الهموم المشتركة لواشنطن ونيودلهي... ركائزها الصين وأفغانستان ومجموعة «كواد»

رغم الانتقادات التي توجهها الإدارة الأميركية الحالية لفترة رئاسة دونالد ترمب، فإنها مستمرة في سياسته لتعزيز الروابط مع الهند، ويتجلى ذلك في حقيقة إرسال بايدن اثنين من كبار مسؤوليه ـ وزير الدفاع لويد أوستن والمبعوث الأميركي لشؤون التغيرات المناخية جون كيري ـ إلى الهند، بجانب مشاركة الرئيس في قمة زعماء «الحوار الأمني الرباعي»، المعروف اختصاراً باسم «كواد»، خلال الـ100 يوم الأولى من عمر إدارته.
وقام وزير الخارجية الهندية مؤخراً بزيارة هادئة إلى الولايات المتحدة، وهي الأولى من جانب مسؤول من المستويات العليا للسلطة في نيودلهي منذ دخول الرئيس الديمقراطي جو بايدن البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني). زيارة إس. جاي شانكار للولايات المتحدة امتدت خمسة أيام. والسؤال ما الذي جرت مناقشته بينه وبين الأعضاء الأساسيين في فريق العمل المعاون لبايدن، والذي تضمن أوستن ومستشار الأمن الوطني الأميركي جيك سوليفان ومديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز؟ ويرى معلقون أن الزيارة كانت شديدة الأهمية وسعت لإرساء قواعد المسار المستقبلي للعلاقات الهندية ـ الأميركية. وعكف الجانبان على مراجعة القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، والتي تتقاطع مع بناء بنية تحتية لمجموعة «كواد» والخروج الأميركي من أفغانستان والنفوذ الصيني، بجانب قضايا أخرى مثل اجتماع دول «مجموعة الـ7 زائد 3» المقرر إقامته في المملكة المتحدة في يونيو (حزيران) الحالي.
- الصين والعلاقة الثنائية بين واشنطن ونيودلهي
قال الدبلوماسي السابق أشوك ساجانهار: «تحولت الصين إلى عنصر ثابت في التعاون الأميركي مع الهند في أعقاب ظهور جائحة فيروس (كورونا) والمواجهة العسكرية بين الصين والهند في لاداخ والتحركات الصينية العدائية بالمنطقة وتوسيع نطاق وجود الترسانة الصينية من الصواريخ النووية متوسطة المدى». وقد التقى بلينكن بجاي شانكار على هامش مؤتمر مجموعة الـ7 في لندن في مايو (أيار)، ولم يتناول اللقاء قضية واحدة، وإنما ركز على التغيرات على الساحة الجيوسياسية. وأضاف ساجانهار أنه يتضح مما سبق أن الصين دونما شك هيمنت على جزء كبير من المناقشات. ويمكن النظر إلى ذلك في ضوء التصريحات الأخيرة للمنسق الأميركي لشؤون منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كيرت كامبل والذي قال إن حقبة التعاون مع الصين بقيادة شي جين بينغ قد ولت. علاوة على ذلك، أجرى مسؤولون أميركيون وصينيون محادثات تجارية عبر الهاتف في خضم توترات متفاقمة، في الوقت الذي وقف وزير الخارجية الهندي إلى جانب الولايات المتحدة. وبذلك يمكننا القول إنه رغم عدم صدور أي بيان من الجانبين، كانت الصين بالتأكيد قضية كبرى».
جدير بالذكر هنا أن جاي شانكار سافر إلى الولايات المتحدة على خلفية حديث متأزم جرى بينه وبين وزير الخارجية الصيني وانغ يي في 30 أبريل (نيسان). وبدت وجهات نظر الوزيرين متباينة بشدة ولم يتمكن المسؤولان من الاتفاق حول مسألة فض الاشتباك داخل شرق لاداخ. تجدر الإشارة إلى أن الجانبين من المقرر مشاركتهما هذا العام في قمتي مجموعة «البريكس» و«منظمة شنغهاي للتعاون».
وكشف مصدر داخل وزارة الخارجية الهندية أنه جرت كذلك مناقشة قضية تايوان. وقد دعم الجانبان الهندي والأميركي تايوان في مساعيها للانضمام إلى جمعية منظمة الصحة العالمية كمراقب. ومن المعتقد أن تايوان ستلعب دوراً محورياً في التحقيقات الجارية حول منشأ الفيروس. وأظهر الرئيس الأميركي بايدن أنه يولي أولوية لمساعيه نحو تعزيز التحالفات الأميركية بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ بهدف فرض عزلة على الصين.
في هذا الصدد، أشار المعلق السياسي ريخا تشودهري إلى أن «النقطة الأبرز هنا أن الجانبين الهندي والأميركي تناقشا بالتفصيل حول صياغة خطة للبنية التحتية في إطار مجموعة (كواد) لتكون على مستوى (مبادرة الحزام والطريق) الصينية، والتي تضم مجموعة مشروعات ربط هائلة عبر المنطقة الأورو ـ آسيوية بقيادة بكين». «ومن المحتمل أن يلتقي أعضاء «كواد» بحلول نهاية العام للإعلان رسمياً عن نمط مشابه من مشروعات التعاون بمجال البنية التحتية. ومن الممكن أن يشكل الأمر صفعة قوية للصين إذا ما أعلنت مجموعة «كواد» عن خطة لتعزيز البنية التحتية لدى عدد من الدول، وذلك لأن هذا قد يدفع الكثير من الدول المتعاونة مع الصين حالياً في إطار «مبادرة الحزام والطريق» للانفصال عنها والانضمام إلى مبادرة «كواد». الجدير بالذكر هنا أن الصين حذرت بنغلاديش بالفعل من الانضمام إلى مبادرات مجموعة «كواد»، خصوصاً أنها بالفعل جزء من «مبادرة الحزام والطريق».
