إيمان يحيى: الرواية وسيلتي للاتصال والتواصل مع المجتمع والناس

الفائز بجائزة «ساويرس» يرى أن الجوائز تمثل حافزاً تسويقياً للنشر

إيمان يحيى
إيمان يحيى
TT

إيمان يحيى: الرواية وسيلتي للاتصال والتواصل مع المجتمع والناس

إيمان يحيى
إيمان يحيى

فازت أخيراً رواية «الزوجة المكسيكية» لإيمان يحيى بجائزة «ساويرس» الأدبية. وكانت الرواية قد أثارت اهتمام المتابعين منذ صدورها. هنا حوار مع الروائي يحيى عن روايته الفائزة، وتناصها مع رواية «البيضاء» ليوسف إدريس، وتجربته الروائية عموماً، وتأثير الجوائز على عمل الكاتب وإبداعه:
> إلى أي مدى يمكن أن تؤثر الجوائز على توجهات الكاتب الأدبية والفنية؟
- الحصول على جائزة يجذب نظر القراء إلى الكتاب والكاتب، ولعل هذا أهم هدف من الجوائز. لا أنفي الحافز التشجيعي للكاتب لحصوله على جائزة، لذا سعادتي بالغة بحصولي على جائزة معترف بنزاهتها واستقلالية لجنة تحكيمها وعدم وجود ضغوط عليها. الجوائز تمثل حافزاً تسويقياً للنشر، لكنني لا أعتقد أنها تؤثر على آلية وفنية عمل الكاتب بشكل مباشر أو مؤثر، ربما عندما يحوز شكل روائي مستحدث جائزة ما، ويحدث انتشار لتقنيته يصبح ذلك حافزاً ينسج الكتاب على منواله.
> قلت عن رواية «البيضاء» ليوسف إدريس التي قمت بعمل تناصّ معها في روايتك، إن الخيال فيها واقع حقيقي... ما الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال في «الزوجة المكسيكية»؟ وكيف أفاد كل منهما الآخر؟
- رواية «البيضاء» رواية طليعية بامتياز، لم يتعاطف معها النقاد للظروف السياسية التي أحاطت بوقت نشرها. لم يستطع يوسف إدريس نشرها في كتاب سوى في بداية السبعينات. عندما قرأتها بعين محايدة رأيت فيها قفزة كبيرة في عالم الرواية المصرية لأنها تتعامل مع العوامل الداخلية النفسية للبطل عبر مونولوج طويل من أولها إلى آخرها، ناهيك بفكرة وجود بطل مهزوم، ليس إيجابياً كل الوقت. كل هذا جديد على الرواية المصرية والعربية. شاءت الظروف أن أصل إلى القصة الحقيقية المثيرة التي كانت وراء هذه الرواية، وشخوصها الحقيقيين، فانتهزت الفرصة وعبر تعدد الأصوات والظروف السياسية والاجتماعية نسجتُ رواية «الزوجة المكسيكية». إن الواقع أصيل في نسيج الرواية، ومليء بالتفاصيل التي تعقبتُها بدأب لسنوات طوال، لكن الخيال كما قلت أنت ممزوج بالواقع. وكم كنت مندهشاً عندما قابلت بعد صدور الرواية شهوداً على الأحداث أكدوا أن ما تصورته بخيالي حدث بالفعل شبيه له في الواقع. إنه حدس الروائي ومنطقية تطور المسار الروائي.
> من «سامنثا ديفيز» و«سامي جميل» إلى «يحيي» و«روث ريفيرا»، تراوحت الأحداث في «الزوجة المكسيكية»... ما الذي سعيت لتحقيقه؟
