الطبيعة... من طفولة العقل البشري إلى «صدمة» العلم

عالم بريطاني يبحث في تطور فكرة الإنسان عنها عبر العصور

الطبيعة... من طفولة العقل البشري إلى «صدمة» العلم
TT

الطبيعة... من طفولة العقل البشري إلى «صدمة» العلم

الطبيعة... من طفولة العقل البشري إلى «صدمة» العلم

يتناول هذا الكتاب واحدة من أهم القضايا التي تشغل العلماء والباحثين في فلسفة العلم اليوم، ويرصد محاولتهم الوصول إلى صياغة منطقية لقانون علمي يحكم العلاقة بين الإنسان والعالم، من خلال كشف حقائق الطبيعة السائدة في عصر ما.
الكتاب صدرت طبعة جديدة منه حديثاً عن «المركز القومي للترجمة في القاهرة»، بعنوان «فكرة الطبيعة»، من تأليف العالم البريطاني روبين كولنغوود، وترجمة أحمد حمدي محمود، ومراجعة أستاذ الفلسفة د. توفيق الطويل، وتقديم الأكاديمي د. بدوي عبد الفتاح.
ويقع الكتاب في 210 صفحات من القطع الكبير، ويطوف بنا في رحلة بانورامية شيقة، متتبعاً تصورات القدماء في هذا السياق، بداية من اليونانيين مروراً بعصر النهضة والتنوير وصولاً إلى العصر الحديث، مقدماً صياغة منطقية للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، من خلال عقله وحواسه ومعتقداته، لافتاً إلى أن أهمية فكرة الإنسان عن الطبيعة تتغير من عصر لآخر، متأثرة بمنظومته المنطقية من المعتقدات والمفاهيم والمبادئ التي تشكل رؤيته الخاصة للطبيعة، وعلاقته بها، فالعالم بصفته إنساناً قبل كل شيء يتشرب روح عصره ويفكر بمنطقه. ويضرب المثال بـ«داروين»: «فلو تخيلنا أنه يعيش أيام اليونان، في القرن السادس قبل الميلاد، لما أمكنه أن يتوصل إلى نظريته عن التطور. والأمر نفسه بالنسبة لأينشتاين، فلو عاش في العصور الوسطى، لما سمع أحد عن نظرية النسبية».
عند اليونان
وفي محاولة لجذب القارئ لهذه السياحة العلمية، يقول المؤلف: «باختصار، قل لي ما فكرتك عن الطبيعة، أقل لك الشكل المنطقي للقانون العلمي الذي تؤمن به.
