«طريق الفينيقيين» .. مشروع سياحي يشمل 18 بلدًا ويعود إلى أكثر من ألف عام

«طريق الفينيقيين» عنوان المشروع السياحي الذي أطلقته وزارة السياحة في لبنان أخيرا، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للسياحة العالمية.
ويهدف هذا المشروع الذي سيشمل 18 بلدا ومن بينها لبنان، إلى جذب السياح المهتمين باكتشاف حضارة أحد أقدم الشعوب في العالم، التي يعود تاريخها إلى ما قبل عام 1000 ق.م.
وتعد الشهرة الواسعة التي حققها هذا الشعب انطلاقا من مدن صور وصيدا وجبيل في لبنان، مرورا بساحل عكا في فلسطين ومدن نينوى وبلاد الرافدين وشواطئ حماه وحلب في سوريا، وصولا إلى قرطاج في تونس وبلاد الإغريق (اليونان) وإسبانيا، قد شكّلت الحافز الأكبر لمنظمة الأمم المتحدة، لوضعها على الخريطة العالمية للسياحة. وبذلك سيكون هناك طريق طويل يمتدّ على ألوف الكيلومترات، يشمل السياحتين البرية والبحرية، فتتفرع منه دروب عدة تتضمن تفاصيل وآثارا ومعالم تاريخية ستشغل السياح وطلاب الجامعات وعلماء التاريخ.
وكان قد انعقد في المناسبة مؤتمر صحافي نظمته وزارة السياحة في لبنان، وحضره عدد من الشخصيات والفعاليات الاقتصادية والسياحية فيه، وفي مقدمتهم وزير السياحة ميشال فرعون، وأمين عام منظمة الأمم المتحدة للسياحة العالمية طالب الرفاعي، وذلك في مجمّع الـ«بيال» وسط بيروت.
وأشار طالب الرفاعي إلى أن إطلاق هذا المشروع من لبنان بالتحديد أمر مهم جدا وسينعكس إيجابا على وضعه السياحي. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا المشروع يشبه إلى حدّ كبير مشاريع سياحية أخرى تدور في الإطار نفسيه، كـ(طريق النحل) في الصين، وطريق (سان دياغو) في أميركا، وقد أثمرت النتائج المرجوة منها في المجال السياحي». وعما إذا كان هذا المشروع مناسبا في ظلّ الأحداث السياسية والميدانية التي تدور في منطقة الشرق الأوسط، أجاب: «لقد أصررنا أن نقيمه في هذا الوقت بالذات، لأنه سيزوّد لبنان ببعد إقليمي دولي ترويجي لسياحته، وسيكون بمثابة رسالة سلام من لبنان إلى العالم. كما أنه له منافع كثيرة كونه مسارا ماديا حقيقيا ويتضمن 80 موقعا أثريا تنتشر على طول 18 بلدا تقع في منطقة الحوض المتوسط».
ولفت إلى أنه سيكون هناك منشورات ومطبوعات تزوّد السائح بالمعلومات التي يرغب فيها قبيل قيامه بسلك أي درب من هذا الطريق، وأن وكالات السياحة والسفر إضافة إلى وزارتي السياحة والثقافة في لبنان ستدعم هذا المشروع بأقصى ما لديها من طاقات مادية وبشرية لإنجاحه.
من ناحيتها، أكدت مديرة العلاقات العامة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة العالمية ساندرا كارفاو لـ«الشرق الأوسط» أن لبنان يلعب الدور الأكبر في إنشاء هذا المشروع، فكان المبادر الأول لتبنيه، وأن مشاركته في طريق سياحي عالمي كهذا سيزيد من تمتين علاقاته التجارية والثقافية مع البلدان الأخرى المشاركة فيه أيضا. أما الخطوط التفصيلية الملموسة على الأرض فسيبدأ العمل بها في شهر أبريل (نيسان) المقبل، لتصبح الأمور أكثر وضوحا.
أما الوزير ميشال فرعون، فقد اعتبر أن التاريخ الغني للشعب الفينيقي يعود إلى ما قبل 1500 عام، وأن علينا أن نسلّط الضوء بشكل أكبر عليه، ونسوق له سياحيا. ورأى أن تبنيه من قبل منظمة الأمم المتحدة، وإبداء منظمة اليونيسكو استعدادها لدعم هذا المشروع لهو دليل قاطع على مدى أهميته.
ورأى أن مساهمة غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان برئاسة محمد شقير أبدت حماسها في المشاركة في هذا المشروع، وستنعكس دون شك إيجابا عليه. وختم بالقول: «يستأهل هذا التاريخ أن يصبح بمتناول كل من يرغب في التعرف إليه، فلا يكون منوطا فقط في التعريف عنه بالكتب وفي المدارس والجامعات».
والمعروف أن الفينيقيين كانوا يسلكون طرقات بحرية وبرية للترويج لتجارتهم، فكانوا يتوزعون كقوافل في كل الاتجاهات. ومن بين الطرقات تلك التي تمرّ على ساحل فلسطين حتى سيناء، وأخرى تسير نحو شبه الجزيرة العربية ومصر والسودان وصولا إلى غرب آسيا الصغرى، وبين الطريق الشمالي نحو أرمينيا والبحر الأسود. وفي دراسة للباحثة الألمانية هاينكة زودهوف ترجمت تحت عنوان «معذرة كولومبوس لست أول من اكتشف أميركا»، ذكرت من ضمن الحجج التي تقدمها أن عبور الأطلسي قد سبق كولومبوس بقرون، وأن الشواهد والآثار تدل على أن الفينيقيين وصلوا إلى أميركا في العصور القديمة.
ولفت الوزير ميشال فرعون إلى أن «طريق الفينيقيين» يعتبر واحدا من 3 مشاريع سياحية رائدة، وهي «طريق الفينيقيين»: «درب العائلة المقدسة» و«طريق اللؤلؤ»، كما ذكر أن هذه المشاريع تم اختيارها من قبل لجنة الشرق الأوسط في منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، لتعزيز التنمية والتكامل الإقليمي على المستويين الوطني والدولي، التي ستطبق خلال سنتي 2015 و2016.
وتخلل المؤتمر توقيع مدونة أخلاقيات السياحة العالمية ومبادرة «أنا» الموجهة للمغتربين اللبنانيين لحثهم على زيارة بلدهم الأم ولو لمرة واحدة.
ومع هذه المبادرة سيكون للراغبين في خوض غمارها، فرصة التعرف إلى آثار ومواقع شعب اخترع الأحرف الأبجدية فولدت منها اليونانية والعربية واللاتينية والعبرية. وسيعودون بالذاكرة إلى أسطورة طائر الفينيق، الذي انبعث من الرماد طائر عنقاء من جديد فشكّل مثالا يحتذى به لتجاوز حالات الاستسلام واليأس. كما سيلمسون عن قرب أدوات ومجوهرات وأقمشة تلوّنت بالأحمر الأرجواني الذي استخرجه الفينيقيون وصنعوه من على شاطئ صور، وعرّفوا البلدان المجاورة عليها في مجال التجارة الذي اشتهروا به.
علامات فارقة اشتهر بها الفينيقيون الذين ارتبط اسمهم ارتباطا مباشرا بلبنان، تدعو كلّ من يهمّه الأمر إلى الاطلاع عليها من خلال «طريق الفينيقيين»، ليغبّ منها جرعات كبيرة من المعرفة. وهي تشمل إضافة إلى كتاباتهم والمنقوش أقدمها على قبر «احيرام» ملك جبيل، آلهتهم المؤلفة من «ايل» و«عشتروت» و«أدونيس» المعروفة بـ«ثلاثي جبيل»، وكذلك ما يتعلّق برحلاتهم حول العالم، التي كان بينها ما يبدأ من البحر الأحمر ليصل إلى رأس الرجاء الصالح، وغيرها من المعالم والدروب التي في استطاعتنا أن نسير عليها بدورنا، ونحن نتلمس حقبة تاريخية من العصور القديمة عن قرب.