى المؤسسات الصحافية، يعود إلى عدة أسباب». وشرح: «كان ماسك قد صرّح سابقاً بأن الروابط لا تحظى بالاهتمام، وأن الأفضل نشر محتوىً طويل مباشرة على إكس ما قلّل النقرات والإحالات إلى المواقع الإخبارية».

وأضاف أن حذف عناوين الأخبار من الروابط أيضاً، كما ذكرت «الواشنطن بوست»، خفّض بوضوح انتشار المحتوى الإخباري وقابلية المتابعة، في حين أشار تقرير وكالة «رويترز» السنوي إلى «تراجع إحالات وسائل التواصل عموماً إلى المواقع الإخبارية بما في ذلك إكس».

من جهة ثانية، يرى مصطفى أن تغير سلوك المستخدمين ساهم بدوره في الأزمة، إذ «باتت فئات من الجمهور أقل اعتماداً على إكس كمصدر أخبار مقارنة بمنصات أخرى، خاصة في ظل العلاقة بين ماسك والرئيس الأميركي دونالد ترمب، ما عمّق الانقسام وغيّر أنماط التفاعل».

من جانبه، أرجع مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، سبب اختفاء المتابعين إلى «إصرار ماسك على تغيير استراتيجية الشركة جذرياً». وأردف أن «ماسك حوّل إكس، بالفعل، من منصة للنشر والتواصل الاجتماعي إلى منصّة خدمية متعددة الأغراض، ما انعكس على طبيعة المحتوى وسلوك المُستخدمين. ثم إن ضخامة المبلغ المدفوع في صفقة الاستحواذ دفعت الشركة إلى التركيز على تحقيق الربحية بسرعة، ما أثر على أولويات التطوير وتجربة المستخدم».

وأشار كيالي إلى أن «الصعود السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي ومنصات الفيديو المتخصصة جذب اهتمام المستخدمين والمستثمرين بعيداً عن المنصات التقليدية، وأدى إلى انخفاض الوقت الذي يمضيه المستخدمون على تلك المنصات». وأضاف أن «القيود الحكومية المفروضة على بعض أنواع المحتوى، أثّرت بدورها على وصول المحتوى الإعلامي أو الإخباري للمُستخدمين، الأمر الذي ساهم في تراجع التفاعل العام».

بيانات «إكس»... غير شفافة

كيالي أوضح أن المؤسّسات تمتلك أدوات تحليل متقدمة لقياس الوصول والتفاعل «غير أن البيانات الدقيقة المتعلقة بخوارزميات إكس تظل غير شفافة... كما المنصة نفسها لا تقدّم تفسيراً واضحاً للأسباب الفعلية وراء انخفاض الوصول، وهو ما يدفع المؤسسات إلى الاعتماد على الملاحظة والمقارنة بدلاً من بيانات رسمية».

ما يُذكر أنه خلال عام 2024 شجّعت منصة «إكس» المُستخدمين على تسجيل الدخول بانتظام للحفاظ على نشاط حساباتهم، مؤكدة حينذاك أن «الحسابات التي لا تُستخدم لفترات طويلة قد تُزال نهائياً من المنصة».


الجريمة... مشاهدة عالية ومصدر إيرادات للقنوات الصغيرة

من "ادخلوا المتهم" ("إر ام سي")
من "ادخلوا المتهم" ("إر ام سي")
TT

الجريمة... مشاهدة عالية ومصدر إيرادات للقنوات الصغيرة

من "ادخلوا المتهم" ("إر ام سي")
من "ادخلوا المتهم" ("إر ام سي")

شهدت وسائل الإعلام الفرنسية خلال العقد الأخير تحوّلاً جذرياً في طبيعة المحتوى الذي تقدّمه للجمهور. فقد انتقلت قضايا القتل والحوادث الجنائية من مجرد أخبار هامشيّة تحتل حيزاً ضئيلاً في النشرات الإخبارية، إلى ظاهرة إعلامية كاسحة تستحوِذ على اهتمام ملايين الفرنسيين. بل إن بعض المراقبين ما عادوا يترددون في وصف هذا الاهتمام بـ«الهَوَس الجماعي»، وهو وصف تدعمه أرقام المشاهدة الخيالية، والمبيعات القياسية للمجلّات المتخصّصة، والملايين من المتابعين على المنصّات الرقمية.

