مشروع قانون فرنسي للتشدد في مكافحة الإرهاب ومتابعة الخارجين من السجون

الشرطة الفرنسية تطوق المنطقة القريبة من مستشفى هنري دونان حيث قتل شخص بالرصاص وأصيب آخر في إطلاق نار خارج المعهد الذي يملكه الصليب الأحمر في  العاصمة باريس منتصف أبريل الماضي (أ.ف.ب)
الشرطة الفرنسية تطوق المنطقة القريبة من مستشفى هنري دونان حيث قتل شخص بالرصاص وأصيب آخر في إطلاق نار خارج المعهد الذي يملكه الصليب الأحمر في العاصمة باريس منتصف أبريل الماضي (أ.ف.ب)
TT

مشروع قانون فرنسي للتشدد في مكافحة الإرهاب ومتابعة الخارجين من السجون

الشرطة الفرنسية تطوق المنطقة القريبة من مستشفى هنري دونان حيث قتل شخص بالرصاص وأصيب آخر في إطلاق نار خارج المعهد الذي يملكه الصليب الأحمر في  العاصمة باريس منتصف أبريل الماضي (أ.ف.ب)
الشرطة الفرنسية تطوق المنطقة القريبة من مستشفى هنري دونان حيث قتل شخص بالرصاص وأصيب آخر في إطلاق نار خارج المعهد الذي يملكه الصليب الأحمر في العاصمة باريس منتصف أبريل الماضي (أ.ف.ب)

«تعاني فرنسا من تخمة القوانين التي تتراكم بعضها فوق بعض». ويصح هذا الحكم بشكل خاص على القوانين المتعلقة بالإرهاب والعنف والإسلاموية والراديكالية التي تكاثرت منذ عام 2015.
ويُعدّ العام المذكور الأكثر دموية؛ إذ شهد المقتلة الجماعية لصحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة، والهجوم على المخزن اليهودي، خصوصاً عمليات نوفمبر (تشرين الثاني)، في قلب باريس ضد ملهى الباتكلان ومقاهٍ ومطاعم في الدائرة الحادية عشرة والمحاولة الإرهابية ضد ملعب «ستاد دو فرانس» الكبير الواقع على مدخل باريس الشمالي.
ودأبت الحكومات، مهما كان لونها السياسي، على الرد على كل محاولة إرهابية تثير الرأي العام، باقتراح مشروع قانون جديد، إلى درجة أن قواني جددية أقرت قبل أن يبدأ تنفيذ بنود القانون السابق. يوم 23 أبريل (نيسان) الماضي، طعن مواطن تونسي وصل إلى فرنسا، في عام 2009، موظفة إدارية على مدخل مركز الشرطة في مدينة رامبوييه البورجوازية الشهيرة بقصرها التاريخي، فقتلها.
وفي اليوم نفسه، أعلن وزير الداخلية جيرالد درامانان أن الحكومة ستقدم إلى البرلمان بمجلسيه مشروع قانون يشدد الإجراءات، ويوفر الأرضية القانونية لتدابير أكثر صرامة للتعامل مع الراديكاليين الإسلامويين، الذين أمضوا فترات عقوبتهم في السجون لأسباب لها علاقة بالإرهاب. وهذا المشروع نقل إلى مجلس النواب الذي بدأ بمناقشته، الثلاثاء الماضي، وسط أجواء متوترة واتهامات للحكومة بالميوعة في مواجهة الإرهاب. وبحسب دارمانان، فإن الحكومة كانت تحضر للمشروع المذكور قبل اعتداء رامبوييه، وهدفها تحديث قانون الاستخبارات الذي أقر في عام 2015، وقانون «سيلت» أي «قانون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب»، الذي أقر في عام 2017، ودمجهما في قانون واحد مع إضافات لمواجهة التهديد الذي يشكله الخارجون من السجون المحكومون بتهم إرهاب أو الذين سلكوا طريق التشدد والراديكالية.
وتحل مناقشة مشروع القانون الحكومي فيما تقبل فرنسا على استحقاقين انتخابيين، الأول أواخر الشهر الحالي، ويتناول الانتخابات الإقليمية والمحلية، والثاني وهو الأهم انتخابات رئاسة الجمهورية ربيع العام المقبل، وبعد أقل من عام. لذا، فإن النقاش حول مسائل الأمن والعنف الذي يتغذى من العمليات الإرهابية ذات الطابع الإسلاموي أخذ يتصدر المشهد السياسي».
وهذا ما حصل عقب الاعتداء على شرطية بلدية قريبا من مدينة نانت (غرب فرنسا)، حيث هاجمها بسكين معتقل سابق متطرف يعاني من اضطراب نفسي. وجاءت هذه الحادثة في سياق سلسلة اعتداءات تستهدف رجال الشرطة والأمن بشكل عام وأفضت إلى حركة احتجاجية داخل الأوساط الأمنية وإلى مظاهرة كبيرة أمام مبنى البرلمان، احتجاجاً على «ليونة» القضاء في التعامل مع الإرهابيين. وثمة قناعة أنه كلما اقتربت فرنسا من الاستحقاقين الانتخابيين، زادت حدة الجدل ومعه الاتهامات المتبادلة، فاليمين المتطرف جعل من الإرهاب والإسلاموية حصانه الدعائي المفضل، ويلحقه في ذلك اليمين الكلاسيكي ممثلاً بحزب «الجمهوريون» الذي اقترح مؤخراً العمل بقانون استثنائي.
ولذا، تريد الحكومة إبراز التشدد لقطع الطريق على مزايدات اليمين، فيما اليسار والجمعيات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات العامة تندد بالانتهاكات «القانونية» لهذه الحقوق. وسبق للمجلس الدستوري أن عارض اقتراح قانون قدمه الحزب الرئاسي «الجمهورية إلى الأمام».
ثمة تخوف واسع النطاق في فرنسا من خروج الأشخاص الذين أدينوا بارتكاب جرائم إرهابية من السجون بعد انقضاء مدة عقوباتهم. وأفاد وزير العدل أريك دوبون - موريتي أمام الجمعية الوطنية أن هناك ما لا يقل عن 163 شخصاً من هذه الفئة سيخرجون من السجون، بحلول عام 2024، وأنه «لا تزال تظهر عليهم بلا شك علامات التشدد». ولذا، فإن مشروع القانون يُراد منه أن يسد الفراغ في استمرار فرض رقابة مشددة على هؤلاء حتى لا يرتكبوا مجدداً جرائم ذات علاقة بالإرهاب.
وفي هذا السياق، يقترح المشروع الحكومي إجراءين لمنع «خروجهم من غير إمكانية لتتبعهم» قانونياً. فمن جهة، وفي حال إقرار مشروع القانون، فسيكون بالإمكان تمديد تدابير المراقبة الفردية (الإقامة الجبرية سابقاً) «إلى حد سنتين»، بعد الخروج من السجن بالمقارنة مع سنة واحدة حالياً التي أرساها قانون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب (سيلت) عام 2017.
ينص الاقتراح كذلك على استحداث «إجراء قضائي لإعادة الإدماج الاجتماعي لمكافحة الإرهاب». بيد أن هامش المناورة يبدو مجدداً ضيقاً أمام الحكومة والغالبية، باعتبار أن مجلس الدولة، وهو أعلى محكمة إدارية، أبدى تحفظه على مضمون المشروع، ما يفتح الباب لنقضه مجدداً أمام المجلس الدستوري.
وأقر وزير الداخلية بأن الحكومة ستكون أمام «مجازفة على الصعيد الدستوري». لكن ذلك لم يمنع النواب من تقديم 443 تعديلاً على المشروع المقدّم لهم. ولذا، فإن الصيغة الأخيرة للمشروع لن تكون بالضرورة مطابقة للصيغة الحكومية. كذلك، فإن المشروع يهدف إلى إضفاء طابع دائم على أربعة إجراءات إدارية موجودة في قانون مكافحة الإرهاب لعام 2017 «سيلت»، وكانت مقصورة على حالة الطوارئ وحدها، وهي: فرض طوق أمني حول أماكن محددة وفي ظروف معينة، والإغلاق الإداري لأماكن العبادة، وفرض الرقابة الفردية، وأخيراً تمكين الأمن من زيارات أماكن السكن لمشتبه بهم.
وأخيراً، يتضمن «المشروع» شقّاً آخر يتعلق بالاستخبارات، تستخلص فيه الحكومة النتائج من التطورات التكنولوجية والقضائية المسجلة في السنوات الخمس الماضية، بحيث يوفر «المشروع» للأجهزة الأمنية المعنية نظاماً خاصاً للاحتفاظ بالمعلومات الاستخباراتية، لتحسين أدوات الذكاء الاصطناعي، وستكون قادرة على اعتراض اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.
وفي سياق آخر ذي صلة، أعلن، أول من أمس، أن المحاكمة الخاصة باعتداء مدينة نيس الساحلية المتوسطية يوم 14 يوليو (تموز) عام 2016، الذي خلّف 86 قتيلاً وأكثر من 400 جريح عند جادة الإنجليز، ستجري في الفترة الممتدة بين 5 أيلول سبتمبر (أيلول)، و15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وفق مصدر قضائي. وشهدت نيس في 14 يوليو 2016 اعتداء خلال الاحتفالات بالعيد الوطني، حيث صدم المهاجم محمد لحويج بوهلال، وهو فرنسي تونسي يبلغ 31 عاماً، بشاحنة أطفالاً وعائلات كثيرة وسياحاً أجانب في أربع دقائق، قبل أن ترديه قوات الأمن.
وستنظر محكمة الجنايات الخاصة في مسؤولية ثمانية آخرين، منهم أفراد من محيطه، ومنهم وسطاء متورطون في تهريب أسلحة له. وسيحاكم المتهمون الرئيسيون الثلاثة، وهم شكري شفرود ورمزي عرفة ومحمد غريب، بتهمة «الانتماء إلى عصابة إرهابية إجرامية».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».