هل يتصور الناس الطبيعة بصفتها كياناً عضوياً حياً شأنها شأن الإنسان؟ هل يتصورونها عاقلة معقولة منظمة بذاتها لها غايتها التي تسعى إلى تحقيقها دون وصاية خارجية؟ حينئذ ستقتصر علاقة الإنسان بها على التأمل عله يكتشف شيئاً من قوانينها دون أن يشارك بشيء في بنائها». ويضيف: «كانت هذه هي فكرة البشر عن الطبيعة عند اليونان التي يمكن أن نسميها طفولة العقل البشري أو مفهوم الأحياء، فعندما رأى اليونانيون البذرة تسقط من فوق الشجرة على الأرض بفعل الرياح، ثم تُسقى بماء المطر فتنمو وتتجدد الحياة دون تدخل بشري، قالوا إذن هي حية مستقلة، وكيف لا تكون حية وهي التي أنتجت الحياة؟».
ويوضح الكتاب أن هذا التصور يقدم لنا الطبيعة بصفتها ذات حياة، وأن لها القدرة على الحركة وتجديد نفسها بنفسها دون عون خارجي بحسب مبادئ معقولة كامنة فيها، وبالتالي فالطبيعة شأن الإنسان لها غايات تسعى إلى تحقيقها، وهذا يعني أننا أمام طبيعة منظمة تنتفي فيها المصادفة والعشوائية. وهذا التصور للطبيعة يعرف بالنزعة الإحيائية، أي النزعة لإحياء الأشياء الجامدة، وهو التصور الذي سيطر على العقلية اليونانية منذ «طاليس» الذي عُرف عن قوله إن الأشياء مليئة بالنفوس، وإن المغناطيس له نفس لأن فيه قوة جذب الحديد.
والنفس عند اليونان مرادفة للحياة، وبناء على هذا التصور، وبمقتضى هذا المنهج الذي شاع استخدامه بين الفلاسفة اليونان، تعد الطبيعة صورة مكبرة عن الإنسان، حيث إن لها نفساً كما أن للإنسان نفساً. وكما أن الإنسان لا يحتاج إلى قوة خارجية من أجل ممارسة حياته، فكذلك الطبيعة تتصف بأنها ذاتية الحركة. يقول أرسطو إن الطبيعة تتضمن في ذاتها مبدأ سكونها وحركتها، والحركة عند اليونان تعني الحياة.
وعلى ذلك، يؤكد المؤلف أن هذا التصور العضوي للطبيعة يحمل معنيين: الأول أنه لا يفيد التطور لأن صور الأشياء (أي قوانينها) ثابتة، فسنن الطبيعة تجري على هيئة دوائر مغلقة؛ والثاني (وهو الأهم) أنه يختلف عن التصور الآلي الذي ساد منذ أواخر عصر النهضة وبداية العصر الحديث، بدءاً من دافنشي ثم جاليليو، وبلغ ذروته عند نيوتن، فقد أصبحت الطبيعة تتصف بالقصور الذاتي؛ أي أنها عاجزة عن الفعل بذاتها، فهي عمياء لا تعرف مقاصدها، طبيعة غير منتظمة ولا معقولة ولا غاية لها، وبالتالي فهي في حاجة لمن يوجهها؛ أي بحاجة إلى قوة خارجية لتغيير حالتها.
في عصر النهضة

