كان حارس المرمى السنغالي إدوارد ميندي على وشك التخلي عن حلمه قبل ست سنوات. فبعدما قضى 12 شهراً بدون الانضمام إلى أي ناد، كان على وشك الاستسلام لليأس، ووصلت مسيرته الكروية إلى طريق مسدود، وعاد إلى شقة والديه في ضاحية لوهافر في كورشوفيل بفرنسا، ولم يكن لديه أي فكرة عن كيفية تقديم الدعم لشريكته، التي كانت حاملا بطفلهما الأول. ولم تسر الأمور على ما يرام بالنسبة لميندي بعد أن استغنى عنه نادي شيربورغ، الذي يلعب في دوري الدرجة الثالثة في فرنسا، في صيف عام 2014. وحتى وكيل اللاعبين الذي كان من المفترض أن يجد له فرصة جديدة توقف عن الرد على رسائله حتى فات الأوان لترتيب الانتقال إلى ناد جديد، ولم يمض وقت طويل حتى وجد حارس المرمى الشاب نفسه يتدرب بمفرده، وهو يشعر بالقلق بسبب عدم قدرته على أن يعيل أسرته الشابة.
لقد كانت فترة مروعة بالنسبة لميندي، الذي اضطر للحصول على إعانة بطالة، وفي عام 2015 كان على وشك قبول وظيفة في متجر لبيع الملابس عرضها عليه أحد أصدقائه. لكن لا شيء أهم من العائلة بالنسبة لميندي، الذي لديه خمسة أشقاء. ولم يكن ميندي يتخيل يوما ما أنه سيفوز بلقب دوري أبطال أوروبا مع تشيلسي ويكون هو الحارس الأول للبلوز في هذا الحدث الاستثنائي. وقد لعب القدر دورا كبيرا في ذلك، حيث كان تيد لافي، زميله السابق في نادي شيربورغ، يرغب بشدة في مساعدة ميندي وتواصل مع صديقه القديم، دومينيك بيرناتوفيتش، الذي كان يعمل مدربا لحراس المرمى بنادي مرسيليا. يقول بيرناتوفيتش: «لقد تواصل معي في توقيت جيد، حيث كنا نبحث عن حارس مرمى ليكون الحارس الثالث أو الرابع للفريق. ورشح لي تيد لافي زميله إدوارد ميندي، وقالي لي إنه يتعين علي أن أجربه. اتصلت بمسؤولي النادي، واتصلت بإدوارد ميندي، الذي كان سعيدا للغاية بذلك».
وسرعان ما رأى بيرناتوفيتش أن ميندي، الذي بدأ مسيرته الكروية بأكاديمية لوهافر للناشئين، يمتلك موهبة كبيرة ومرونة ورغبة جارفة في التطور. يقول بيرناتوفيتش: «منذ الحصة التدريبية الأولى، أدركت على الفور أنه يمتلك قدرات كبيرة. وكانت الخطوة التالية هي إقحامه للعب على مستوى المحترفين. ولم يكن مسؤولو مرسيليا قادرين على فهم كيف يمكن لحارس شاب بهذه الإمكانات أن يظل فترة طويلة بدون أي ناد!».
ويضيف: «كان حريصاً جداً على الاستماع. وكان أكبر قرار اتخذته هو التعاقد مع ميندي لمدة عام واحد، لأن الأمور معقدة للغاية في نادي مرسيليا. ولو ثبت أنني كنت مخطئا بشأن رأيي في مستوى ميندي، كنت سأقال من منصبي، لكنني كنت واثقا تماما من أن ميندي حارس جيد للغاية، وقد أثبت ذلك». وقدم مرسيليا عرضا متواضعا لميندي ليلعب في الفريق الرديف، لكنه وافق على الفور وكان سعيدا للغاية. ويشير بيرناتوفيتش إلى التزام ميندي قائلا: «لو قررنا إجراء التدريب في الثامنة صباحاً، فسيكون هناك دائما». وكون ميندي علاقة قوية للغاية مع بيرناتوفيتش، الذي قدمه إلى وكيل أعمال تمكن من إيجاد ناد له يلعب في دوري الدرجة الثانية بفرنسا. انضم ميندي إلى ريمس في عام 2016، وحصل على فرصته عندما طُرد الحارس الأول للفريق، يوهان كاراسو، ضد أميان في الجولة الافتتاحية من الموسم. قدم ميندي مستويات مثيرة للإعجاب وأصبح لاعبا أساسيا في صفوف الفريق في الموسم التالي، وساعد ريمس على الصعود للدوري الفرنسي الممتاز في عام 2018 بعدما حافظ على نظافة شباكه في 19 مباراة.
بدأت كل الأنظار تتجه نحو ميندي، الذي ولد لأم سنغالية وأب من غينيا بيساو. وفي عام 2018، انتهزت السنغال الفرصة وضمته إلى قائمتها بعد أن أدركت أنه لم يلعب أي مباراة رسمية مع أي منتخب آخر في منافسات تابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بعدما لعب لأول مرة مع منتخب غينيا بيساو في عام 2016. وقد أثبت ميندي نفسه على المستوى الدولي وأصبح الحارس الأول للمنتخب السنغالي، وجذب اهتمام مسؤولي نادي بورتو البرتغالي، وكريستوف لوليتشون، مدرب حراس مرمى تشيلسي.
