قصتان قصيرتان

قصتان قصيرتان
TT

قصتان قصيرتان

قصتان قصيرتان

شرفتان
نفخت على زجاج النافذة بكسل لتصنع هالة من الضباب الأبيض، تحجب الرؤية عن بياض الثلج خارج نافذة الشرفة الخشبية المقفلة بإتقان ربات البيوت، اللواتي لا يخرجن إلا للضرورة الملحة. وكأنها تعاكس نفسها التي لا تستطيع البقاء يوماً واحداً دون أن تخترق شوارع مدينتها الصغيرة بحجة شراء أشياء قد لا تحتاج إليها فعلاً. كأن تكون مقلمة لقلم رصاص لا تستخدمه إلا قليلاً.
رسمت صورة قلب على ضباب زفيرها، خربشت بإصبع السبابة على القلب بخطوط ذات اليمين. وذات اليسار، ببطء، ثم بسرعة أقرب إلى الضجر أو إلى العصبية قصدا، لتجمّد أطراف أناملها. بدأ البرد بالدخول في يديها القريبتين من الزجاج، لم تحركهما. شرفتها تطلّ على الجانب الخلفي للعمارة حيث طريق ضيق للمارين باتجاه الشارع الرئيسي. لمحت امرأة تكاد تكون في الثلاثين من عمرها وهي تمشي جانب البناية تلبس قلنسوة طويلة من الفرو الأسود تناسب تماماً الصقيع الذي يغطي الأشجار المتلألئة بثلوج ليلة أمس، وكأنها ألماس وهي تبعث انعكاسات بين فينة وأخرى حين تضربها أشعة الشمس مخترقة الغيوم الثقيلة بجرأة، وتدفعها بقوة يائسة إلى الرحيل قليلاً عن السماء.
تتوقف المرأة كل بضعة أمتار راجعة إلى نقطة البدء. «بماذا تفكر؟» قالتها (ندى) لنفسها تزامناً مع رفع المرأة لنظرها إلى البناية وباتجاه شرفة الطابق الخامس حيث تقطن ندى. ارتبكت وعدّلتْ من خمارها الصوفي على ملابسها المنزلية الخفيفة وشعرت بالحرج من كشف المرأة لمراقبتها لها.
بينما هربت الأخرى بنظرها وكأنها خجلت مما قد تفكر راصدتها من علوها من كونها تمارس فضولاً في مراقبة الشرفات من تحت. أشعلت المرأة سيجارة ووضعت ظهرها بوجه البناية. تخيّلتها (ندى) تقول في سرّها «فقط دعيني وشأني، لا يهّمني لماذا أنتِ كسولة في البيت شعثاء بملابس النوم والساعة قد تجاوزت الحادية عشرة صباحاً، الأحرى أن تحركي بدنك المدلل في بيتك لا مراقبة الآخرين!».
ضحكت ندى من افتراضها هذا الرد، وبرفق تركت الشرّفة مع ضحكتها المكبوسة الإيقاع التي بدأت في التلاشي بسرعة لتتحول إلى ابتسامة ثم إلى تقطيبة نادمة للحاجبين مع نزول دمعة واحدة فقيرة، وكأنها نهاية بكاء. سمحت لخمارها بالسقوط بسلاسة على أرضية الغرفة المكومة بكتب ومناديل ورقية مستعملة كثيرة امتزجت مع قطع زجاجية متناثرة على ممشى قدميها، قرب ملابس خروجها، المتروكة بإهمال على الأريكة بعد عودتها ليلة أمس حين قال لها حبيبها أتمنى لك حياة سعيدة!
«برافوووووووو!» تبع صوت التهليل هذا تصفيق هائل وطويل من جهاز التلفزيون نبّهها تذكّرتْ أنّها لم تقفل الجهاز منذ الليلة الفائتة. بحركة حانية على جهاز التحكم أقفلت التلفزيون. وكأنها تعتذر عن تركه يعمل الليل كله. دفعت هيكلها بثقل على فراشها ثم سحبت الغطاء عليها وهي تتكوم على نفسها لتتدثر من برد الشرفة الذي بدأت تحسه الآن في جسدها. وبدأت تفكر بالمرأة التي أمام العمارة. أغمضت عينيها وكأنها تخاطبها وجهاً لوجه: «ربما قلقة بأن حبيبك خانك أو سيتركك - إذا كان حدسي صحيحاً - ستكونين بخير أكثر وبأمان، لا بأس عليك، ستكونين بعيدة بعد ذلك من كل هذا التوتر والقلق».

وجهان

تتفحّص وجهها في المرآة، تتلمّس خديها المليئين بآثار حبوب غائرة قديمة ببطء قلق، عاقدة حاجبيها كديدنها وكأنها تجمع حقد الساحرات الشريرات، شفتاها ترتعشان، وهي تقول بوضوح كأنها تُسمع أحدهم: أكرهكِ.
تتفحص وجهها ثانية في المرآة، تتلمس وجهها بأصابع حزينة لتقول بصوت أشبه بالأنين:
- آآآآآآآآآآآه يا نسيم! وجهكِ الجميل، قهقهاتكِ، عيناك المترفتان بالمرح، أنفك الصغير... شَعركِ الذي تتغنجين به... كلّها تستفزني! صوتك وأنت تردّدين «مشتاكييييييييين»، ابتسامتكِ الواسعة حين يقولون لكِ «اسم على مسمّى»...
في خضم تفكيرها، يهزها صوت الهاتف، ومن أجل أن تخفي توترها عن صاحبة الصوت الآتي ترد بصوت حنو: - نعم عزيزتي نسيم...!
- مشتاكييين آمال!
- وأنا أيضاً كنت أفكر بكِ حقاً!

* شاعرة وكاتبة كردية عراقية



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).