يوضح الكتاب أنه في القرن السادس عشر، اختلف الموقف، فقد أصبح الإنسان ينظر للطبيعة بصفتها «جامدة»، وأن ما نلاحظه فيها من نظام أو قانون ليس نابعاً منها، بل هو مفروض عليها من قوة خارجية عاقلة. وفي هذه الحالة، لن يكون القانون العلمي اكتشافاً لما هو كائن، بل إبداعاً من عقل الإنسان وخياله، والنموذج المطروح هنا هو قانون نيوتن في الجاذبية، وتلك هي فكرة الطبيعة الآلية التي سادت منذ عصر النهضة في القرن السادس عشر وما يليه معبرة عن العقل الواثق بنفسه. ويتابع: «تطور الأمر بعد ذلك لنجد الإنسان يتصور الطبيعة أعظم وأشد تعقيداً مما يمكن أن يستوعبه العقل البشري، طبيعة دائمة التطور، تتمثل حقيقتها في التغير والتبدل. وهذا يعني الاعتراف بشيئين: أولهما أن التطور والتحول هما جوهر الطبيعة، وليس الثبات، وأن ما يوجد بها من كائنات ليست نماذج ثابتة متكررة تحمل الصورة نفسها، بل توجد وتتطور وتختفي، وهي الفكرة التي انبثقت عن نظرية (داروين) و(لامارك) في التطور، وبلغت ذروتها عند (برجسون) حين حلت فكرة التقدم محل فكرة الدورات المغلقة. الشيء الثاني يتمثل في النتائج الثورية التي أسفرت عنها الفيزياء المعاصرة في نظريتي (ميكانيكا الكم) و(النسبية)، حيث أدت إلى انقلاب في فكرة الطبيعة الآلية، فقد اختفت فكرة الحقيقة الثابتة، وحلت محلها فكرة التغير والصيرورة. وهنا، لم تعد حقيقة الطبيعة تتمثل في التغير الذي لا بد أن يفضي إلى الثبات، بل التغير ذاته إلى ما لا نهاية».
ثورة شاملة
ويخلص المؤلف إلى أن الفكر الأوروبي الحديث كان على موعد مع عصر جديد يمثل ثورة شاملة جرفت في طريقها كل المفاهيم والمبادئ التي بنى عليها التصور اليوناني برؤيته الساذجة للطبيعة. والمحور الأساسي الذي ترتكز عليه هذه الثورة هو إعادة الإنسان بعقله وضميره إلى مركز الصدارة في الكون. ومهدت لذلك حركة الكشوف الجغرافية، واكتشاف حضارات لا تقل تقدماً عن الحضارة الأوروبية، حيث ظهرت الحاجة الماسة للمخترعات الجديدة التي تستفيد من قوى الطبيعة في تسخيرها لتيسير حياة الإنسان ورفاهيته، أو كما يقول «بيكون»: «العلم قوة». ويذكر الكتاب أن ذلك العصر كان يموج بفيض من الأفكار التجريبية، سياسية واجتماعية وعقائدية، التي تحرص في مجموعها على رفض الأفكار الجاهزة التي تُفرض على العقل، واتجه الإنسان بقوة إيمانه بذاته وثقته بقدراته لإعادة صياغة المعادلة الكونية، بحيث يحتل مركز الصدارة، ويكون عقله هو المبدع لقوانين الوجود، فالعقل يجب أن يكون سيداً للطبيعة، ومبادئه أوامر يجب أن ترضخ لها. ويستشهد المؤلف بـكانط، مشيراً إلى أنه يلخص العلاقة بين العقل والطبيعة في رؤية قوية موحية، يقول فيها: «عندما ترك جاليليو كرات ذات أوزان معينة حددها بنفسه تنزلق فوق سطح مائل (وهي تجربة جاليليو لقانونه عن القصور الذاتي) شع ضوء مبهر أمام كل الباحثين في الطبيعة، فقد أدركوا أن العقل قادر على اختراق حجب الطبيعة، وأن عليها أن تتحرك وفقاً لمبادئه وأحكامه، وأن تجيب عن أسئلته، فالعقل قابض بيد على مبادئه، وباليد الأخرى على التجربة الخاضعة لهذه المبادئ، بحيث يجب أن تقترب من الطبيعة ليتعلم منها، ولكن ليس بصفته تلميذاً يوافق معلمه على كل شيء، بل بصفته قاضياً يجبر الشهود على الاعتراف».
ويخلص المؤلف إلى أنه بهذا المعنى، تغيرت فكرة الإنسان عن الطبيعة وعلاقته بها، فحلت فكرة «الآلية» محل الطبيعة العضوية؛ بمعنى أن الطبيعة ليست منظمة بذاتها، وليست قادرة على تدبير أمورها بقوانينها، وأنها موجهة داخلياً لغايات هي التي حددتها لنفسها، وهي أشبه بآلة كبيرة تروسها هي الظواهر، كما أن كل ظاهرة في الطبيعة هي سبب في حدوث ظاهرة لاحقة ومسببة لظاهرة سابقة. وهذا ما نراه في قانون الفعل ورد الفعل.
من هنا، نفهم لماذا آمن كثير من علماء وفلاسفة ذلك العصر بالسببية الضرورية، أو ما يعرف بـ«الحتمية الآلية»، ونستطيع أن نلتمس عناصر فكرة الآلية قبل ذلك عند دافنشي مؤسس علم الميكانيكا الحديث. يبقى أن نقول إنه على الرغم من الطباعة الجيدة للكتاب، فإنه خلا من أي تعريف بالمؤلف روبين كولينغودد، وهو فيلسوف مؤرخ عالم آثار بريطاني (1889-1943)، له عدد من المؤلفات المهمة الأخرى، مثل: «فكرة التاريخ» و«مقال في المنهج الفلسفي».