ومع ذلك، كان من السابق لأوانه أن ينتقل ميندي إلى خارج فرنسا، لذا انضم إلى رين في صيف 2019 ولعب دوراً مهماً في تأهل الفريق إلى دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي. يقول أوليفييه سورين، مدرب حراس المرمى بنادي رين: «تفانيه في العمل جعله حارس مرمى لا يصدق. ميندي يمتلك شخصية قوية، لكن بالمعنى الإيجابي وليس السلبي. إنه صارم للغاية مع نفسه ومع اللاعبين الآخرين. لم يستمر مع رين إلا لموسم واحد فقط، لكننا شعرنا بأنه كان هنا لمدة 10 سنوات».
وبحلول صيف عام 2020، كان تشيلسي مستعداً لتأكيد اهتمامه بالحارس السنغالي الدولي. لقد كان النادي اللندني بحاجة إلى حارس قادر على الدخول في منافسة قوية مع كيبا المتعثر، لذلك قرر تشيلسي التحرك للتعاقد مع ميندي بناء على توصية من بيتر تشيك، مستشار الأمور الفنية بالنادي. لقد كان الأمر يستحق الاستماع إلى تشيك، الذي أصبح أحد أفضل حراس المرمى في العالم بعد انضمامه إلى تشيلسي قادما من رين في عام 2004. وسرعان ما أطاح ميندي بكيبا من حراسة مرمى البلوز، بعد انتقاله إلى «ستامفورد بريدج» مقابل 22 مليون جنيه إسترليني.
يقول بيرناتوفيتش: «إنه يمتلك بنية جسدية قوية للغاية، لكنه يلعب بقدميه بشكل رائع. لديه ذراعان طويلتان جدا، ويجيد الكرات الهوائية بشكل رائع. كان هناك شيء واحد يتعلق بأدائه وهو أنه كان يميل للإمساك بالكرات العرضية عندما ينخفض مستواها وتقترب من الأرض. كل حراس المرمى يفعلون ذلك، حيث ينتظرون حتى تصل الكرة إليهم، ويعتقدون أن هذا الأمر يمنحهم ميزة». ويضيف: «لقد بذلت مجهوداً كبيراً من أجل تقوية عمله بقدمه اليمنى بحيث يمكنه القفز عاليا والإمساك بالكرة بنفس القوة كما لو كانت على الناحية اليسرى، ثم شجعته على الإمساك بالكرات العرضية وهي في أعلى نقطة ممكنة بدلا من الانتظار حتى تهبط الكرة. وكان الشيء الآخر الذي ساعدته فيه هو التصدي للتسديدات الأرضية بسرعة أكبر، وقد حقق تقدما كبيرا للغاية في تعلم هذه الأشياء».
وكان بيرناتوفيتش سعيداً للغاية عندما تصدى ميندي لركلة الجزاء التي سددها سيرجيو أغويرو خلال المباراة التي فاز فيها تشيلسي على مانشستر سيتي خلال الشهر السابق. ويقول عن ذلك: «كان أحد الأشياء التي كنت أقولها له هو أنه كان يميل إلى التحرك مبكرا في ركلات الجزاء. فكلما ظل حارس المرمى واقفا على قدميه لفترة أطول، كانت فرصه أفضل في التصدي لركلة الجزاء. وهذا هو ما فعله مع أغويرو».
ولا يمكنك أن تجد شخصا واحدا يقول كلمة سيئة عن ميندي. ويصفه بيرناتوفيتش بأنه جوكر ورجل نبيل وقائد. وكان فرانك لامبارد، الذي رحل عن القيادة الفنية لتشيلسي وحل محله توماس توخيل في يناير (كانون الثاني) الماضي، يحب ميندي ويشيد دائما بسلوكه. وقد تكيف حارس المرمى السنغالي البالغ من العمر 29 عاماً مع أجواء اللعب والمعيشة في إنجلترا سريعا، ويعد أحد اللاعبين المحبوبين للغاية في صفوف تشيلسي، وتربطه علاقة خاصة بكل من بن تشيلويل وماسون ماونت ونغولو كانتي.
وبعد فوز تشيلسي على ليستر سيتي على ملعب «ستامفورد بريدج» في المرحلة قبل الأخيرة من مسابقة الدوري، بدا ميندي سعيداً وقانعاً وهو يتجول في الملعب مع ولديه الصغيرين. وبعد ست سنوات من أقل نقطة في مسيرة ميندي الكروية، أصبحت الفرصة سانحة تماما لكي يصبح أحد أعظم حراس المرمى في عالم الكرة القدم اليوم، خاصة بعدما قاد تشيلسي للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا.
ميندي... من عاطل عن العمل إلى حارس تشيلسي في نهائي أبطال أوروبا
اللاعب السنغالي قضى 12 شهراً من دون الانضمام إلى أي ناد ولم يكن قادراً على إعالة أسرته
ميندي... من عاطل عن العمل إلى حارس تشيلسي في نهائي أبطال أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة