تفاقم إصابات «كورونا» يثير قلق دول جنوب شرقي آسيا

«الصحة العالمية» ترخّص استخدام اللقاح الصيني «سينوفاك»

ممرضة تخض مواطنة ماليزية لفحص كورونا في سايبرجايا أمس (رويترز)
ممرضة تخض مواطنة ماليزية لفحص كورونا في سايبرجايا أمس (رويترز)
TT

تفاقم إصابات «كورونا» يثير قلق دول جنوب شرقي آسيا

ممرضة تخض مواطنة ماليزية لفحص كورونا في سايبرجايا أمس (رويترز)
ممرضة تخض مواطنة ماليزية لفحص كورونا في سايبرجايا أمس (رويترز)

يثير تفاقم وباء «كورونا» في جنوب شرق آسيا قلق دول المنطقة، فيما يشدد رؤساء منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي على الحاجة إلى «تحرك عالمي»، لضمان توزيع أكثر إنصافاً للقاحات، على أمل دحر الفيروس.
وفي هذا الإطار، منحت منظمة الصحة العالمية موافقتها الطارئة لاستخدام اللقاح الصيني «سينوفاك»، ما يسمح بإدراجه في نظام «كوفاكس» لتوزيعه في البلدان الفقيرة. لكن في مؤشر إلى الصعوبات في هذا المجال وبالتزامن مع نشر صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية اليومية نداء رؤساء المنظمات الأربع، أبقى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا واليابان على تحفظاتها أمام منظمة التجارة العالمية على رفع محتمل لبراءات اختراع هذه اللقاحات، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وهذا الموقف لا تتقاسمه معها مجموعة «بريكس»، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتواصل حملتها من أجل تعليق البراءات.
- تفاؤل حذر
في مجال اللقاحات أيضاً، أعلنت مجموعة لونزا السويسرية أحد الموردين الرئيسيين لمختبرات الأدوية، أمس (الأربعاء)، أنها ستفتح خط إنتاج جديداً في هولندا لتصنيع لقاح «موديرنا». وقالت، في بيان، إنه سيتم تركيب خط الإنتاج في مصنعها الواقع في جيلين بجنوب البلاد، وسيتم تشغيله في نهاية 2021، وسيسمح بإنتاج ما يصل إلى 300 مليون جرعة إضافية سنوياً عندما يعمل بكامل طاقته، ما يعزز تعاونها مع شركة التكنولوجيا الحيوية الأميركية.
جاءت أنباء إيجابية من لندن، حيث قالت إدارة الخدمات الصحية إنها لم تسجل أي وفيات بالمرض خلال 24 ساعة، إلا أن هذه الحصيلة عادت إلى الارتفاع أمس، مع تسجيل 12 وفاة بـ«كورونا» و4330 إصابة جديدة. في المقابل، ما زال التفاؤل يسود في إسرائيل التي خففت، بعد حملة تطعيم واسعة، قيودها الصحية أكثر قليلاً الثلاثاء، لكن وصول زوار أجانب ما زال يخضع لشروط قاسية.
وسجلت المطارات في الولايات المتحدة من جهتها، يومي الجمعة والاثنين الماضيين، في أول عطلة نهاية أسبوع طويلة في موسم الصيف، أكبر عدد من المسافرين منذ مارس (آذار) 2020.
وتحاول بعض الولايات مثل ويست فرجينيا أيضاً تسريع حملات التطعيم عبر «يانصيب» للفوز بتراخيص للصيد أو للإقامة في محميات طبيعية. من جهتها، قررت كندا السماح بإعطاء جرعتين من لقاحين مختلفين. وأعلنت روسيا أنها ستستأنف رحلاتها الجوية مع دول أوروبية.
- مخاوف آسيوية
في المقابل، يسود قلق شديد في عدد من دول جنوب شرق آسيا من تايلاند إلى فيتنام، التي شهدت ارتفاعاً في عدد الإصابات بالفيروس في الأسابيع الأخيرة، مع بداية بطيئة لحملات التطعيم.
وكانت هذه المنطقة أقل تضرراً من غيرها بالموجات الأولى من الوباء، وكادت بعض الدول أن تفلت منها بعد إغلاق حدودها بسرعة واتخاذ إجراءات قاسية جداً على أراضيها. ومع ارتفاع عدد الوفيات إلى 2800 منذ بداية الوباء، بينهم 40 في المائة خلال الشهر الماضي وحده، فرضت ماليزيا، الثلاثاء، إجراءات عزل صارمة لمدة أسبوعين على سكانها البالغ عددهم 32 مليون نسمة. وقد سجلت عدداً من الأرقام القياسية في الأيام الأخيرة. ونُسب هذا الارتفاع إلى النسخ الجديدة المتحورة للفيروس، وكذلك التجمعات خلال رمضان وعيد الفطر، من دون مراعاة القواعد الصحية في كثير من الأحيان.
في الهند، ارتدى آلاف الأطباء شارات سوداء، الثلاثاء، للمطالبة باعتقال زعيم روحي معروف يقول إن اليوغا يمكن أن تمنع الإصابة بـ«كورونا»، وإن الطب قتل آلاف المرضى. أما في أستراليا، فقد أعلنت السلطات، أمس، أن إجراءات الحد من انتشار الفيروس في ملبورن ثاني كبرى مدن البلاد، ستمدد سبعة أيام في محاولة لوقف ظهور إصابات محلية مؤخراً. وكان يفترض أن ينتهي الحجر الصحي، ليل الأربعاء إلى الخميس، لسكان المدينة البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة.
أما في طوكيو، ومع اتساع دعوات إلغاء الألعاب الأولمبية، قال أبرز مستشار طبي ياباني، أمس، إن استضافة الأولمبياد في خضم حالة الطوارئ في البلاد بسبب جائحة فيروس كورونا «ليست طبيعية»، في أحد أقوى التحذيرات من استضافة الألعاب هذا الصيف. وأدلى شيجيرو أومي بهذه التعليقات للجنة في البرلمان.
- سلالة «دلتا»
من جهتها، أعلنت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء، أن نسخة فرعية واحدة فقط من المتحورة «دلتا» لفيروس «كورونا» اكتُشفت للمرة الأولى في الهند، ما زالت تعتبر مثيرة للقلق، بينما تم تخفيض خطورة النسختين الفرعيتين الأخريين. وفي أميركا اللاتينية، ستُجرى بطولة كوبا أميركا لكرة القدم في البرازيل. وبعد انسحاب كولومبيا ثم الأرجنتين، يمكن أن تبدأ المباريات في 13 يونيو (حزيران) بعد تأكيد الحكومة الثلاثاء.
في المجموع، قتل «كورونا» أكثر من 3.55 مليون شخص في جميع أنحاء العالم منذ أن أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهوره في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2019، وفقاً لإحصاء وكالة الصحافة الفرنسية. وسُجل العدد الأكبر من الوفيات في الولايات المتحدة (595 ألفاً و205 وفيات)، والبرازيل (465 ألفاً و199).


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.