بعد انتهاء حملة مقاطعة العديد من المؤسسات والهيئات الرياضية لوسائل التواصل الاجتماعي، التي استمرت أربعة أيام، احتجاجاً على فشل المواقع الكبرى لوسائل التواصل الاجتماعي في معالجة الكراهية، دعونا نحاول تخيل واقع بديل. تماماً كما هو الحال الآن، يبدأ الأمر بإرسال المسيئين إساءات عنصرية إلى محمد صلاح أو ماركوس راشفورد، على سبيل المثال، أو مهاجمة نجمة رياضية أو معلق رياضي. وفي هذا العالم الموازي، ينطلق فريق من المحققين إلى العمل في هذه القضية.
فماذا الذي قد يحدث بعد ذلك؟ في البداية سيتعرف المحققون على أسماء الجناة وأرقام هواتفهم وأماكن إقامتهم، ثم يتم تنبيه السلطات المعنية. وبعد ذلك بوقت قصير، سيتم إغلاق حسابات هؤلاء المسيئين على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي أسوأ الحالات، سوف تلاحقهم الشرطة. وأخيراً، عندما يدرك الناس أن الإساءات عبر الإنترنت لها عواقب فعلية على أرض الواقع، سيبدأ الكثيرون في تعديل سلوكهم، وبالتالي قد يتوقف هذا التسونامي من الكراهية عبر شبكة الإنترنت.
إنه افتراض خيالي، لكنه ليس سخيفاً كما قد يبدو للبعض. ففي مايو (أيار) العام الماضي، أجرى المحققون في مؤسسة «سبورت رادار»، الذين يقضون معظم أوقاتهم في كشف التلاعب بنتائج المباريات، مخططاً تجريبياً في بطولتين استعراضيتين للتنس من أجل تعقب المسيئين عبر الإنترنت. وكان من بين المستهدفين تايلور تاونسند، التي تعرضت لإساءة عنصرية من قبل ستة أشخاص بسبب لون بشرتها، ونجم آخر من نجوم لعبة التنس تم تهديده بالعنف الجسدي ضده وضد صديقته. وبصفة إجمالية، أرسل 44 شخصاً رسائل مسيئة للاعبين خلال تلك الأسابيع. وتعقبت مؤسسة «سبورت رادار» 21 شخصاً منهم.
ثم قامت المؤسسة بتنبيه السلطات المختصة وساعدتها على اتباع مسار العمل المناسب - من حذف المسيئين من منصات التواصل الاجتماعي، إلى العمل مع سلطات إنفاذ القانون لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وبالطبع كانت الإجراءات مختلفة، حسب شدة التهديد والموقع، لكنها ساعدت الضحايا على الشعور بأن هناك مَن يقف خلفهم لحمايتهم.
ومنذ ذلك الحين، قامت المؤسسة بتجربة خطط مماثلة في رياضتين أخريين، حيث أخبرني أندرياس كرانيش، المدير الإداري لخدمات النزاهة بمؤسسة «سبورت رادار»، أن معدل النجاح الذي تحقق وصل إلى نحو 50 في المائة، وقال: «لا يوجد فرق كبير بين أن تبحث عن التلاعب بنتائج المباريات أو أن تبحث عن شخص يُسيء للاعبين على وسائل التواصل الاجتماعي، ففي نهاية المطاف نحن نقوم بإجراء تحقيق فيما يحدث. وقد جاء رفاقي في العمل من الشرطة ومؤسسات إنفاذ القانون ومكافحة الاحتيال المالي، وعلى وجه الخصوص من هيئات الدفاع العسكري ومكافحة الإرهاب، لذلك فهم يعرفون جيداً كيف يعثرون على المسيئين».
ومن الواضح أن مثل هذا النهج هو أفضل حل لهذه المشكلة. لكن هناك أيضاً خطوات أبسط يمكن لشركات التواصل الاجتماعي اتخاذها. وإذا نظرنا إلى موقع «تويتر» سنجد أنه ما زال مصراً على أنه «لا مكان للسلوك العنصري في خدمتنا، وعندما نحدد الحسابات التي تنتهك أياً من قواعد تويتر، فإننا نتخذ إجراءات». ومع ذلك، فإن تفسيرها لما يُعتبر عنصرية ما زال يتسم بالغموض.
