اليمنيون يقاومون مراكز «التطييف» الحوثية رغم التهديدات

الجماعة تخطط لتجنيد 50 ألف طفل بنهاية العطلة الصيفية

TT

اليمنيون يقاومون مراكز «التطييف» الحوثية رغم التهديدات

بعد مرور أكثر من أسبوع على إطلاق الميليشيات الحوثية نحو ستة آلاف مركز صيفي في مناطق سيطرتها بهدف استقطاب الناشئة وغسل عقولهم بالأفكار الخمينية والطائفية وصولاً إلى تجنديهم للقتال، أفادت مصادر تربوية لـ«الشرق الأوسط» بأن الجماعة مُنيت بخيبة أمل كبيرة بسبب مقاومة السكان لمساعي الجماعة وإحجامهم عن إلحاق أطفالهم بهذه المراكز.
جاء ذلك في وقت تواصل فيه الحكومة الشرعية نداءاتها للمجتمع الدولي ولأولياء الأمور في سياق التحذير من «إرهاب» هذه المراكز التي تستهدف نحو 500 ألف طالب وطالبة في مناطق سيطرة الجماعة بغرض تحويلهم إلى جنود لخدمة مشروع إيران في المنطقة.
أحدث هذه التحذيرات جاءت على لسان وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني، حيث قال إن الميليشيات تواصل الإعلان بشكل يومي عن عشرات القتلى الأطفال من مخرجات ما تسميها «المراكز الصيفية» بعد أن استدرجتهم وجندتهم وعبأتهم بثقافة الموت والكراهية والأفكار الطائفية المستوردة من إيران، وزجت بهم في محارق موت مفتوحة بمختلف جبهات القتال بمحافظة مأرب.
وجدد الإرياني التحذير من مصير مشابه لهؤلاء القتلى الأطفال يتهدد 400 ألف طفل أعلن قادة الميليشيات تجنيدهم ضمن معسكرات تدريب في مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم تحت غطاء «المراكز الصيفية».
وطالب الوزير اليمني المجتمع الدولي «بمغادرة مربع الصمت واستشعار حجم الكارثة التي تتهدد مصير وحاضر ومستقبل عشرات الآلاف من الأطفال القاطنين في مناطق سيطرة الجماعة والتحرك العاجل لوضع حد لعمليات تجنيدهم واستخدامهم بأعمال قتالية في انتهاك صارخ وغير مسبوق للقوانين والمواثيق الدولية».
في غضون ذلك، قالت المصادر التربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الإقبال على مراكز الميليشيات هذا العام لم يتجاوز ربع تلك الأرقام التي توقعتها الجماعة ونشرتها عبر وسائل إعلامها.
وتحدثت المصادر عن عزوف كبير من قِبل الأسر وأولياء الأمور في صنعاء وريفها ومدن أخرى عن المشاركة بتلك المخيمات خوفاً منهم على أطفالهم من برامج التلقين الطائفي المكثف والمشبع بثقافة الموت والحقد والكراهية.
هذه الإحجام من قبل الأهالي دفع الجماعة الموالية لإيران إلى إصدار تعميم جديد يلزم مشرفيها في المحافظات والمديريات والعزل والقرى بأهمية الخروج بنهاية الموسم الصيفي الحالي بحصيلة كبيرة من المقاتلين الجدد، وفق ما ذكره مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط».
ووفق المصدر، فإن التعميم الذي أصدره شقيق زعيم الجماعة المدعو يحيي بدر الدين الحوثي، شدد على ضرورة تجنيد ما لا يقل عن 50 ألف طفل خلال الدورات الصيفية الحالية، كأقل تقدير.
ونتيجة لعملية الإقبال المحدودة، تحدث المصدر عن أن التعميم تضمن أيضاً توبيخاً شديداً لعدد من المشرفين والقائمين على إدارة المراكز، إلى جانب التهديد بتنفيذ نزول ميداني مرتقب لتقييم مستوى أداء هذه المعسكرات الصيفية في العاصمة صنعاء وريفها ومحافظات إب وريمة والحديدة وحجة والمحويت وذمار.
ولفت المصدر إلى محاولة بعض المشرفين الحوثيين في العاصمة ومحافظة إب وغيرها بتبرير ذلك الفشل لقياداتهم بوجود رفض مجتمعي واسع وعدم وجود قناعة لدى أغلبية الأسر بإلحاق أبنائهم بتلك التجمعات.
إلى ذلك، شكا أولياء أمور في مناطق عدة تحت السيطرة الحوثية من استمرار تعرضهم لضغوط شديدة من قبل أتباع الجماعة لإجبارهم على إلحاق أبنائهم بالقوة في هذه المراكز الصيفية.
وعبّر عدد من الآباء لـ«الشرق الأوسط» عن قلقهم حيال تلك المساعي الحوثية الحثيثة لاستدراج أطفالهم إلى تلك المخيمات الطائفية، كما أبدوا تخوفهم من تلك المراكز، خصوصاً في ظل أنباء عن وجود خبراء من إيران يشرفون على إقامتها بهدف استهداف الأطفال بالتعبئة الفكرية.
ويقول (أحمد ناجي) وهو اسم مستعار لولي أمر في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إنه رفض قبل أيام طلب مشرفين حوثيين في الحي الذي يقطنه (وسط العاصمة) لإحضار ولديه إلى المخيمات، وأنه أخبرهم أن أبناءه يدرسون بالوقت الحالي في أحد المعاهد الخاصة بتعليم اللغة الإنجليزية والحاسوب.
وكشف ولي الأمر، عن تلقيه فيما بعد تهديدات من مشرف حوثي بالحي نفسه بحرمانه من مادة الغاز المنزلي، إلى جانب توعده بإغلاق ذلك المعهد.
كما أكد أن القليل جداً من أهالي الحي، ممن لهم ارتباط سلالي بالميليشيات، هم الذين ألحقوا أبناءهم بمخيمات الجماعة، وأن الغالبية من اليمنيين يرفضون ترك صغارهم فريسة لبرامج الاستقطاب الحوثي وعمليات التجنيد القسرية.
من جهتها، انتقدت أم أحد الطلبة من محافظة إب ما وصفته بـ«عبث الانقلابيين الحوثيين بالعملية التعليمية عموماً، وبالمراكز الصيفية على وجه التحديد».
وذكرت لـ«الشرق الأوسط»، أنها فضّلت ألا ترسل طفلها الوحيد إلى المخيمات الحوثية؛ خوفاً من تلقينه دروساً طائفية وحفاظاً عليه من الزج به فيما بعد في الجبهات القتالية.
وعلى صعيد متصل، أفاد مصدر مقرب من أروقة حكم الجماعة بصنعاء بأن الميليشيات لجأت قبل نحو يومين بعد فشل مراكزها باستدراج طلبة المدارس لتلقينهم فكرياً وطائفياً، إلى عقد اجتماع برعاية المؤسسة المعنية بقتلى الجماعة في العاصمة؛ لمناقشة سبل وكيفية إلحاق أبناء القتلى بالمدارس الصيفية.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.