«كهرباء لبنان» بلا أموال وأزمة المحروقات تطفئ المولدات الخاصة

تحذير من عتمة شاملة خلال 3 أيام

TT

«كهرباء لبنان» بلا أموال وأزمة المحروقات تطفئ المولدات الخاصة

مع بداية الأسبوع المقبل سيعاني اللبنانيون من انقطاع شامل للكهرباء لمدة أقلها خمس ساعات إضافية يومياً وذلك بعدما أعلن أصحاب المولدات عن التقنين في إمداد الكهرباء في شبكة الكهرباء الموازية بسبب أزمة شحّ المازوت وتراجع تغذية كهرباء الدولة إلى مستويات قياسية.
وأعلن رئيس تجمع أصحاب المولدات عبدو سعادة عن التوجه إلى التقنين خمس ساعات يومياً ابتداءً من الأسبوع المقبل مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ أصحاب المولدات «مضطرون للتقنين بسبب أزمة شح المازوت إذ إنّهم يشترون المازوت، في حال وجوده، من السوق السوداء وبسعر يصل إلى 40 ألف ليرة لبنانية (3 دولارات وفق سعر الصرف في السوق السوداء) للصفيحة (20 لتراً) في حين أنّ الدولة تحدّد سعرها بـ28 ألفاً كون المحروقات لا تزال مدعومة».
ويعاني لبنان منذ فترة من شح في المحروقات بسبب بطء مصرف لبنان بفتح الاعتمادات المطلوبة في خطوة تهدف إلى توفير ما تبقى من عملات أجنبيّة، بعدما كان أعلن أكثر من مرّة عن عدم قدرته في الاستمرار بالآلية الحالية للدعم والتي يوفّر بموجبها 85 في المائة من دولار لاستيراد فاتورة المواد الأساسية بما فيها المحروقات على أساس السعر الرسمي له مقابل الليرة.
ويسهم أيضاً استمرار تهريب المازوت إلى سوريا فضلاً عن تخزينه من قبل التجار في لبنان بهدف بيعه بسعر مضاعف بعد رفع الدعم، بتفاقم الأزمة، كما كان موزعو المحروقات حذروا مؤخراً من أنّ زيادة الطلب على المازوت من قبل أصحاب المولدات مع استمرار أزمة الكهرباء ستزيد من شحّ مادة المازوت لأنّ الكميّات لن تكفي حينها حاجة السوق.
وإلى جانب أزمة شح المازوت لا تملك الشبكة الموازية (مولدات الكهرباء) تقنياً القدرة على تأمين تغذية كهربائيّة لـ24 ساعة يومياً، فهي لطالما كانت تؤمّن نصف حاجة لبنان من الكهرباء أي الكميّة نفسها التي تؤمنها مؤسسة كهرباء لبنان حسب ما يوضح سعادة مشيراً إلى أنّه حالياً بات يطلب من المولدات تغطية أكثر من ذلك بكثير إذ إن تغذية كهرباء لبنان باتت لا تتجاوز الساعتين في اليوم الواحد، وأصحاب المولدات ولا سيما في ظل أزمة المازوت لا يستطيعون تغطية كل ساعات التقنين.
وأعلنت المديرية العامة للنفط أمس، أن عدد شركات التوزيع التي تستلم المادة هي في حدود 200 شركة موزعة على المناطق كافة، وبالسعر الرسمي الوارد في جدول تركيب الأسعار الصادر عن وزارة الطاقة والمياه ووفق نظام حصص تتم مناقشته وإقراره بناءً على الطلب والعرض وحاجة السوق. وقالت إن «كل المؤشرات المتوافرة لدينا تؤكد إشباع السوق بالمازوت، إذ إن منشآت النفط في طرابلس والزهراني وحدها زودت السوق اللبنانية كافة بعشرين مليون لتر من مادة المازوت لهذا الأسبوع».
وقالت في بيان إن «بعض القائمين على قطاع المولدات الكهربائية يطالعنا يومياً بفقدان مادة المازوت لتزويد حاجة المولدات، واستخدام هذه الحجة مطية للإعلان عن خفض التغذية وبرنامج تقنين».
وتُقدّر حاجة لبنان من الكهرباء بـ3000 ميغاواط كانت مؤسسة كهرباء لبنان تؤمن نصفها (المعامل نحو 1200 ميغاواط يُضاف إليها إنتاج البواخر العائمة لإنتاج الطاقة) ويؤمن أصحاب المولدات النصف الآخر، إلا أن مؤسسة كهرباء لبنان أعلنت منذ يومين أنّ إجمالي الطاقة المنتجة على الشبكة حالياً تراجع تدريجياً خلال الأسابيع الماضية إلى حدود 720 ميغاواط، موضحة أن هذا التدني في القدرة الإنتاجية يؤثر سلباً على ثبات واستقرار الشبكة الكهربائية؛ إذ إن أي صدمة كهربائية تتعرض لها الشبكة قد تؤدي إلى انقطاع عام وخروج كافة المعامل عنها.
وتعود أسباب أزمة الكهرباء الحالية إلى عدم توافر الأموال اللازمة لاستيراد فيول الكهرباء؛ إذ إن مصرف لبنان لا يزال وحتى اللحظة يرفض صرف سلفة الخزينة البالغة قيمتها 200 مليون دولار لصالح مؤسسة كهرباء لبنان حسب ما يؤكد مصدر نيابي متابع، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن مصرف لبنان يرفض الموافقة أيضاً على اعتمادات استيراد الفيول. وقال: «هناك 3 بواخر تنتظر على الشواطئ اللبنانية وأربع في طريقها إلى لبنان وإن لم يفتح لها الاعتمادات اللازمة سيدخل لبنان عتمة شاملة خلال ثلاثة أيام».
وكان البرلمان اللبناني أقر نهاية شهر مارس (آذار) الماضي السلفة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان وذلك بعد شهر من تحذير وزير الطاقة ريمون غجر من عتمة شاملة إن لم تتوافر الاعتمادات المالية اللازمة لاستيراد الفيول، وتوقّف تنفيذ السلفة قانونياً بسبب طعن تقدّم به نوّاب «القوات» أمام المجلس الدستوري باعتبارها ليست دستورية؛ إذ إنها ستموّل من احتياطي مصرف لبنان الإلزامي من العملات الأجنبيّة أي من أموال المودعين. ومنذ أيام عاد العمل بقانون السلفة إثر عدم بتّ المجلس الدستوري بالطعن خلال المهلة المحددة قانونياً وذلك نتيجة عدم اكتمال نصابه.
وبالإضافة إلى مشكلة الاعتمادات، كانت أزمة الكهرباء في لبنان تفاقمت بعد إعلان الشركة التركية المشغلة لباخرتين تولدان الطاقة التوقف عن العمل إثر إصدار القضاء قراراً بالحجز عليهما بسبب شبهات فساد. وكانت الشركة هدّدت بالانسحاب بسبب تعثّر الدولة اللبنانية في دفع مستحقاتها عن العام الماضي والتي تزيد على 100 مليون دولار.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.