سائقة التاكسي الوحيدة في أفغانستان.. تتحدى السخرية والتهديدات

قررت خوض التجربة لإعالة 15 شخصًا من عائلتها.. وتعتقد أنها تبعث برسالة مهمة للمجتمع

سارة باهاي تقود سيارة الأجرة الخاصة بها في مزار الشريف بشمال أفغانستان (واشنطن بوست)
سارة باهاي تقود سيارة الأجرة الخاصة بها في مزار الشريف بشمال أفغانستان (واشنطن بوست)
TT

سائقة التاكسي الوحيدة في أفغانستان.. تتحدى السخرية والتهديدات

سارة باهاي تقود سيارة الأجرة الخاصة بها في مزار الشريف بشمال أفغانستان (واشنطن بوست)
سارة باهاي تقود سيارة الأجرة الخاصة بها في مزار الشريف بشمال أفغانستان (واشنطن بوست)

للوهلة الأولى، بدت سيارة «تويوتا كورولا» مثل أي سيارة أجرة (تاكسي) أخرى تجوب الشوارع الصخرية بالمدينة. في المعقد الخلفي، كانت هناك 3 نساء يرتدين البرقع الأزرق اللون، لكن في مقعد الأمامي بجوار السائق، كان يجلس رجل ملتحٍ من دون إظهار أي مشاعر، بينما كان الراديو يردد أنغام أغنية أفغانية عاطفية، لكن الشخص الجالس خلف المقود، بشعر أسود ووجه مستدير ووشاح رأس أرجواني، هو في الحقيقة امرأة حققت ثورة في عالم سيارات الأجرة الأفغانية بسيارتها رقم «12925».
إنها سارة باهاي، أول سائقة سيارات الأجرة في أفغانستان، ويُعتقد أنها الوحيدة التي تعمل في مثل هذا المجال في كل أرجاء البلاد. تبلغ سارة من العمر 38 عاما، وهي غير متزوجة وصريحة، في المجتمع الأفغاني الذكوري حتى النخاع، حيث يُنظر إلى المرأة نظرة مواطن من الدرجة الثانية، وغالبا ما تتعرض لسوء معاملة.
كل يوم، تخوض بعملها في بحر تجارة يسيطر عليها الرجال المحافظون، تتحمل بقوة النظرات المتفحصة، وألفاظ السخرية اللاذعة، وحتى التهديدات على حياتها. لا يستقل غالبية الرجال سيارتها، معتقدين أن النساء لا يصلحن لقيادة السيارة للرجال. لكن رغم ذلك، تكتسب باهاي من 10 إلى 20 دولارا في اليوم، كما تقول، وهو ما يكفي لتوفير تكاليف المعيشة لأقاربها البالغين 15 فردا، بينهم والدتها المريضة. فهي تعتمد على نقل النساء المكبلات بأغلال التقاليد والخوف، اللاتي يعشن «تفويضا» لأحلامهن بالحرية من خلالها.
في سيارتها، تختبر باهاي حدودها وقدراتها، الحقيقية والخيالية، حال اجتيازها للشوارع والطرق السريعة. ذات يوم، نقلت بعض الركاب إلى منطقة خاضعة لسيطرة حركة طالبان، عندما رفض كل سائق من سائقي الأجرة الرجال الذهاب إلى هناك. وفي يوم آخر، أقنعت أحد الرجال، الذي اعتقد، مثل كثير من الأفغان، أن الإسلام يحرم قيادة المرأة للسيارة، بأن معتقداته كانت خاطئة. ومع كل أجرة تتلقاها، تقول باهاي إنها مصممة على البعث برسالة إلى نساء أفغانستان مفادها: «غادرن منازلكن، اكسبن المال، ولا تعتمدن على الرجال». وتتساءل باهاي: «إلى متى يجب على النساء الاعتماد على دخل الرجال، وتلقي الأوامر منهم؟ إنني أريد لهن الاستقلال، وأن يصنعن شيئا لأنفسهن».
كان تحسين حياة النساء في أفغانستان من الأهداف الأميركية الرئيسية عقب انهيار نظام حكم طالبان في عام 2001. هناك الكثير من الفتيات الآن ممن يذهبن للمدارس، حيث بات الدستور الأفغاني يكفل الحقوق المتساوية للجنسين. أما من الناحية العملية، فلا تزال التقاليد القبلية والقيود الدينية تخضع غالبية نساء وفتيات الأفغان لسلطان الرجال. والقاعدة هناك هي التمييز بين الجنسين ومحدودية الوصول للفرص المتساوية. ولا تزال حالات العنف ضد المرأة مرتفعة بشكل استثنائي هناك.
ويخشى المسؤولون في الأمم المتحدة ونشطاء حقوق المرأة أن المكاسب الهشة التي اكتسبتها النساء تتعرض للتآكل المستمر، في ظل رحيل غالبية القوات الأميركية والدولية من البلاد، وعودة حكم حركة طالبان، والتخفيضات المتوقعة في المساعدات الدولية مع انتهاء المهمة التي تقودها الولايات المتحدة هناك.
اليوم، هناك نسبة قليلة للغاية من القدوة والمثل للمرأة الأفغانية. هناك وزراء ومشرعون من النساء، فضلا عن السيدة الأفغانية الأولى «العصرية» رولا غني. لكن معظمهن يأتين من عائلات غنية أو ليبرالية، ولا تتصل غالبية النساء الأفغانيات معهن.
أما باهاي، فتعيش في أفقر الأحياء بمدينة مزار الشريف الشمالية، حيث لا يوجد لديها مركز اجتماعي مؤثر أو عائلة قوية تساندها. كل ما تملكه هو بندقية صيد تحتفظ بها في سيارتها للدفاع عن نفسها. وفي كل يوم، تخوض غمار حياتها بين مختلف المواطنين العاديين، وتشجع المرأة المحلية مع كل راكب تنقله. وتقول عريفة صفار، رئيس شبكة المرأة الأفغانية، وهي مجموعة غير هادفة للربح تعمل على مساعدة النساء في محافظة بلخ الأفغانية حيث تعيش باهاي: «إنها تبعث برسالة مفادها أن الرجال والنساء متساوون في الحقوق. إذا كان باستطاعة الرجل قيادة سيارة الأجرة، فلماذا لا تتمكن المرأة من ذلك؟ لقد عبرت عن حقيقة أن المرأة يمكنها قيادة السيارة مثل الرجل تماما».
قبل عامين، التحقت باهاي بدورة تدريبية تؤهلها للحصول على رخصة لقيادة سيارات الأجرة. وكانت ضمن 30 طالبا آخرين كلهم من الرجال. وهربا من السخرية والنظرات، كانت تجلس خلف الصفوف. ذات يوم، كما تتذكر، قال لها أحد الطلاب إنه من الشائن للنساء أن يلتحقن بالدورة مع الرجال، وقال لها: «إذا كنتِ لا تشعرين بالخجل، فإنني أشعر بذلك مكانك». وبعد أسبوعين، اجتازت اختبار الطريق وحصلت على الرخصة. ولم يجتز الاختبار من الرجال إلا تسعة فقط. وفشل الطالب الذي كان يوجه لها الانتقادات.
لم يكن ذلك هو العائق الأول الذي واجه باهاي وتغلبت عليه؛ ففي أواخر التسعينات من القرن الماضي، قتلت حركة طالبان زوج أختها، وأُجبرت على رعاية شقيقتها وأولادها السبعة بعد وفاته. عملت باهاي لدى مختلف وكالات الإغاثة، لتدبر لقمة العيش لعائلتها. وقالت إنها لو تزوجت ما كان زوجها ليسمح لها بالعمل، و«ذلك هو سبب إحجامي عن الزواج»، مع ابتسامة خفيفة علت وجهها.
لا تسمح حركة طالبان للنساء بالعمل أو مغادرة المنازل من دون مرافقة من الرجال أو ارتداء البرقع. وكان ابن أختها دائما ما يرافقها. ولم يكن أقرب جيرانها يعلمون أنها تعمل، كما قالت. وبعد الإطاحة بحكومة طالبان، صارت باهاي معلمة في إحدى المدارس الثانوية، لكنها لم تتمكن من إعالة أسرتها من دخل المدرسة، ولذلك قررت الحصول على رخصة القيادة.
تطوع أحد جيرانها الرجال بتعليمها، لمدة 15 يوما، كيفية قيادة السيارة. وبعد بيعها قطعة من الأرض ورثتها عن والدها، تمكنت من شراء سيارة ركاب موديل «تويوتا كورولا» سوداء اللون.
وبدأت بنقل جيرانها من النساء اللواتي شعرن بقدر من ارتياح ناحيتها أكثر من السائقين الرجال. كما شجعنها على أن تكون سائقة لسيارة أجرة. وأحست باهاي بفرصة اقتصادية تلوح في الأفق. وفي اليوم التالي لحصولها على رخصة القيادة كان أول عملائها امرأة أصابها الذهول لرؤية باهاي تجلس خلف المقود، حينما طالبتها بجولة حول مدينة مزار الشريف. وعلى طول الطريق، صفق الأطفال وبعض الرجال وهللوا. وقالت باهاي: «كان يوما مثيرا بالنسبة لي».
لكن غالبية الرجال يرفضون استقلال السيارة معها. وفي موقف سيارات الأجرة، حاول المنافسون الذكور منع سيارتها أو منع الركاب المحتملين من الركوب معها. وفي نهاية المطاف، اعتادوا رؤيتها في الجوار. لكن رفضهم لوجودها مستمر. ويقول جان مير (40 عاما) سائق لسيارة أجرة: «لن أسمح لزوجتي أبدا بقيادة السيارات. يحظر على النساء قيادة السيارات. ليس من الأمور المقبولة في مجتمعنا. وإذا فعلنا ذلك، فسيتفوه الجميع بكلمات سيئة عن أسرنا داخل القبيلة».
لكن بعض الرجال من حي باهاي يرون درجة من الأمن لنساء أسرهم. ويقول محمد أكرم (50 عاما)، وهو رجل ملتح يجلس برفقة 3 من أقاربه النساء في سيارة باهاي في أحد الأيام الأخيرة: «إن وجود سائقة لسيارة الأجرة مثل وجود طبيبة أنثى. تشعر النساء عندنا بالارتياح عند الركوب مع السائقة الأنثى. إنهن يشعرن بالأمان».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