وكتب الناشط السياسي البريطاني ساندر كاتوالا هذا الأسبوع يقول: «انظروا إلى التغريدات العنصرية التالية (لا يوجد سود في المنتخب الإنجليزي – حافظوا على أن يكون منتخبنا من البيض - ماركوس راشفورد ليس إنجليزياً - السود لا يمكن أن يكونوا إنجليزيين). لقد طلبت من موقع «تويتر» تأكيد ما إذا كانت هذه التغريدات العنصرية مسموحاً بها على المنصة أم لا. لقد أكدوا أن هذه الأنواع من التغريدات العنصرية لا تتعارض مع القواعد الحالية للموقع!»، ورغم كل هذا، يقول كاتوالا إن القواعد التي يتبعها موقع «تويتر» أكثر صرامة من تلك المتبعة في موقع «فيسبوك»!
يقول كاتوالا نفسه إنه تلقى إساءات عنصرية أكثر بكثير مما تعرض له قبل 20 عاماً، «رغم انخفاض عدد الأشخاص الذين يتبنون مواقف عنصرية». لقد سمحت التغييرات التي شهدها عالم التكنولوجيا للعنصريين بنشر سمومهم بسهولة أكبر، وبشكل مباشر. وبينما قادت كرة القدم حملة مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي، فيتعين عليها أيضاً أن تلقي نظرة فاحصة على نفسها. لقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «يوغوف» مؤخراً لصالح حملة «كيك إت أوت» لمواجهة العنصرية، وشمل أكثر من 1000 مشجع، أن 30 في المائة منهم قد شاهدوا أو سمعوا تعليقات أو هتافات عنصرية في إحدى المباريات في عام 2019. في الحقيقة، يعد هذا رقماً صادماً ومخزياً.
ويقول لويس ويلتشير، الرئيس التنفيذي لشركة «سيفن ليغ» للاستشارات الرقمية: «نحن في وضع أدت فيه وسائل التواصل الاجتماعي بلا شك إلى إحضار الإساءات العنصرية إلى كرة القدم. لكن هناك أيضاً حجة مفادها أن كرة القدم نفسها قد جلبت بعضاً من سمومها لوسائل التواصل الاجتماعي». إذا، ما الذي يمكن عمله أكثر؟ يعتقد ويلتشير، الذي أشرف من قبل على تحرير موقع «بي بي سي سبورت» على الإنترنت وكان مسؤولاً تنفيذياً كبيراً في «تويتر»، أن المواقع العملاقة لوسائل التواصل الاجتماعي والأندية يجب أن تعمل معاً بشكل وثيق من أجل مصلحة بعضها.
ويقول: «سيخبرك موقع إنستغرام بأنه اتخذ إجراءات بشأن الملايين من خطابات الكراهية العام الماضي، وأنه قد وجد 95 في المائة منها قبل أن يبلغ أي شخص عنها. وقد أطلق الموقع مؤخراً أداة جديدة من شأنها تصفية الرسائل المرسلة إلى صناديق البريد العامة بناءً على قائمة من المصطلحات والكلمات المسيئة. لكن يجب على هذا الموقع أن يُظهر للاعبين والأندية الأدوات التي يستخدمها - بينما تواصل الأندية الضغط حتى يتم عمل المزيد لحماية لاعبيها».
بالمناسبة، أخبرتني مؤسسة «سبورت رادار» أنه رغم الإجراءات التي يتخذها موقع إنستغرام، فقد تم نشر رموز تعبيرية على شكل قرد رداً على منشور نشره حارس مرمى تشيلسي إدوارد ميندي يدعم من خلاله حملة مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي! وتقول مؤسسة «سبورت رادار» إنها ستقدم خدمتها لحماية اللاعبين – عن طريق تقليل المسيئين عبر الإنترنت - مجاناً لأول ناديين إنجليزيين يتواصلان معها، من أجل أن تثبت فاعلية الإجراءات التي تتخذها في هذا الصدد. لكن الشيء المؤكد هو أن محققي هذه المؤسسة ما زال أمامهم الكثير من العمل للقيام به!
لماذا لا تغلق وسائل التواصل الاجتماعي حسابات المسيئين عنصرياً؟
إرسال رسائل الكراهية ما زال مستمراً رغم مقاطعة الهيئات الرياضية لـ«تويتر» و«فيسبوك»
لماذا لا تغلق وسائل التواصل الاجتماعي حسابات المسيئين عنصرياً؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة