دينيس روس: على بايدن إدارة الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني تفادياً لخيارات أسوأ

منطقة الشرق الأوسط لديها وسيلة لفرض نفسها على الرؤساء الأميركيين

المفوض العام لـ«أونروا» فيليب لازاريني زار أمس حي الشيخ جراح الذي شهد احتجاجات ضد طرد فلسطينيين من منازلهم (أ.ف.ب)
المفوض العام لـ«أونروا» فيليب لازاريني زار أمس حي الشيخ جراح الذي شهد احتجاجات ضد طرد فلسطينيين من منازلهم (أ.ف.ب)
TT

دينيس روس: على بايدن إدارة الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني تفادياً لخيارات أسوأ

المفوض العام لـ«أونروا» فيليب لازاريني زار أمس حي الشيخ جراح الذي شهد احتجاجات ضد طرد فلسطينيين من منازلهم (أ.ف.ب)
المفوض العام لـ«أونروا» فيليب لازاريني زار أمس حي الشيخ جراح الذي شهد احتجاجات ضد طرد فلسطينيين من منازلهم (أ.ف.ب)

على الرغم من أن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة ترتيب أولويات سياستها الخارجية، من خلال خفض مستوى انخراطها في الشرق الأوسط، والتركيز بشكل أكبر على آسيا لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين، تظل قضايا المنطقة وفي القلب منها القضية الفلسطينية، عنصراً جوهرياً يحتاج إلى دور أميركي أكثر حسماً للحيلولة دون الاصطدام بخيارات أكثر سوءاً وربما بتكلفة أكبر.
ويقول الدبلوماسي الأميركي المخضرم، دينيس روس، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، ونقلته وكالة الأنباء الألمانية، إن الشرق الأوسط لديها وسيلة تجعلها تفرض نفسها على الرؤساء الأميركيين وإداراتهم، ويتجلى هذا الأمر مع الرئيس جو بايدن. وأوضح من كان الرجل الأول لعملية السلام في الشرق الأوسط أثناء ولاية إدارة كل من جورج بوش الأب وبيل كلينتون، وعمل عن كثب مع وزراء الخارجية جيمس بيكر ووارن كريستوفر ومادلين أولبرايت، أنه من خلال ست مكالمات هاتفية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومكالمات مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أدرك بايدن أنه مهما كانت آماله، فإن مشاركته الشخصية كانت ضرورية للمساعدة في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وأشار روس، الذي عمل أيضاً مساعداً خاصاً للرئيس الأسبق باراك أوباما، ومستشاراً خاصاً لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، أنه في حين أن زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن للشرق الأوسط لم تكن على جدول أعماله، فقد شعر بالحاجة إلى الذهاب إلى المنطقة في محاولة لتعزيز وقف إطلاق النار، وتلبية الاحتياجات الإنسانية واحتياجات إعادة الإعمار في غزة، وإقامة مسار دبلوماسي لإدارة العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية وإعادة الالتزام بإقامة دولتين للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
يقول روس «كشخص تفاوض مع الطرفين لعقود، أعرف أن كل مهمة من هذه المهام تنطوي على تحدياتها الخاصة. ومن المفارقات أن أقلها صعوبة هو تعزيز وقف إطلاق النار». يضيف «صحيح أن وقف إطلاق النار لم يتم فيه الاتفاق على شيء سوى كف إطلاق الأسلحة، ولكن الحقيقة هي أن كلا الجانبين كان لديه سبب للتوقف. فحركة (حماس) تدفع ثمناً باهظاً من بنيتها التحتية العسكرية، وقد حققت بالفعل ما تعتزم القيام به، وهو فرض ثمن على إسرائيل رداً على الأحداث في القدس، وجعل الحركة، النقطة المحورية للقضية الفلسطينية أكثر من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية».
ومن جانبها، نجحت إسرائيل أيضاً عسكرياً، فقد دمرت منشآت إنتاج صواريخ «حماس» وجزءاً حاسماً من شبكتها من الأنفاق التي تحمي أسلحة «حماس» ومقاتليها ووسائل استخباراتها، وحتى بعض قادتها. ومن شأن الضربات الإضافية، في أحسن الأحوال، أن تسفر عن نتائج متضائلة في وقت كان فيه الرأي العام الدولي ينقلب بالفعل بقوة ضد إسرائيل. ومع ذلك، وحتى عندما يكون إنهاء التصعيد في مصلحة الطرفين، فإن وقف إطلاق النار لم يحدث بالضرورة من دون وسيط وتدخل خارجي، وقد لعبت مصر وإدارة بايدن هذا الدور في خلق غطاء وضغط وتوضيح للجانبين.
ويتساءل روس: ماذا عن تلبية الاحتياجات الإنسانية وإعادة الإعمار؟ هناك حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار، مع وجود 77 ألف شخص إضافي من سكان غزة بلا مأوى، والبنية التحتية عموماً، والمياه والصرف الصحي بصفة خاصة، في حاجة ماسة إلى الإصلاح وإعادة البناء. وهنا، وبحسب روس، يكمن التحدي الحقيقي، وهو كيف نعيد إعمار غزة ولا تقوم «حماس» بتحويل المواد اللازمة لذلك لصالح إعادة تسليحها؟
لكن روس يقول، إن هذا لن يكون سهلاً وجرت محاولة مماثلة في أعقاب النزاع في عام 2014، باستخدام آلية إعادة إعمار غزة وفشلت. وصحيح أن التعهدات بتقديم أموال إعادة الإعمار لم يتم الوفاء بها، ولكن ذلك يرجع جزئياً إلى الفشل في منع تحويل المواد وتعزيز «حماس» لوضعها العسكري. هناك بالتأكيد حاجة إلى جهد دولي، تحشده الولايات المتحدة على أفضل وجه، لجمع الأموال من أجل إعادة إعمار غزة، وكذلك لوضع آلية دولية للإشراف على ما يأتي إلى القطاع، ونقله إلى المستودعات، ومن ثم استخدامه النهائي في مواقع البناء.
يقول روس، إنه على عكس ما كان عليه الحال من قبل، يمكن لمصر أن تبذل جهداً حاسماً على الحدود. وبمساعدة دولية، يمكن لمصر تحويل معبر رفح، الذي لا يتعامل الآن سوى مع الأشخاص، وجعله نقطة لقاء مركزية إلى جانب المعابر من إسرائيل لإجراء فحص شامل لجميع المواد القادمة إلى غزة. ويضيف أنه سيكون لجميع الشاحنات التي تنقل المواد طرق محددة وتحتاج لأجهزة تتبع نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس). وستحتاج جميع مستودعات المواد الواردة إلى كاميرات للمراقبة على مدار الساعة طوال الأسبوع.
ويقول روس، إن «حماس» سوف تقاوم ذلك، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإن القضية سوف تصبح قضية إعادة إعمار غزة مقابل إعادة تسليح «حماس».
ويضيف، أنه من دون فرض شروط صارمة، لن تكون هناك إعادة إعمار جادة. وأخيرا يخلص روس إلى أنه إذا أثبتت الأسابيع القليلة الماضية أي شيء، فهو أن القضية الفلسطينية لن تزول. ويقول إن إدارة بايدن لا تريد أن يستهلكها الشرق الأوسط، لكنها تحتاج أيضاً إلى القيام بما يكفي لإدارة ما يحدث في المنطقة لتجنب الانجرار إليها، في ظروف قد توفر خيارات أسوأ بتكاليف أعلى.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.