مقالات ذات صلة

كتب شركة ناشئة تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)

وسط اعتراض كتّاب ودور نشر… شركة ناشئة تسعى لإنتاج 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي

ينتقد كتّاب وناشرون إحدى الشركات الأميركية الناشئة التي تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
TT

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة بأنّك حصلت لتوّك على سِفر ثمين من الحكمة السياسيّة وخبرة الإدارة في المنصب التنفيذي الأهم في إحدى دول العالم العظمى، لا سيما أن الرجل جاء إلى فضاء السلطة من الصحافة كاتباً ورئيس تحرير لمجلّة سبيكتاتور الأسبوعيّة العريقة، ومؤرخاً نشر عدّة كتب مهمة - بما فيها سيرة لملهمه وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية - قبل أن يُنتخب عمدة للعاصمة لندن ثم رئيساً للوزراء وزعيماً لحزب المحافظين. ولعل مما يرفع وتيرة التوقعات أيضاً أنّه كان في موقع التأثير واتخاذ القرار في مراحل مفصليّة في تاريخ بلاده المعاصر، سواء الأشهر الأخيرة من عصر الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، أو خروج المملكة المتحدة من عضويّة الاتحاد الأوروبي، أو وباء «كوفيد 19». أو الحرب في أوكرانيا، ناهيك عن شهرته عبر العالم كنسخة من دونالد ترمب على الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، حتى أنّه ربما يكون السياسي البريطاني الوحيد الذي يعرفه سكان هذا العالم باسمه الأول (بوريس). لكن الحقيقة أن المذكرات ورغم تضمنها مقاطع مهمة هنا وهناك ولحظات صاعقة من الصراحة، فإنها في المحصلة أقرب إلى موجة جارفة من التبرير المقعّر، والإعجاب النرجسي بالذات، وتصفية الحسابات السياسيّة ولوم للجميع لأنهم أضاعوه، ويا ويلهم أي فتى أضاعوا؟

ومع ذلك، فإن «مطلق العنان» قراءة سهلة، يتم سردها بلغة قريبة من لغة الحوار اليومي أكثر منها لغة متعجرفة كما يتوقع من خريجي المدرسة النخبوية في إيتون وجامعة أكسفورد، مع كثير من علامات التعجب، والأصوات الشارعيّة المكتوبة بحروف كبيرة، والصفات المرصوفة كجمل طويلة، والإهانات الشخصيّة لمنافسيه، والأسئلة البلاغيّة عديمة الفائدة، فيما غلب عليها مزاج من السخريّة والهزل حتى في التعاطي مع القضايا التي يفترض أنّه جاد بشأنها.

هذا النّفس الذي اختاره جونسون لسرد مذكراته (والتي قد تدر عليه دخلاً سيتجاوز الثلاثة ملايين جنيه إسترليني وفق تقديرات صناعة النشر) أفقد الكتاب كثيراً من قيمته المتوقعة كوثيقة تاريخيّة، وبدت أجزاء كبيرة منه روايات ربما يتمنى كاتبها لو كانت الحقيقة، أو ربما أعتقد بالفعل أنها كانت الحقيقة كجزء مما يسميه جونسون نفسه التنافر المعرفي الذي يصيب الساسة المغمسين في وظيفتهم القياديّة لدرجة أنهم يصابون بالعمى عن المشاكل السياسية الهائلة التي تتراكم خارج مكاتبهم. هذا سوى بعض الأخطاء التفصيليّة في تسجيل الأحداث أيضاً والتي لا يفترض أن تمرّ على مؤرخ معتّق أو على ناشره المرموق (يقول مثلاً إن حكومة حزب العمال في أسكوتلندا أطلقت سراح الليبي المتهم بتفجيرات لوكربي، فيما الواقع أنها كانت حكومة الحزب القومي الأسكوتلندي).