غير أن هذه الظاهرة لم تعُد مقتصرة على الحيِّز الإعلامي فحسب، بل تجاوزته لتصبح أداة سياسية فعّالة تستخدمها مختلف الأطراف السياسية لتحقيق مكاسب انتخابية وتمرير أجندات معيّنة، ما بات يثير تساؤلات جوهرية حول تأثير هذه التغطية المكثّفة على المجتمع الفرنسي ومنظومته القيَمية.

شعار "المعهد الوطني للسمعي البصري" INA (إينا)

الأرقام المُذهلة

الأرقام لا تكذب، وهي تؤكد بما لا يدَع مجالاً للشكّ أن القضايا الجنائية أصبحت جزءاً أساسياً من النظام الإعلامي للفرنسيين. فقد كشف استطلاع رأي أجرته مؤسسة «فيافوس» بمناسبة «المؤتمر السنوي للصحافة» في مدينة تور، بوسط فرنسا، عام 2025، عن أن 69 في المائة من الفرنسيين يتابعون بانتظام التغطية الإعلامية للحوادث والقضايا الجنائية. والأكثر دلالة أن 71 في المائة من هؤلاء المهتمّين يبحثون بشكل استباقيّ ومتعمّد عن معلومات حول القضايا الجنائية، بينما يتابع 26 في المائة منهم هذه الأخبار بشكل يوميّ ومُنتظم.

هذه المؤشّرات تنفي الزَّعم القائل بأن الاهتمام بالجريمة مجرّد فضول عابر أو اهتمام سطحي، بل هو سلوك متجذِّر وعميق يشكِّل جزءاً من الروتين اليومي لشريحة واسعة من المجتمع الفرنسي.

وعلاوة على ذلك، أكّد 62 في المائة من المُستجوَبين أنه «من الضروري» أن يتطرّق السياسيون إلى الحوادث الجنائية في خطاباتهم وبرامجهم، ما يوضح كيف تحوّلت هذه القضايا من مواضيع إعلامية بحتة إلى قضايا ذات أبعاد سياسية واجتماعية تشكّل الرّأي العام وتؤثّر في الخيارات الانتخابية.

التوسّع الكمّي في التغطية الإعلامية

من جهة ثانية، كشفت دراسة أخرى أجراها «المعهد الوطني للسمعي البصري» (INA) في فرنسا عن تطوّر مثير للقلق، فقد ازدادت حصّة الحوادث الجنائية في المساحة التحريرية لوسائل الإعلام بنسبة 73 في المائة بين عامي 2002 و2021.

هذه الزّيادة الهائلة تعني أن ما يقرُب من ثلاثة أرباع المساحة الإضافية في النشرات الإخبارية والبرامج أصبحت تخُصص لتغطية الجرائم والحوادث.

وتكشف المعطيات الجديدة عن منطق تجاريّ واضح، هو أن مثل هذه البرامج تحقّق نسب مشاهدة عالية، وبالتالي، تجني عوائد إعلانية ضخمة. وهذا ما يفسّر التفاوت في تغطية القنوات، فبينما تكاد الحوادث الجنائية تنعدم في القنوات العمومية والثقافية، كقناة «آر تي» الثقافية التي تخصّص أقل من 1 في المائة للأخبار الجنائية، فإنها تمثّل أكثر من 9 في المائة من تركيبة القنوات الإخبارية الخاصة كقناة «تي إف أو إم 6» مع تركيز خاص على أعمال العنف ضد الأشخاص، ولا سيما النساء والأطفال. وللعلم، هذا التفاوت ليس عبثياً، بل يعكس نموذج التمويل والضّغوط التجارية التي تخضع لها كل قناة. ذلك أن القنوات الأكثر اعتماداً على المنطق التجاري والإعلانات - إضافة إلى وسائل الإعلام المحلّية - تميل إلى منح حيّز أكبر لهذا النوع من الأخبار.

السبب بسيط، وهو أن الحوادث الجنائيّة سهلة الإنتاج، بسبب تعاون المصادر الأمنية والقضائية بسهولة مع الصحافيين، الأمر الذي يجعل كلفة إنتاج هذا المحتوى منخفضة بالمقارنة مع كلفة إنتاج التحقيقات الاستقصائية الأخرى، كما أن أرباحها كبيرة.

