خطى الكاظمي لتثبيت أركان الدولة تحرج خصومه

وسّعت دائرة مؤيديه حتى بين أوساط كانت ترى فيه خطراً عليها

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
TT
20

خطى الكاظمي لتثبيت أركان الدولة تحرج خصومه

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)

في أول تعليق له بشأن تداعيات ما حصل يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، وفي جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، حسم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الجدل حول أزمة المواجهة مع فصائل مسلحة ترتبط بـ«الحشد الشعبي». ففي كلمته أمام كابينته الوزارية التي مضى عليها سنة واحدة، قال إن «هناك من حاول جرّ العراق إلى المجهول» نتيجة اعتقال قيادي بارز بـ«الحشد الشعبي»، هو قاسم مصلح قائد عمليات الأنبار.
الكاظمي وصف السنة التي مضت بأنها «سنة صعبة على عمر الحكومة، تخللها كثير من التحديات استطعنا عبور بعضها ونعمل جاهدين على تجاوز التحديات الأخرى». وحول ما جرى الأسبوع الماضي، قال الكاظمي: «شهد الأسبوع الماضي أحداثاً تم التعامل معها بحكمة». وفي تفسيره للحكمة، قال: «انطلقنا من مبدأ الحفاظ على المصلحة العليا للبلاد، والحرص على جميع أبناء شعبنا». وبثقة بدت مطلقة بالنفس، قال الكاظمي: «ثبتنا منطق الدولة وآليات إنفاذ القانون».
ومع أن رئيس الوزراء العراقي اشتكى من أن حكومته لا تعتمد إلا على «القليل من الدعم السياسي، وكذلك قلة الأدوات الفاعلة في الوزارات»، فإنه ذهب إلى القول إن حكومته «امتلكت الجرأة والإرادة في الإصلاح ومكافحة الفساد».
الكاظمي، في سياق رؤيته لما حصل الأسبوع الماضي، لم يستند إلى مجرد الثقة بالنفس، وإنما استند بالدرجة الأساس، مثلما يرى مراقبون ومتابعون، إلى رأي عام بات يميل إلى التهدئة، وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة، بالإضافة إلى رغبة في المضي في مجال مكافحة الفساد، عبر اللجنة التي شكّلها وأسند رئاستها إلى ضابط بارز في وزارة الداخلية هو الفريق أحمد أبو رغيف، والتي بدأت «تتحرش» لأول مرة منذ 17 عاماً بمسؤولين كبار من الطيف السياسي. ومما عزّز إمكانية تحقيق تقدم في مجال محاربة الفساد هو مشروع القانون الذي قدّمه رئيس الجمهورية برهم صالح إلى البرلمان، وهو مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة، التي قدرتها رئاسة الجمهورية بنحو 150 مليار دولار.
وبالتزامن مع هذه الإجراءات التي يكاد يتفق الجميع إنها تحصل للمرة الأولى منذ 18 عاماً، و4 دورات انتخابية، و6 حكومات، فإن إيفاء الكاظمي بوعده على صعيد إجراء انتخابات مبكرة، حددها في 6 يونيو (حزيران) الحالي، بينما عملت الكتل السياسية على تأجيلها إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يعد بحد ذاته تطوراً مهماً لجهة الإيفاء بالالتزامات التي قطعها على نفسه.
رغم المواقف المتناقضة لناشطي المظاهرات ممن بات يطلق عليهم «التشرينيون»، من الكاظمي وحكومته، بين متفهم لإجراءاتها، ومعارض لها بسبب قضية الكشف عن قتلة المتظاهرين، فإن الرأي العام العراقي أخذ يفهم أن هذا الملف مرتبط في جانب كبير منه بصراع الكاظمي مع ما بات يعرف بقوى اللادولة. بالتالي، فحين أعلن الكاظمي في جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، أنه بدأ بتثبيت أركان الدولة، فإنه أراد إيصال رسالة مفادها أن المعركة التي يخوضها في هذا المجال شرسة وطويلة، لكنه وضع الأسس الكفيلة للمضي بها. فقبل أسابيع، أعلن عن إلقاء القبض على عصابة، أطلق عليها «فرقة الموت»، تضم مجموعة من عتاة المجرمين، ولا يزال أفرادها قيد الاعتقال. كما تمكنت الحكومة من إلقاء القبض على عناصر كثيرة لم يتم الإفصاح عنها، والأهم أنها رفضت كل الضغوط الخاصة المطالبة بإطلاق سراح بعضهم.
وعلى صعيد المواجهة الأخيرة التي نتجت عن اعتقال القيادي في «الحشد الشعبي» قاسم مصلح، والتداعيات التي ارتبطت بها، وصولاً إلى تصريحات وزير الدفاع جمعة عناد، فإن هناك تحولاً في كيفية تعامل الدولة مع من تراه خارجاً عن القانون. الكاظمي عبّر عن هذا التحول بتأكيده على حقن الدماء وعدم الانجرار إلى ما أسماه المجهول، فضلاً عن العمل على تثبيت أركان الدولة، في إشارة إلى رفضه كل الوساطات والضغوط الرامية إلى الإفراج عن مصلح أو تسليمه إلى قيادة «الحشد». وفي المحصلة، فإن كل ذلك ترتب عليه إحراج الخصوم السياسيين والعقائديين معاً، طالما أن الأمر في النهاية بات بيد القضاء، كما أدى موقف الكاظمي هذا إلى توسيع دائرة المؤيدين له، حتى بين أطراف كانت لا تؤيده، ربما لأنها رأت فيه خطراً محتملاً عليها في المستقبل.
ولعل من بين ما بات يتمتع به الكاظمي من نقاط قوة هو إعلانه عدم خوض الانتخابات وعدم رعايته لأي تشكيل حزبي. ففي هذا الجانب بالذات، سحب الكاظمي البساط من تحت أقدام من كان يرى فيه خصماً حزبياً على صعيد الانتخابات. ورغم أن هذا الموقف جعل الكاظمي يمتلك نقاطاً إضافية في التعامل مع مختلف الملفات، وليس من باب الدعاية الانتخابية، فإن هذا لا يعدم فرصه في الحصول على ولاية ثانية، سواء عبر تحالف سياسي يرى فيه من الآن هو الشخص الأكثر تأهيلاً، فضلاً عن إكماله مهمات تثبيت أركان الدولة، أو ربما تفشل القوى السياسية مرة أخرى في الاتفاق على شخصية تابعة لها، فتلجأ ثانية إلى الكاظمي الذي أثبتت السنة الماضية من حكمه أن كل ما يسعى إليه هو وضع البلاد على السكة الصحيحة دون الدخول في صراعات جانبية مع أحد.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.