من الناحية الإيجابيّة فإن جونسون يضمِّن كتابه تعليقات ذكيّة حول مسائل استراتيجيّة تبدو في ميزان اليوم أفضل من أدائه الفعلي رئيساً للوزراء كما مثلاً في رؤيته لأسباب اللامساواة الاقتصاديّة بين الأجيال، وتفسيره للانقسام الاقتصادي العميق بين العاصمة لندن الكبرى وبقيّة المملكة المتحدة، وتصوّراته حول رفع سويّة الأجزاء الأقل حظاً منها من خلال برامج تحديث البنية التحتية وتكنولوجيا الاتصال والاستفادة من أموال الخزينة العامّة لجذب استثمارات القطاع الخاص، وكذلك تحوّله من منكر لتحولات المناخ إلى منذر من مخاطرها ومفسّر للحجج الأخلاقيّة والاقتصاديّة الدّاعية إلى التصدي لجذورها من أجل مصلحة الأجيال المقبلة.

أثناء زيارة لمكتبه في عام 2017 طلب منه نتنياهو استخدام المرحاض بعد ذلك، وجدت أجهزة الأمن جهاز تنصت تم زرعه هناك

يفشل بوريس في تقديم مرافعة كانت متوقعة منه بشأن دوره فيما يعرف بـ«بريكست»، أو القرار بتخلي بريطانيا عن عضوية الاتحاد الأوروبيّ. وهو يعترف بأنّه كان مشتتاً وقتها بين اعتقاده بضرورة أن تتخلص بلاده من سلطة بروكسل عليها (مقر الاتحاد الأوروبي) من ناحية، وتفهمه لمشاعر كثيرين من عائلته وأصدقائه الذين أرادوا منه دعم حملة البقاء في النادي الأوروبيّ، ويقرّ بأنه في المساء الذي أعلن فيه قراره بدعم التوجه إلى الخروج من الاتحاد، كتب نسختين من المقال نفسه، واحدة (مع) وواحدة (ضد) كي يمكنه اختبار حنكة حججه، ليجد في النهاية أن حملة تأييد البقاء افتقدت إلى الحماس، ولم تمتلك أي رسالة إيجابيّة واضحة لتقولها. في المقابل، فإن جونسون يبدو في هذه المذكرات ليس مفتقراً فحسب لأي شعور بالمسؤولية عن الفوضى التي أعقبت التصويت على المغادرة، والإدارة السيئة للمفاوضات التي قادتها حكومات المحافظين وهو فيها مع الاتحاد الأوروبي، بل يبدو غاضباً حتى على مجرد اقتراح مساءلته من حيث المبدأ متسائلاً: «وماذا بحق الجحيم كان من المفترض علينا أن نفعل؟»، بينما يقفز للعب دور البطولة منفرداً فيما يتعلق برد حكومة المملكة المتحدة على حالات التسمم النووي التي نسبت لروسيا في سالزبوري عام 2018. في وقت صار فيه من المعلوم أن تيريزا ماي، رئيسة الوزراء حينها، هي من كانت وراء ذلك الموقف الحازم. ويخلص جونسون للقول إن حزب المحافظين كان سيفوز في انتخابات هذا العام لو بقي على رأس السلطة ولم يتعرّض للخيانة من رفاقه، وهي مسألة يكاد معظم المراقبين يتفقون على استحالتها بالنظر إلى تراكم سلسلة الفضائح وسوء الإدارة وهزالة الطرح الآيديولوجي لحكومات حزب المحافظين خلال الخمسة عشر عاماً الماضية على نحو تسبب للحزب النخبوي بأقسى هزيمة له في مجمل تاريخه العريق. في المذكرات يكتب جونسون عن زيارة قام بها بنيامين نتنياهو إلى مكتبه في عام 2017، طلب خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي استخدام المرحاض. بعد ذلك، وجدت أجهزة الأمن جهاز تنصت قد تم زرعه هناك. وقال جونسون إنه على وفاق مع نتنياهو وإن القراء يجب ألا يستخلصوا استنتاجات أوسع حول الزعيم الإسرائيلي من تلك الحكاية!