- الرواية عبارة عن روايتين: رواية إطار، ورواية متن! يتبادل فيهما الأبطال الأدوار. رواية الإطار تحكي ما لا يمكن أن يحكيه الأبطال المعاصرون للأحداث لأنهم لا يحيطون بالأسرار السياسية ولا بالأزمنة المستقبلية. قصة الأستاذ الجامعي و«سامنثا» بمثابة مرآة عاكسة للقصة الأصلية تأخذ فيها «سامنثا» صورة لشخصية «يحيى» القلقة، ولكن بشكل عصري، بينما يكون وجود الأستاذ الجامعي المتردد ضرورياً لشرح القصة الأصلية، والرواية أيضا تعكس الاختلاف بين الثقافات سواء بين الأستاذ والأميركية، أو ما بين «يحيى» و«روث». هي قيم تتصادم، وصراعات وتجاذبات. لعلها الحياة.
> أيضا في «الزوجة المكسيكية» حديث عن جماعة «كفاية» وشخصيات معروفة ورموز عالميين... كيف فكرت في وجود مثل هؤلاء وأنت تكتب عن قصة حب يسعى ناقد وتلميذته لكشف أسرارها وإثراء عالم الرواية؟
- الشخصيات التي تتحدث عنها جزء من صورة الواقع التي تجري به الأحداث، ولا يمكن اجتزاء قصة حب دون خلفياتها. قد يتراءى للبعض أن الحب وحده يكفي و لكنه يجري في مجتمع يموج بالتغيرات. كل الشخصيات التي ذكرتها كانت مؤثرة في الأحداث وكان العثور على خبايا وقائعها وتشابكها مع «يحيى» و«روث» مجهوداً إضافياً كبيراً على الروائي. مصر كانت في ذلك الوقت ثرية جداً بالرموز والشخصيات والصراع الاجتماعي والسياسي.
> تبدو تقنية الراوي العليم مسيطرة في فضاء الرواية، وهناك أيضاً تقنية استراتيجية تعدُّد الأصوات، حيث يتحدث يحيي بطل «البيضاء»، وغيره من الشخصيات... كيف ترى هذه المزاوجة بين التقنيتين؟
- بدايةً أتحفظ على سيطرة الراوي العليم، الرواية يرويها ثلاثة أشخاص أي إنها متعددة الأصوات، حتى الصور التي استخدمتها كانت من خلال رؤية تلك الأصوات لها. في أحد الفصول استخدمت رسالة دييغو ريفيرا إلى ابنته، وهذا طبعاً خيالي، ولكنه ممكن لأنه يعد رواية من جهة شخصية «روث». تقنية تعدد الأصوات تجعل الرواية أقرب إلى الواقع، وأكثر تركيبية وتعقيداً، وتُبرز الصراعات بشكل موضوعي. فالواقع معقّد، والحياة أكثر تركيباً وثراءً مما يظن البعض.
> في روايتك «الكتابة بالمشرط» أعطيت بعض شخصياتها أسماء ترمز لطريقة تفكيرها وتصرفاتها مثل «عامر النقلي» الطبيب الإخواني الفاسد و«علي شعارات»، ألا ترى أن هذه الطريقة في كتابة الأسماء يمكن أن تسطّح الشخصيات وتكشف مساراتها في الأحداث مسبقاً؟
- إعطاء أسماء معبّرة عن أشخاص أو مناقضة لجوهرهم تقنية استخدمها كثيراً أستاذنا نجيب محفوظ... رواية «الكتابة بالمشرط» عشتها بكل جوارحي، أنا بطل من أبطالها، وهي مرآة لطبيعة عملي كطبيب جراح وأكاديمي وكانت سلاحاً لي في صراع جامعي، وفي لحظة وجدت نفسي أعيش في رواية فعلاً، وتساءلت: لماذا لا أكتبها؟ وقد تعرضت لمواضيع لم تطرقها الرواية العربية. لأول مرة تدخل الرواية عالم المستشفيات الحقيقي، وغرف العمليات، وتفضح ما يجري في الواقع خلف الستار خصوصاً في مجالَي الصحة والتعليم الجامعي.
> في كتابتك احتشاد ورغبة في فضح الإرهاب ومنبعه الإخواني، ومحاربة التمييز ضد المرأة والأقباط، ومناقشة قضايا عديدة أخرى... ألم تخشَ من تأثيرها على فنية الرواية وتحويلها لمنشور سياسي؟
