الحريري وبري يقرآن في «كتاب واحد» والكرة في مرمى باسيل

تشكيلة بلا أسماء لتوزيع الحقائب على الطوائف

TT

الحريري وبري يقرآن في «كتاب واحد» والكرة في مرمى باسيل

لا شيء يمنع «حزب الله» من أن يختصر المسافات ويوفد المعاون السياسي لأمينه العام حسين خليل، للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، لو أن الأخير استجاب لرغبة حسن نصر الله في تسهيل تشكيل الحكومة بإسقاط شروطه التي تعيق تشكيلها والتي يصر على التمسُّك بها، وهذا ما لمسه خليل عندما اجتمع ليل أول من أمس وزميله المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي النائب علي حسن خليل، بباسيل في محاولة جديدة لم يُكتب لها النجاح، ما حال دون تسجيل اختراق يمكّن الرئيس نبيه بري التأسيس عليه لتوسيع مروحة اتصالاته ومشاوراته، وإن كان باسيل أظهر إيجابية في العلن بخلاف السلبية التي اتسم بها اللقاء.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر سياسي رفيع أن لقاء الخليلين مع باسيل في حضور مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا، عُقد في قصر بعبدا وليس في منزل باسيل في البياضة كما أُعلن فور انتهاء الاجتماع، ولم يُعرف إذا كان عون شارك فيه أم أنه أناب عنه باسيل في التفاوض في الملف الحكومي، وهذا ما يتعارض مع صلاحياته الدستورية التي يتمسك بها، علماً بأن باسيل أمهل الخليلين لإعطائهما الجواب النهائي على مبادرة بري.
وكشف المصدر السياسي أن تكليف الخليلين بمهمة تنعيم موقف باسيل الذي يعود له الفصل في الملف الحكومي، جاء في أعقاب الاجتماع الذي عُقد بين بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي اتسم بإيجابية مطلقة تجاوزت التناغم في الموقف من تشكيلها انطلاقاً من قراءتهما في كتاب واحد للمخارج الواجب اتباعها لتجاوز المطبّات التي ما زالت تعيق تأليفها.
ولفت إلى أن بري والحريري توافقا على توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف بشكل متوازن وعادل من دون إسقاطها على أسماء الوزراء الذين سيشغلونها على أن تتشكل الحكومة من 24 وزيراً.
وأكد المصدر أن الحريري نزولاً على رغبة بري قدّم آخر ما لديه من التضحيات للإسراع في تشكيل الحكومة، وقوبلت من الأخير بكل إيجابية شرط عدم إعطاء الثلث الضامن لأي فريق، وأن تتشكل من مستقلين واختصاصيين من غير المحازبين وألاّ يكون في عداد الوزراء مَن يستفز اللبنانيين، وقال إن المشكلة المتبقية تكمن في من يسمِّي الوزيرين المسيحيين، على ألا يكونا من حصة عون أو باسيل لا فرق بينهما لمنع حصول الأخير على الثلث الضامن.
ورأى أن نصر الله لم يقترح الاستعانة ببري مبدياً استعداده لمساعدته لو أن عون وباسيل خصوصاً استجابا لرغبته في تبادل التنازلات كأساس لتشكيل الحكومة بغية تمريره رسالة واضحة أنْ لا صحة لمن يتهمه بتأخيرها للإبقاء على تأليفها ورقة يعهد بها إلى حليفه الإيراني لتحسين شروطه في المفاوضات الأميركية - الإيرانية حول الملف النووي، وقال إن «حزب الله» قرر أن يجيّر فائض القوة الذي يتمتع به لمصلحة حليفه الاستراتيجي بري في رسالة واضحة إلى حليفيه الآخرين عون - باسيل.
ورأى أن تفاهم بري والحريري على عدم إعطاء الثلث الضامن لأي فريق في الحكومة وأن يعود للرئيس المكلف تسمية وزيرين مسيحيين يقوم على عدم تكريس عُرف جديد ينطلق من أن تتشكّل الحكومة من طبقتين؛ الأولى من 24 وزيراً إنما في الشكل، والأخرى من حكومتين واحدة للمسيحيين وأخرى للمسلمين.
ويغمز المصدر السياسي من قناة عون - باسيل بلجوئهما إلى الالتفاف على الدور الإنقاذي لبري الذي تمثّل بمبادرة الأول إلى إيداع البطريرك الماروني بشارة الراعي نسختين لتشكيل الحكومة لعرضهما على الحريري الذي يحرص على التواصل مع بكركي ويقدّر الدور الوفاقي الذي تلعبه، لكنه آثر عدم التعليق على هاتين التشكيلتين، وإن كان الراعي أخذ على خاطره، ويعزو السبب إلى أن الحريري ليس في وارد إحباط المبادرة التي يستعد بري لإطلاقها لئلا يُبدي رأيه فيها، ما يجيز لهما استخدامها للإيقاع بينه وبين بري.
ويضيف أن الحريري رفض التعليق على هاتين الصيغتين لمنع عون باسيل من توظيف رأيه للتشويش على بري وصولاً إلى فرض مشهد سياسي آخر للإيقاع بين رئيس المجلس والرئيس المكلف، ويقول إن باسيل أخذ يروّج لاستقالة نوابه من البرلمان، ظناً منه أنه يرمي المشكلة في وجه بري ومن خلاله «حزب الله»، مع أن أكثر من قيادي في حركة «أمل» يدعوه إلى حسم أمره باستقالة نواب «تكتل لبنان القوي» من البرلمان وبعده لكل حادث حديث بدلاً من التلويح بورقة الاستقالة.
لذلك فإن رد فعل بري يبقى معلقاً إلى حين أن يتبلغ الموقف الرسمي من باسيل ليبني على الشيء مقتضاه، فيما يؤكد مصدر مقرّب من رؤساء الحكومات السابقين بعد اجتماعهم بالحريري أن لا نية للأخير في الاعتذار عن تأليف الحكومة أو باستقالة نواب «المستقبل» من البرلمان، ويكشف لـ«الشرق الأوسط» أن الحريري باقٍ على موقفه ولن يرضخ للابتزاز، وبالتالي ضد استنساخ المعايير السابقة لتشكيل الحكومات لأنها تولَد «معطوبة» وعاجزة عن الإنتاج.
ويعتقد أن الوضع الراهن يرفض حكومات من الماضي بوجوه جديدة إذا لم نأخذ بالمواصفات التي وضعتها المبادرة الفرنسية لأنها تفقد ما يؤهلها للتوجه دولياً طلباً للمساعدة من جهة، وللتصالح مع اللبنانيين من جهة أخرى، وإلا الرضوخ لطلب الثلث الضامن الذي هو الوجه الآخر للتعطيل، يعني أن الحكومة مفخخة من الداخل ومعرّضة للسقوط في أي لحظة، وهذا بات يشكّل إحراجاً لباسيل بعد أن ارتدّت عليه كرة التعطيل رغم أنه حاول أن يتلطى وراء عون الذي أعطاه وكالة حصرية لتولي المفاوضات لعله يعيد تعويم نفسه وإن كان لا يزال يصوّب على الحريري لدفعه إلى الاعتذار.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.