أزمة تمويل تهدد استمرار عمل «محكمة الحريري»

لبنان عاجز عن تحمل نفقاتها وحده وينتظر موقف المانحين

TT

أزمة تمويل تهدد استمرار عمل «محكمة الحريري»

تهدد أزمة مالية بتوقيف عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أنشئت لمحاكمة قتلة رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، إذ أعلنت أمس، أنه «من دون تمويل فوري، لن تتمكن المحكمة من مواصلة عملها بعد يوليو (تموز) المقبل»، وهو أمر «سيؤثّر على قدرتها على إنجاز ولايتها الحالية وإنهاء الإجراءات القضائية في القضيتين القائمتين حالياً أمامها».
وتأسست المحكمة عام 2007 بقرار من مجلس الأمن الدولي وبلغت ميزانيتها العام الماضي 55 مليون يورو (67 مليون دولار). وتحصل المحكمة على 51% من تمويلها من المساهمات الطوعية و49% من الحكومة اللبنانية. وكانت قد خفضت ميزانيتها لعام 2021 بنسبة عالية بلغت 37% تقريباً مقارنةً بالسنوات السابقة، نظراً إلى الظروف الصعبة الناتجة عن جائحة «كوفيد - 19» العالمية والأزمة المالية في لبنان.
وأدانت المحكمة العام الماضي العضو في «حزب الله» سليم جميل عياش، غيابياً في التفجير الذي أسفر عن اغتيال الحريري و21 آخرين، في حكم يجري استئنافه.
وفيما تُجري الحكومة اللبنانية، التي تصرّ على استمرار عمل المحكمة، اتصالات لمواكبة الأزمة الطارئة والبحث في إمكانية إيجاد حلول لها، قالت مصادر نيابية لبنانية مؤيدة لاستمرار عمل المحكمة لـ«الشرق الأوسط»: «إننا بانتظار القرار النهائي للدول المانحة، بالنظر إلى أن لبنان ليس قادراً على تمويل المحكمة وحده».
وأسفت المحكمة، في بيان أصدرته أمس، لهذه الأزمة. وقالت إنه «من خلال مستندات أودعها رئيس قلم المحكمة دايفيد تولبرت أمام قضاة المحكمة، قدّم إشعاراً يتعلق بالوضع المالي للمحكمة كي تتمكن رئيسة المحكمة وقاضي الإجراءات التمهيدية وغرفة الاستئناف وغرفة الدرجة الأولى من اتخاذ أي خطوات يرونها ضرورية فيما يتعلق بإدارة المسائل المطروحة أمامهم».
وللوفاء بالتزاماته في إدارة المحكمة وخدمتها، أفاد رئيس قلم المحكمة بأنه لا خيار أمامه سوى تفعيل عملية فصل الموظفين في أجهزة المحكمة الأربعة وفقاً للنظامين الأساسي والإداري للموظفين، وإطلاق أنشطة التخفيض التدريجي المتعلقة بحماية الشهود، وحفظ سجلات المحكمة والأدلة والمواد الحساسة الموجودة في عهدتها.
وأبلغ كبار مسؤولي المحكمة الأمينَ العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، رسمياً بالوضع المالي الذي سيترتّب عليه عجز المحكمة عن إكمال عملها إذا لم تصل إليها أي مساهمات قبل نهاية شهر يوليو.
وفي مارس (آذار) الماضي، قدّمت الأمم المتحدة للمحكمة إعانة بلغ قدرها 15,5 مليون دولار تغطي نسبة 75% من مساهمة لبنان في ميزانيتها، بهدف دعم استمرار عملها. وإذ أبدت المحكمة امتنانها للدعم الكبير الذي قدمته الأمم المتحدة، قالت إنها لا تزال بانتظار مساهمات أخرى ولا تزال تفتقر إلى الأموال اللازمة لأداء مهامها القضائية.
والمحكمة هيئة قضائية مستقلة تضم قضاة لبنانيين ودوليين. وهي ليست محكمة تابعة للأمم المتحدة ولا جزءاً من النظام القضائي اللبناني، غير أنها تحاكم بموجب قانون العقوبات اللبناني. وهي أيضاً المحكمة الأولى من نوعها في تناول الإرهاب بوصفه جريمة قائمة بذاتها.
وأعربت المحكمة عن أسفها الشديد إزاء تأثير هذا الوضع على المتضررين من الاعتداءات المندرجة ضمن ولايتها الذين وضعوا آمالهم وثقتهم بالعدالة الجنائية الدولية. وأفاد رئيس قلم المحكمة دايفيد تولبرت بأنه «على الرغم من تقليص أعداد الموظفين بدرجة كبيرة والتخفيضات الشاملة، سوف تضطر المحكمة إلى إغلاق أبوابها في الأشهر المقبلة إذا لم تصل إليها أموال إضافية، تاركةً قضايا مهمة عالقة على حساب المتضررين، ومكافحة الإفلات من العقاب، وسيادة القانون».
وسيوجه القرار ضربة إلى أسر الضحايا في قضية مقتل الحريري وقضايا لها علاقة بهجمات نُفذت في الفترة نفسها ولا تزال تخضع للتحقيق. كما سيحدّ القرار من دعوات لتأسيس محكمة جديدة تابعة للأمم المتحدة لمحاكمة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في أغسطس (آب) الماضي وأسفر عن سقوط 200 قتيل وإصابة 6500 شخص.



القضاء العراقي يواجه أزمة بعد فوز ترمب لصدور مذكرة قبض بحقه

ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)
ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)
TT

القضاء العراقي يواجه أزمة بعد فوز ترمب لصدور مذكرة قبض بحقه

ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)
ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي (أ.ف.ب)

في الوقت الذي هنأ الرئيس العراقي الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد، ومحمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، دونالد ترمب بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بدأت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي تبحث عن كيفية التعامل مع ترمب المرحلة المقبلة في ظل وجود مذكرة صادرة من مجلس القضاء الأعلى في العراق بالقبض على ترمب بتهمة اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

الرئيس العراقي الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد

وقال عضو اللجنة مختار الموسوي في تصريح صحافي إن «ترمب بالنسبة للعراق وحسب القوانين العراقية هو مجرم، لكن العراق سيتعامل معه بشكل طبيعي، فهناك مصلحة للعراق بذلك، ووصول ترمب إلى البيت الأبيض لن يؤثر على العلاقات بين بغداد وواشنطن». ورأى الموسوي، وهو نائب عن «الإطار التنسيقي الشيعي» الحاكم أن «أميركا دولة مؤسسات ولا تتأثر كثيراً برؤساء في التعاملات الخارجية المهمة». وأضاف: «ترمب لا يعترف بالحكومة العراقية ولا يحترم السلطات في العراق»، لافتاً إلى أن «زيارته للعراق أثناء ولايته السابقة اختصرت فقط على زيارة الجنود الأميركان في قاعدة (عين الأسد) بمحافظة الأنبار، لكن العراق سيتعامل مع ترمب بشكل طبيعي».

الجنرال الإيراني قاسم سليماني (أ.ب)

وختم عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية تصريحه قائلاً: «في حال زار ترمب العراق خلال المرحلة المقبلة، فهناك صعوبة في تنفيذ مذكرة القبض بحقه، فهناك مصلحة للدولة العراقية وهي تتقدم على جميع المصالح الأخرى، فهي تمنع أي تنفيذ لتلك المذكرة بشكل حقيقي بحق ترمب».

أبو مهدي المهندس (أ.ف.ب)

يشار إلى أن رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان أعلن صدور أوامر قبض بحق ترمب على خلفية أوامر أصدرها لقتل سليماني والمهندس في السابع من يناير (كانون الثاني) عام 2021. وأوضح بيان رسمي، صدر في ذلك الوقت أن «القرار يستند إلى أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي النافذ»، مؤكداً أن «إجراءات التحقيق لمعرفة المشاركين الآخرين في تنفيذ هذه الجريمة سوف تستمر سواء كانوا من العراقيين أو الأجانب».

القضاء العراقي وأزمة تطبيق القانون

قانونياً، وطبقاً لما أكده الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» فإأن «القضاء العراقي تحرك بناءً على الشكوى المقدمة من الطرف المشتكي، وبالتالي فإن القضاء ملزم وفق القانون باتخاذ الإجراءات القانونية بحق أي شخص سواء كان في الداخل العراقي أو الخارج العراقي».

وأضاف التميمي: «ولأن الجريمة التي ارتُكبت داخل العراق واستهدفت شخصيات في العراق وأدت إلى مقتلهم؛ فإن الولاية القضائية هنا هي التي تطبق وهي ولاية القضاء العراقي»، مبيناً أن «إصدار أمر قبض بحق ترمب في وقتها وفق مذكرة القبض الصادرة من القضاء العراقي وفق المادة 406 من قانون العقوبات العراقي وهي القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لكونه شريكاً في هذه العملية؛ ولذلك يعدّ الإجراء من الناحية القانونية صحيحاً».

مركبة محترقة في مطار بغداد أصابها أحد الصواريخ الثلاثة (خلية الإعلام الأمني)

ورداً على سؤال بشأن تنفيذ المذكرة، يقول التميمي إن «التنفيذ يكون عن طريق الإنتربول الدولي بعد تقديم طلب عبر وزارة الخارجية، وهو أمر صعب من الناحية الواقعية، والثانية هي انضمام العراق إلى اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1948 وهي تحاكم الأشخاص بمختلف الجرائم، ومنها جرائم العدوان التي تنطبق على عملية الاغتيال التي نُفذت بأمر ترمب وفقاً للمادة 6 من قانون هذه المحكمة التي تتطلب دخول العراق فيها أولاً». وأوضح التميمي أنه «مع كل هذه الإجراءات القانونية، لكن ترمب في النهاية أصبح رئيس دولة وهو يتمتع بالحصانة وفقاً اتفاقية فيينا».

أول المهنئين لترمب

وفي الوقت الذي تبدو عودة ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية مقلقة لبعض الأوساط العراقية، إلا أن العراق الرسمي كان من أول المهنئين؛ إذ هنأ الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد ترمب، وتطلع إلى أن «تعمل الإدارة الأميركية الجديدة على تعزيز الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه والحوار البنَّاء في المنطقة»، كما هنَّأ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني دونالد ترمب بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية لولاية جديدة، معرباً عن أمله في «تعزيز العلاقات الثنائية» خلال «المرحلة الجديدة». وكتب السوداني على منصة «إكس»: «نؤكد التزام العراق الثابت بتعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، ونتطلع لأن تكون هذه المرحلة الجديدة بداية لتعميق التعاون بين بلدينا في مجالات عدة، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة ويعود بالنفع على الشعبين الصديقين». كما أن رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني كانا أول المهنئين لترمب؛ نظراً للعلاقة الجيدة التي تربط الأكراد مع الجمهوريين. وكتب نيجرفان بارزاني على منصة «إكس» قائلاً: «أتقدم بأحرّ التهاني إلى الرئيس ترمب ونائب الرئيس المنتخب فانس على فوزهما في الانتخابات». وأضاف: «نتطلع إلى العمل معاً لتعزيز شراكتنا وتعميق العلاقات الثنائية بين إقليم كردستان والعراق والولايات المتحدة».

أما رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، فقد عبّر من جهته إلى أهمية «تعميق الشراكة بين إقليم كردستان والولايات المتحدة، والعمل معاً لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة».

اقرأ أيضاً