شعار قناة "دوبل في 9" (آ ف ب/غيتي)

مصدر إيرادات للقنوات الصغيرة

وبالفعل، غدت البرامج المتخصّصة في القضايا الجنائية مصدر إيرادات رئيس للقنوات الصغيرة بفضل أرقام المشاهدة الاستثنائيّة التي تحقّقها. وكمثال، هناك قناة «آر إم سي» التي استطاعت أن تتصدر المشهد لسنوات بفضل برنامج «أدخلوا المتهم»، وهو برنامج انطلق عام 2000 ووصل إلى موسمه السادس والعشرين عام 2024.

ويتناول هذا البرنامج القضايا الجنائية الكبرى في فرنسا، مستعيناً بإعادة تمثيل الأحداث وشهادات المحقّقين والخبراء، مع أسلوب سردي درامي يُصور في ديكورات مُظلمة توحي بالغموض.

الأرقام كشفت عن أن حلقات الموسم الثالث والعشرين من البرنامج حققت نحو 513.000 مشاهدة لكل حلقة، وهذه أرقام وإن بدت متواضعة مقارنة بالبرامج الترفيهية الكبرى، فإنها استثنائية بالنسبة لقناة صغيرة.

الوضع نفسه ينطبق على قناة صغيرة أخرى تدعى «دوبل في 9» التي نجحت بفضل برنامج «تحقيقات جنائية» في تحقيق نسب مشاهدة عالية؛ إذ سجلت حلقة من ديسمبر (كانون الأول) 2020 رقماً قياسياً هو 1.3 مليون مشاهدة، مع متوسط نِسَب مشاهدة عامة تصل إلى 600 ألف في الحلقة الواحدة. هنا أيضاً يقدّم البرنامج تحقيقات معمّقة في قضايا جنائيّة معقدة، مع تركيز خاص على الجوانب الإنسانية والنفسيّة للجرائم، وقد تكون استمرارية البرنامج لأكثر من 15 سنة، على الهواء، دليلاً قاطعاً على نجاحه التجاري وقدرته على الاحتفاظ بجمهوره.

قنوات أخرى كبيرة، مثل «تي إف1» و«كنال بلوس» و«فرانس 2»، لم تتخلف عن الركب، بل أطلقت هي الأخرى برامج متخصّصة، أو أفردت حيّزاً كبيراً ضمن برامجها الوثائقية لتغطية القضايا الجنائية، في سباق محموم للاستحواذ على حصّة من هذه السوق الإعلامية المربحة.

يوتيوب: ثورة رقمية في تغطية قضايا الإجرام

على صعيد موازٍ، إذا كانت القنوات التلفزيونية التقليديّة قد استثمرت بكثافة في برامج الجريمة، فإن منصّات التواصل الاجتماعي، وتحديداً «يوتيوب»، شهدت ثورة حقيقية في هذا المجال.

صانعو المحتوى الرقمي أدركوا مبكّراً حجم الطلب الجماهيري على القصص الجنائية، وتمكّنوا من بناء إمبراطوريات إعلامية مستقلّة تنافس القنوات التقليديّة. موقع «ترو كرايم» الفرنسي سجّل وجود أكثر من 67 قناة فيديو متخصّصةً في محتوى الجريمة، ما يعكس حجم هذه الصناعة الإعلامية الناشئة.

«ماك سكيز»

في هذا السياق، يُعد صانع المحتوى الفرنسي الشاب «ماك سكيز» النموذج الأبرز لهذا النجاح الرقمي؛ إذ أطلق قناته على «يوتيوب» عام 2018، وفي غضون ست سنوات فقط، وصل عدد المُشتركين إلى ما يقارب مليوني مشترك بحلول عام 2024، وهذا رقم يفوق حجم جمهور العديد من البرامج التلفزيونيّة المتخصّصة. ثم إن محتواه الأسبوعي يحصد بانتظام ملايين المشاهدات، ما يجعله أحد أنجح صانعي المحتوى الفرنسي على الإطلاق.

طبعاً، هذا النجاح لم يأتِ من فراغ، ذلك أن كل حلقة تحتاج لما بين 7 و10 أيام من البحث والتحضير، ويعمل معه فريق محترف يضمّ محرّرين للفيديو، وخمسة رسّامين، وثلاثة فنّانين متخصّصين في الرسوم الثّلاثية الأبعاد.