خطى الكاظمي لتثبيت أركان الدولة تحرج خصومه

وسّعت دائرة مؤيديه حتى بين أوساط كانت ترى فيه خطراً عليها

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
TT

خطى الكاظمي لتثبيت أركان الدولة تحرج خصومه

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)

في أول تعليق له بشأن تداعيات ما حصل يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، وفي جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، حسم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الجدل حول أزمة المواجهة مع فصائل مسلحة ترتبط بـ«الحشد الشعبي». ففي كلمته أمام كابينته الوزارية التي مضى عليها سنة واحدة، قال إن «هناك من حاول جرّ العراق إلى المجهول» نتيجة اعتقال قيادي بارز بـ«الحشد الشعبي»، هو قاسم مصلح قائد عمليات الأنبار.
الكاظمي وصف السنة التي مضت بأنها «سنة صعبة على عمر الحكومة، تخللها كثير من التحديات استطعنا عبور بعضها ونعمل جاهدين على تجاوز التحديات الأخرى». وحول ما جرى الأسبوع الماضي، قال الكاظمي: «شهد الأسبوع الماضي أحداثاً تم التعامل معها بحكمة». وفي تفسيره للحكمة، قال: «انطلقنا من مبدأ الحفاظ على المصلحة العليا للبلاد، والحرص على جميع أبناء شعبنا». وبثقة بدت مطلقة بالنفس، قال الكاظمي: «ثبتنا منطق الدولة وآليات إنفاذ القانون».
ومع أن رئيس الوزراء العراقي اشتكى من أن حكومته لا تعتمد إلا على «القليل من الدعم السياسي، وكذلك قلة الأدوات الفاعلة في الوزارات»، فإنه ذهب إلى القول إن حكومته «امتلكت الجرأة والإرادة في الإصلاح ومكافحة الفساد».
الكاظمي، في سياق رؤيته لما حصل الأسبوع الماضي، لم يستند إلى مجرد الثقة بالنفس، وإنما استند بالدرجة الأساس، مثلما يرى مراقبون ومتابعون، إلى رأي عام بات يميل إلى التهدئة، وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة، بالإضافة إلى رغبة في المضي في مجال مكافحة الفساد، عبر اللجنة التي شكّلها وأسند رئاستها إلى ضابط بارز في وزارة الداخلية هو الفريق أحمد أبو رغيف، والتي بدأت «تتحرش» لأول مرة منذ 17 عاماً بمسؤولين كبار من الطيف السياسي. ومما عزّز إمكانية تحقيق تقدم في مجال محاربة الفساد هو مشروع القانون الذي قدّمه رئيس الجمهورية برهم صالح إلى البرلمان، وهو مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة، التي قدرتها رئاسة الجمهورية بنحو 150 مليار دولار.
وبالتزامن مع هذه الإجراءات التي يكاد يتفق الجميع إنها تحصل للمرة الأولى منذ 18 عاماً، و4 دورات انتخابية، و6 حكومات، فإن إيفاء الكاظمي بوعده على صعيد إجراء انتخابات مبكرة، حددها في 6 يونيو (حزيران) الحالي، بينما عملت الكتل السياسية على تأجيلها إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يعد بحد ذاته تطوراً مهماً لجهة الإيفاء بالالتزامات التي قطعها على نفسه.
رغم المواقف المتناقضة لناشطي المظاهرات ممن بات يطلق عليهم «التشرينيون»، من الكاظمي وحكومته، بين متفهم لإجراءاتها، ومعارض لها بسبب قضية الكشف عن قتلة المتظاهرين، فإن الرأي العام العراقي أخذ يفهم أن هذا الملف مرتبط في جانب كبير منه بصراع الكاظمي مع ما بات يعرف بقوى اللادولة. بالتالي، فحين أعلن الكاظمي في جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، أنه بدأ بتثبيت أركان الدولة، فإنه أراد إيصال رسالة مفادها أن المعركة التي يخوضها في هذا المجال شرسة وطويلة، لكنه وضع الأسس الكفيلة للمضي بها. فقبل أسابيع، أعلن عن إلقاء القبض على عصابة، أطلق عليها «فرقة الموت»، تضم مجموعة من عتاة المجرمين، ولا يزال أفرادها قيد الاعتقال. كما تمكنت الحكومة من إلقاء القبض على عناصر كثيرة لم يتم الإفصاح عنها، والأهم أنها رفضت كل الضغوط الخاصة المطالبة بإطلاق سراح بعضهم.
وعلى صعيد المواجهة الأخيرة التي نتجت عن اعتقال القيادي في «الحشد الشعبي» قاسم مصلح، والتداعيات التي ارتبطت بها، وصولاً إلى تصريحات وزير الدفاع جمعة عناد، فإن هناك تحولاً في كيفية تعامل الدولة مع من تراه خارجاً عن القانون. الكاظمي عبّر عن هذا التحول بتأكيده على حقن الدماء وعدم الانجرار إلى ما أسماه المجهول، فضلاً عن العمل على تثبيت أركان الدولة، في إشارة إلى رفضه كل الوساطات والضغوط الرامية إلى الإفراج عن مصلح أو تسليمه إلى قيادة «الحشد». وفي المحصلة، فإن كل ذلك ترتب عليه إحراج الخصوم السياسيين والعقائديين معاً، طالما أن الأمر في النهاية بات بيد القضاء، كما أدى موقف الكاظمي هذا إلى توسيع دائرة المؤيدين له، حتى بين أطراف كانت لا تؤيده، ربما لأنها رأت فيه خطراً محتملاً عليها في المستقبل.
ولعل من بين ما بات يتمتع به الكاظمي من نقاط قوة هو إعلانه عدم خوض الانتخابات وعدم رعايته لأي تشكيل حزبي. ففي هذا الجانب بالذات، سحب الكاظمي البساط من تحت أقدام من كان يرى فيه خصماً حزبياً على صعيد الانتخابات. ورغم أن هذا الموقف جعل الكاظمي يمتلك نقاطاً إضافية في التعامل مع مختلف الملفات، وليس من باب الدعاية الانتخابية، فإن هذا لا يعدم فرصه في الحصول على ولاية ثانية، سواء عبر تحالف سياسي يرى فيه من الآن هو الشخص الأكثر تأهيلاً، فضلاً عن إكماله مهمات تثبيت أركان الدولة، أو ربما تفشل القوى السياسية مرة أخرى في الاتفاق على شخصية تابعة لها، فتلجأ ثانية إلى الكاظمي الذي أثبتت السنة الماضية من حكمه أن كل ما يسعى إليه هو وضع البلاد على السكة الصحيحة دون الدخول في صراعات جانبية مع أحد.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.