اعترافات عنصر «الحشد» المعتقل تكشف عن «الصندوق الأسود» لميليشيات العراق

تحدث عن «لائحة اغتيالات» وعمليات اختلاس كبرى واستيلاء على منشآت ومرافق حيوية

القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح
القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح
TT

اعترافات عنصر «الحشد» المعتقل تكشف عن «الصندوق الأسود» لميليشيات العراق

القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح
القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح

كرر زعيم «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي ظهوره الإعلامي للمرة الثانية في غضون يومين، وأطلق تصريحات مثيرة بشأن اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، في حين أكدت مصادر قريبة من لجنة التحقيق الحكومية، أنها باتت تحتكم على «الصندوق الأسود» للفصائل المسلحة.
وقال الخزعلي، في تصريح متلفز، مساء الأربعاء، إن «حكومة الكاظمي تتبع سياسات واضحة تؤدي إلى قيام دولة بوليسية»، مشيراً إلى أن «بعض المعتقلين المتهمين بالفساد أُجبروا على الإدلاء باعترافات ضد شخصيات سياسية عراقية من الخط الأول».
وزعم الخزعلي، أن «المعتقل مصلح تم الاعتداء عليه». وتضمنت تصريحات الخزعلي إشارات متطابقة مع ما أورده زعيم تحالف الفتح هادي العامري الأسبوع الماضي، وذكر أن العراق «يتجه إلى الديكتاتورية»، وأن المعتقلين «يتعرضون إلى التعذيب».
في المقابل، كشف مصدر رفيع قريب من لجنة التحقيق، عن أن المعتقل مصلح أدلى باعترافات «مهمة ونادرة» بشأن انتهاكات خطيرة، مشيراً إلى أن المحققين «يتعاملون الآن مع كم هائل من المعلومات تكاد تصل أهميتها إلى أن تكون مثل (الصندوق الأسود) لشبكة من الميليشيات النافذة في العراق والأذرع السياسية التي تغطي عليها».
وبحسب المصدر، فإن اعترافات مصلح ساعدت في الكشف عن «لائحة الاغتيالات التي طالت عشرات الناشطين والصحافيين التي نفذتها شبكة متمرسة من المسلحين التابعين لقيادات رفيعة»، موضحاً أن «الشبكة نفسها تخترق الأجهزة الأمنية العراقية وتضمن حصانتها من وجودها في تلك المؤسسات».
وشغل مصلح منصب قائد عمليات الحشد الشعبي في غرب محافظة الأنبار منذ عام 2017، بالإضافة إلى قيادته لواء 13 المعروف باسم لواء «الطفوف» في كربلاء، وهو ضمن تشكيلات هيئة الحشد الشعبي. وأشار المصدر إلى أن «الاعترافات شملت عمليات اختلاس كبرى، واستيلاء على منشآت ومرافق حيوية تمتد إلى المدن المحررة من تنظيم (داعش)».
وقال القيادي في تيار «الحكمة»، رحيم العبودي، إن «الحكومة ضربت السياقات السياسية، وتجاوزت الخطوط الحمراء». لكن قيادياً شيعياً علق على اعترافات مصلح، بأن التعامل معها «يضع الحكومة في موقف معقد ومركب، لا سيما أن المكاتب الحزبية لخصوم الكاظمي تمارس ضغطاً هائلاً لاستبداله بشخصية أخرى، قريبة من بيئة الفصائل المسلحة».
ويقول القيادي، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، إن «التكهن بنهاية الاشتباك بين الفصائل والكاظمي يعتمد كليا على الطريقة التي ستنتهي فيها تحقيقات مصلح والآلية التي ستعلن فيها النتائج»، مشيراً إلى أن «الفصائل تراقب خطوات الكاظمي في هذا الملف وتستعد للسيناريو الأسوأ».
في الغضون، يستعد الحشد الشعبي لتنظيم استعراض عسكري بمناسبة «الذكرى السابعة لفتوى المرجع الديني علي السيستاني»، لمحاربة تنظيم داعش عام 2014، من المتوقع أن يشترك فيها 15 ألف مسلح من 70 لواءً تابعاً لهيئة الحشد الشعبي.
وبحسب بيان للحشد الشعبي، فإن الاستعراض سيتضمن «إشراك أسلحة جديدة تدخل الخدمة للمرة الأولى، من بينها مدرعات محلية الصنع ودبابات روسية مطورة في إيران». ويقول القيادي الشيعي، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الأجواء أنهت تماماً الحرب الباردة بين الكاظمي والفصائل، وكل شيء سيتوقف على نتائج ملف مصلح».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم