رئيسة «محكمة الحريري» لـ«الشرق الأوسط»: توقف عملنا رسالة مدمرة للبنانيين

إلغاء المحاكمات في قضية حمادة وحاوي والمر بسبب نقص التمويل

المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (أ.ب)
المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (أ.ب)
TT

رئيسة «محكمة الحريري» لـ«الشرق الأوسط»: توقف عملنا رسالة مدمرة للبنانيين

المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (أ.ب)
المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (أ.ب)

حذرت رئيسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضية التشيكية إيفانا هردليشكوفا، من أن إقفال المحكمة التي تنظر في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وجرائم أخرى «سابقة شديدة الخطورة للعدالة الجنائية الدولية»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن الإقفال في حال حصوله بسبب نقص التمويل «سيبعث برسالة مدمرة للشعب اللبناني وذوي الضحايا».
وفي تداعيات جديدة لأزمة نقص تمويل المحكمة، أعلنت غرفة الدرجة الأولى عن إلغاء جلسات المحاكمة في ثلاث جرائم مرتبطة باغتيال الحريري، في حين تعيش المحكمة أزمة غير مسبوقة بعد توقف لبنان عن دفع حصته من موازنتها وامتناع معظم الدول المانحة عن تسديد تعهداتها لعام 2021، في خطوة رسمت علامات استفهام حول الرغبة الدولية باستمرار عمل المحكمة، كما يقول مسؤول لبناني متابع للملف.
وقالت القاضية هردليشكوفا رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، «نحن قلقون جداً من الوضع المالي الذي وصلت إليه المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان». ونبهت إلى أنه «إذا لم تحصل المحكمة على المزيد من التمويل خلال الشهر الحالي، لن تتمكّن من مواصلة عملها القضائي القائم حتّى اليوم». ورأت أن «هذا القرار سيكون بمثابة رسالة مدمّرة للضحايا وللشعب اللبناني بشكلٍ عام، بالإضافة إلى كونه سابقة شديدة الخطورة للعدالة الجنائية الدولية. ولهذا السبب؛ أحثّ المجتمع الدّولي على تجديد دعمه للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان؛ للسماح لها بمتابعة عملها وفقاً للتفويض الذي حصلت عليه».
وفي الإطار نفسه، رأت المتحدّثة باسم المحكمة، وجد رمضان «أن عدم قدرتنا على إنهاء القضايا المرتبطة بجرائم هدّدت السلام والأمن العالميين سيوصلُ رسالة مفادها أنّ الإرهاب قد يبقى بلا عقاب، وأنّ المعركة الساعية لمواجهة الحصانات ولتقوية حكم القانون فشلت. كما أنّ هذه الخطوة ستقضي على أمل الأجيال المقبلة بسيادة حكم القانون والعدالة».
وقالت رمضان لـ«الشرق الأوسط»، تعمل المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان حالياً على قضيتين مستمرّتين ضدّ المتّهم (القيادي في «حزب الله») سليم عيّاش وآخرين، مرتبطتين بالعملية الإرهابية التي وقّعت في 14 فبراير (شباط) 2005، وأودت بحياة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وواحد وعشرين شخصاً آخرين، وتسببت بجرح الكثيرين.
وأعلنت أن المحكمة تملك حالياً تمويلاً يكفيها حتّى نهاية يوليو (تموز). لكنّ من الضروري جداً أن يقدّم المجتمع الدّولي المزيد من التمويل قبل نهاية هذه المهلة، وقبل حلول موعد إخطار جميع الموظفين العاملين فيها بالمغادرة؛ إذ تنصّ القواعد والقوانين التي تنظّم عمل موظفي المحكمة على «حصولهم على إخطار بالمغادرة قبل 30 يوماً على الأقلّ من موعد انتهاء عملها». وأشارت إلى أن «توقّف التمويل يعني أنّ المحكمة لن تملك الموارد اللازمة لاستكمال القضايا المرفوعة أمامها. وفي هذه الحالة، سيحدّد القضاة مصير هاتين القضيتين».
وأصدرت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان أمس قراراً ألغت به بدء المحاكمة في قضية عياش الذي كان مقرراً في 16 يونيو (حزيران) 2021، وعلّقت أيضاً جميع القرارات المتعلقة بالمستندات المودعة حالياً أمامها، وبأي مستندات تودع مستقبلاً، وذلك حتى إشعار آخر.
‎وجاء قرار غرفة الدرجة الأولى عقب إيداع رئيس قلم المحكمة مستنداً في 1 يونيو 2021، أبلغ فيه الغرفة بالوضع المالي الحاد الذي تواجهه المحكمة حالياً. فنفاد الأموال الوشيك سوف يؤثر في قدرة المحكمة على تمويل استمرار الإجراءات القضائية وإنجاز ولايتها، ما لم ترد مساهمات إضافية هذا الشهر.
‎‎وتتعلق قضية عياش باعتداءات ثلاثة استهدفت النائب الوزير والنائب اللبناني مروان حماده، والأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، ووزير الدفاع السابق إلياس المر. وقد اعتبرت المحكمة، أنّ هذه الاعتداءات متلازمة مع الاعتداء الذي أودى بحياة الحريري في 14 فبراير 2005.
وكانت المحكمة أقدمت على خفض موازنتها الجديدة ‎بنسبة 37 في المائة بعد تعثر لبنان عن الدفع، لكن تمنع معظم الدول المانحة الممثلة في مجلس الإدارة عن دفع تعهداتها، أدى إلى إعلان وقف عمل المحكمة نهاية الشهر المقبل إذا لم يصل التمويل الكافي.
وفي حين لم تستطع «الشرق الأوسط» الحصول على رد من السفارة البريطانية في بيروت التي ترأس بلادها لجنة المانحين، نقلت محطة «إل بي سي» اللبنانية عن مصادر قولها، إن بريطانيا أبلغت المحكمة منذ سنة ونصف السنة أنها «غير مهتمة بتمويل المحكمة هذا العام».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.