سيول: القضاء يصدر مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المعزول

متظاهرون يطالبون باعتقال الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول يحضرون تجمعاً بالقرب من المقر الرئاسي في سيول (أ.ب)
متظاهرون يطالبون باعتقال الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول يحضرون تجمعاً بالقرب من المقر الرئاسي في سيول (أ.ب)
TT

سيول: القضاء يصدر مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المعزول

متظاهرون يطالبون باعتقال الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول يحضرون تجمعاً بالقرب من المقر الرئاسي في سيول (أ.ب)
متظاهرون يطالبون باعتقال الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول يحضرون تجمعاً بالقرب من المقر الرئاسي في سيول (أ.ب)

أصدر القضاء في كوريا الجنوبية مذكرة توقيف جديدة بحق الرئيس المعزول تتيح للمحققين القيام بمحاولة ثانية لاعتقال يون سوك يول المتحصّن في مقر إقامته في سيول تحت حماية حرسه.

وجاء في بيان أصدره المحققون أن «مذكرة التوقيف الجديدة ضد المشتبه به يون صدرت بعد ظهر اليوم» بتوقيت سيول، بسبب محاولة إعلانه الأحكام العرفية لفترة وجيزة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

انتهت مهلة مذكرة التوقيف الأولى الصادرة في 31 ديسمبر (كانون الأول)، الاثنين عند الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش دون أن يتمكن مكتب التحقيق في الفساد من توقيف يون لاستجوابه.

والجمعة، حاول المحققون بمؤازرة الشرطة دخول مقر إقامة يون لاعتقاله لكنهم واجهوا نحو 200 جندي وعنصر في جهاز الأمن الرئاسي وتراجعوا بعد استحالة تنفيذ المذكرة القضائية بعد 6 ساعات من المواجهة التي شابها توتر.