علاوة على ذلك، أطلقت «كواد» بالفعل آلية أطلقت عليها «كواد بلس»، والتي ضمت إلى جانب الدول الأعضاء كلاً من نيوزيلندا وكوريا الجنوبية وفيتنام من أجل التصدي لجائحة فيروس (كوفيد - 19). وقد أكدت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا على مصالحها بالفعل بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي، لكن لم تعلن بعد تفاصيل تعاونهم معاً كشركاء داخل المنطقة.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه قبيل وصول جاي شانكار الولايات المتحدة بساعات، أعلن كيرت كامبل، المسؤول الأول عن شؤون منطقة المحيطين الهادئ والهندي المعاون لبايدن، أن ثمة خططاً تجري صياغتها لعقد اجتماع قمة فعلية لقادة الدول الأعضاء في «كواد»، هذا الخريف. وأفاد مصدر دبلوماسي مطلع كان مرافقاً لجاي شانكار بأنه قبل القمة المقررة في الخريف، سيجري إقرار أجندة مفصلة لتحديد توجهات مجموعة «كواد» بمجالات مثل الاقتصاد والتكنولوجيا والإغاثة في حالات الكوارث وبناء سلاسل إمداد قوية ـ كل هذا مع الأخذ في الاعتبار الوضع الأمني الآخذ في التطور داخل منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
وأعلن جاي شانكار الذي يعتبر العقل المدبر وراء السياسات الهندية القوية على الساحة الدولية في ظل قيادة مودي، أثناء زيارته الولايات المتحدة أنه «عندما تكون الهند عضواً في أي شيء، نحرص على إظهار التزامنا تجاه هذا الكيان، وإلا فلن نكون عضواً به من البداية. وموقفنا تجاه (كواد) واضح».
تجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة وأستراليا أرسلتا بالفعل سفناً حربية إلى بحر الصين الجنوبي. كما تتوجه مجموعة حاملات طائرات هجومية تتبع المملكة المتحدة، بقيادة الحاملة الملكة إليزابيث، نحو منطقة المحيطين الهادئ والهندي. ومن المعتقد كذلك أن بريطانيا تسعى لتعزيز مشاركتها في المنطقة وجهود ردع الصين، ما يمثل ميلاً في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة لتوجيه اهتمام أكبر بالمنطقة.
على الجانب المقابل، انتقد المتحدث العسكري الصيني الكولونيل تان كيفي، خلال مؤتمر صحافي عقد عبر الإنترنت، إدارة بايدن لاستمرارها في «استراتيجية منطقة المحيطين الهادئ والهندي» التي أقرها ترمب، مشدداً على ضرورة ألا تسعى الولايات المتحدة لتكوين «عصب» أو استثارة «حرب باردة جديدة» تتضمن مواجهة بين تكتلات وخلق وضع لا يمكن أن يسفر إلا عن فوز جانب في مواجهة خسارة الآخر، لأن هذا من شأنه إثارة المزيد من الانقسامات والعداءات والفوضى فحسب.
- عملية السلام الأفغانية
من بين القضايا الأخرى التي تعرضت لها النقاشات بين الجانبين الهندي والأميركي، عملية السلام الأفغانية، خصوصاً في ضوء انسحاب القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها من البلاد. وفي إطار أعمال العنف التي ترتكبها جماعة «طالبان»، من الواضح أن الولايات المتحدة أكدت لجاي شانكار أنه في الوقت الذي ستنسحب القوات الأميركية على نحو كامل من أفغانستان في أكتوبر (تشرين الأول)، ستبقي إدارة بايدن أعينها مركزة على منطقة المحيطين الهادئ والهندي للحيلولة دون تردي الوضع الأمني بها. علاوة على ذلك، أكد فريق الأمن الوطني الأميركي للوزير الهندي أنه ستكون هناك استجابة مناسبة حال تردي الأوضاع في أفغانستان. وأوضح تشودهري أن: «تداعيات تبدل السيناريو القائم في أفغانستان تحمل أهمية كبرى لنيودلهي، ومن المهم الحصول على ضمانات من الولايات المتحدة في هذا الشأن نظراً لأن الهند استثمرت بقوة في قضية أفغانستان. ومع ذلك، يبقى لزاماً على الهند صياغة سياستها الخاصة بها للتعامل مع هذه التحديات».
علاوة على ذلك، التقى جاي شانكار أمين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وقت تعمل فيه الهند على جعل فترة عضويتها الحالية في مجلس الأمن مثمرة. يذكر أن واشنطن أيدت مساعي نيودلهي للحصول على مقعد دائم في هذا الكيان بالغ الأهمية، بينما تبقى الصين عقبة كبرى في هذا الطريق.