هل ساهم قرار رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب في وصول المساعدات الإنسانية لليمنيين؟

الإرياني: ما حدث هو العكس تماماً وضاعفت الميليشيات العراقيل

TT

هل ساهم قرار رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب في وصول المساعدات الإنسانية لليمنيين؟

في 16 فبراير (شباط) الماضي أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، رفع حركة «أنصار الله» (الحوثيون) في اليمن من قائمة الإرهاب بصورة رسمية، مبررة ذلك بدوافع إنسانية وتأثير قرار الإدارة السابقة على وصول المساعدات الإنسانية في أنحاء البلاد.
لكن بعد نحو 3 أشهر على القرار الأميركي، هل تدفقت المساعدات الإنسانية ووصلت لمستحقيها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون؟ وهل تلقت الجماعة الحوثية قرار إدارة بايدن بإيجابية، وسمحت للمنظمات الأممية والدولية بالوصول غير المشروط لتوزيع المساعدات؟
«ما حدث هو العكس تماماً» كما يقول معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، ويؤكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران ضاعفت منذ قرار الإدارة الأميركية إلغاء تصنيفها منظمة إرهابية ضغوطها على المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية ووضعت مزيداً من العراقيل على أنشطتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والذي أثر بشكل كبير على برامج الإغاثة ووصول المساعدات الإنسانية لملايين المحتاجين».
وكانت التحديات التشغيلية التي يواجهها «برنامج الأغذية العالمي»، بالإضافة إلى نقص التمويل، اضطر «البرنامج» في شهر أبريل (نيسان) 2020 إلى وقف توزيع المواد الغذائية كل شهر، وكان يقوم بتوزيعها كل شهرين في المناطق الشمالية من اليمن. بحسب لوران بوكيرا، الممثل والمدير القطري لـ«برنامج الأغذية العالمي» في اليمن.
عدم الاكتراث الحوثي بمعاناة السكان - بحسب الإرياني - «تجلى مؤخراً في عرقلة جهود مواجهة فيروس (كورونا) ورفض تسلم الدفعة الأولى من لقاح (أسترازينيكا) البريطاني المقدم عبر برنامج (كوفاكس) التابع لمنظمة الصحة العالمية». وأضاف: «هذا الرفض، رغم التقارير التي تؤكد الارتفاع الكارثي لأعداد الإصابات والوفيات الناتجة عن تفشي الفيروس، وسياسة التكتم وإخفاء الحقائق والأرقام؛ يعرضان حياة مئات الآلاف من المواطنين في مناطق سيطرتها للخطر».
ويرى الوزير أن «استمرار ميليشيا الحوثي في نهب المساعدات الغذائية وبيعها في الأسواق، وسرقة الغذاء من أفواه الجوعى، يؤكد عدم اكتراثها بالمعاناة الإنسانية واستخفافها بأرواح اليمنيين، وينسف كل ادعاءاتها، ويؤكد متاجرتها بالملف الإنساني لتحقيق مآرب سياسية».
وحذر «برنامج الأغذية العالمي»؛ الذي يعمل في أسوأ بؤر للجوع في اليمن في محاولة للحيلولة دون وقوع مجاعة مدمرة، من أن قدرة البرنامج على مواصلة الاستجابة حتى نهاية العام لا تزال غير مؤكدة.
وأوضح في بيان له، أول من أمس، أن هناك نحو 50 ألف شخص يعيشون بالفعل في ظروف شبيهة بالمجاعة، ويتعرض 5 ملايين شخص لخطر مباشر، حيث يموت طفل كل 10 دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، مثل الإسهال، وسوء التغذية، والتهابات الجهاز التنفسي.
وكشف «البرنامج» عن زيادة توزيع المساعدات في المحافظات الأشد انعداماً للأمن الغذائي؛ في 9 محافظات يمنية، يقطنها نحو 6 ملايين شخص؛ 7 منها تحت سيطرة الحوثيين الكاملة.
من جانبه، يعتقد همدان العليي، الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أن جماعة الحوثي لا تعرقل فقط وصول المساعدات الإنسانية للسكان؛ «بل تصنع معاناتهم لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وطائفية وعسكرية»، على حد قوله.
وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن لأي حل سياسي؛ سواء محلياً ودولياً، أن يحل الإشكالية الإنسانية في اليمن ويرفع المعاناة، إلا في حال أنتج الحل عودة حقيقية ومباشرة للحكومة المعترف بها إلى صنعاء لتقوم بإدارة مؤسسات الدولة».
وتابع: «جماعة الحوثي تعيش على معاناة الأهالي، بمعنى أنها هي من تصنع المعاناة لتحيق أهداف سياسية واقتصادية وطائفية (حوثنة اليمن)، وعسكرية، تقوم بالتجويع المتعمد لإنتاج معاناة إنسانية، وقد استخدمت اللافتة الإنسانية لإيقاف تحرير الحديدة وصنعاء».
ووفقاً لهمدان العليي، فإن «قرار الإدارة الأميركية بإزالة جماعة الحوثي من المنظمات الإرهابية، كان دوره سلبياً وإشارة للحوثيين لتكثيف هجماتهم العسكرية على أكثر من منطقة؛ وعلى رأسها مأرب، وهو ما انعكس على زيادة معاناة النازحين والمهجرين فيها».


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.