وأعلن الحزب الديمقراطي المعارض أنه قدّم شكوى ضد الرئيس المؤقت شوا سانغ موك بتهمة «التقصير في أداء الواجب»، لأنه لم يفلح في منع جهاز الحراسة عن اعتراض «توقيف» يون.

وطلب الجهاز المكلف بالتحقيق مساء الاثنين من محكمة منطقة غرب سيول تمديد المهلة المحددة لمذكرة التوقيف.

عدم خبرة

وعزا يون بوك نام، رئيس جمعية «محامون من أجل مجتمع ديمقراطي»، فشل المحاولة الأولى لتوقيف الرئيس المخلوع في المقام الأول إلى افتقار مكتب مكافحة الفساد الذي لم يمضِ على تأسيسه 4 سنوات ويعمل فيه أقل من 100 موظف، إلى الخبرة، فهو لم يوجه اتهاماً إلى أي شخص حتى الآن.

وأوضح يون: «بطبيعة الحال، ليست لديهم خبرة في الاعتقالات، ناهيك باعتقال الرئيس»، مشيراً إلى أن «تعاون الشرطة ضروري».

ونشب خلاف بين مكتب مكافحة الفساد والشرطة حول دور كل منهما في عملية التوقيف، فقد تحدث المكتب عن افتقاره إلى الخبرة في هذا المجال ورغبته في تولي الشرطة مهمة تنفيذ المذكرة، وردت الشرطة بأن المسؤولية تقع على عاتق المكتب.

وأقر المكتب في نهاية الأمر بأن هذا الإجراء ضمن مهامه، في حين أكدت الشرطة أنها ستوقف حرس الرئيس في حال قاموا بعرقلة العملية ضد يون سوك يول.

يجري مكتب مكافحة الفساد والشرطة وإدارة التحقيقات بوزارة الدفاع تحقيقاً مشتركاً في محاولة يون سوك يول فرض الأحكام العرفية في الثالث من ديسمبر وإغلاق البرلمان بقوة الجيش.

وبرر الرئيس المحافظ المعزول الذي لطالما واجه عمله السياسي عرقلة من البرلمان ذي الغالبية المعارضة، هذا الإجراء لكونه يريد حماية البلاد من «القوى الشيوعية الكورية الشمالية» و«القضاء على العناصر المعادية للدولة».

اضطرّ الرئيس للتراجع عن خطوته المفاجئة بعد ساعات من إعلانها وتمكّن النواب من الاجتماع في البرلمان الذي طوّقته القوات العسكرية، والتصويت لصالح رفع الأحكام العرفية، تحت ضغط آلاف المتظاهرين.

معركة قضائية

عزل البرلمان يون من منصبه في 14 ديسمبر، ورُفعت شكوى ضده بتهمة «التمرد»، وهي جريمة عقوبتها الإعدام و«إساءة استخدام السلطة» وعقوبتها السجن خمس سنوات.

وتعهد يون، الأسبوع الماضي، في بيان، بـ«القتال حتى النهاية». وطعن محاموه في قانونية مذكرة التوقيف واختصاص مكتب مكافحة الفساد.

وأوضحوا أن القانون يمنح هذه الهيئة سلطة التحقيق في عدد محدد من الجرائم التي يرتكبها مسؤولون رفيعو المستوى، لكن القائمة لا تشمل جريمة «التمرد».

وبعد إصدار مذكرة التوقيف الأولى، خيّم أنصار يون ومعارضوه خارج مقر إقامته الرئاسي متحدين البرد، لكن قبل إصدار المذكرة الجديدة، تضاءل عدد أنصار يون بشكل كبير الثلاثاء، وفق ما شاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية في المكان.

وإذ عزل البرلمان يون سوك يول، ما أدى إلى كفّ يده عن مزاولة مهماته، فإنه لا يزال رئيساً بانتظار بتّ المحكمة الدستورية بقرار العزل بحلول منتصف يونيو (حزيران).

وتبدأ المحاكمة في 14 يناير (كانون الثاني) وستستمر حتى في حال عدم مثوله. وإذا صدّقت على العزل، فسيتم تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في مدة شهرين.