- الرواية بالنسبة لي وسيلة للاتصال والتواصل مع المجتمع والناس. ولا بد أن تهتم بهمومهم وهواجسهم الحقيقية. كلمة (احتشاد) تعبير عسكري تعبوي ينفر منه أي فن، المسألة هي كيف تستطيع بميزان من ذهب أن تمرر ما تريده من أفكار وقناعات دون أن تقع في خطابية أو تنفّر القارئ. جوهر المسألة ألا تجبر القارئ على تبني موقفك تحت تهديد السكين، ولكن كي تقنعه بسلاسة وبحرفية وعَبْر فن روائي، وإذا لم تقنعه فيكفيك تفهمه لما تكتبه. أعتقد أنني في الروايتين لم أقع في مطب الإنشائية والشعارات الفارغة. استخدمت تقنيات عديدة، تعدُّد الأصوات، والصورة واللوحة والملصق داخل النص، والخطابات المرسلة للأبطال، وكذلك الأمثلة الشعبية والأغاني العربية والأجنبية، حتى الروائح تستطيع أن تحسها في مواقف في النص. أيضاً التيمات الشعبية في مطعم الفول وعند بائع العرقسوس، كل تلك التقنيات واللمسات تعطي مذاقاً خاصاً ونكهة للرواية وتعصمها من الوقوع في الإنشائية.
> قارن بعض النقاد في «الكتابة بالمشرط» بين حالة «سعاد» الطبيبة الشابة بطلة الرواية التي تتعرض للاضطهاد من بعض زملائها وبين مصر كرمز... برأيك هل ثمة ما يدعم ذلك في الرواية؟
- في «الكتابة بالمشرط» هذه الرمزية موجودة، لاحظ أن في الرواية (سعادين): سعاد الشابة الطبية التي تقاوم اضطهاداً لاختيارها فرعاً مقتصراً على الرجال، وتعاني أيضاً من الأساتذة الكبار لأنها ما زالت مبتدئة. أما سعاد الأخرى، فهي طفلة اعتدى عليها جنسياً زوج الأم وسط سلبية من الأم، سعاد الطفلة ضحية المجتمع الذكوري أيضاً... وفي مشهد في الرواية تتوحد الاثنتان في المشاعر.
> استخدمتَ في «الزوجة المكسيكية»، كما في «الكتابة بالمشرط»، تقنية القطع والمونتاج السينمائي... تُرى متى يلجأ كاتب لهذه التقنيات؟ وما الشروط التي فرضتها في الكتابة الروائية لديك؟
- بالفعل استخدمت تقنية القطع والمونتاج السينمائي في الروايتين. لعل ولعي بالسينما في طفولتي وشبابي كان سبباً في ذلك. ربما لا تعلم أنني بعد تخرجي في كلية الطب تقدمت إلى معهد السينما لأصبح مخرجاً. ونجحت في الاختبارات وحال الموقف التجنيدي من التحاقي بالمعهد. التقنية السينمائية ملهمة للقارئ لأنها تعتمد على مشهدية مزدوجة، أن يرى القارئ أمامه مشهداً ويقوم بنفسه بتأويله، ربما ظهرت تلك التقنية بشكل ظاهر جداً في «الكتابة بالمشرط» لاستخدامها تقنية «الراوي العليم». هنا يستبطن القارئ المشاعر الداخلية للأبطال وما يدور في أذهانهم، أي إنه يخلق واقعاً موازياً خاصاً به للواقع المكتوب، وقد لجأت إلى هذه التقنية في «الكتابة بالمشرط» لأجعل الرواية أكثر موضوعية، خصوصاً أنني في الحياة العملية أحد أبطالها المتصارعين.
> تحكي «الزوجة المكسيكية» قصة حب وزواج غير معروفة بين يوسف إدريس وروث ريفيرا، كما تروي عن سنوات الخمسينات... إلى أي مدى يمكن أن تصلح الكتابة الروائية وسيلة لكشف خفايا تاريخ ما؟
- التاريخ نفسه راوٍ للأحداث، كلٌّ يروي من وجهة نظره، وإذا وضعت وجهات النظر بعضها إلى جانب بعض ستصل إلى الحقيقة التاريخية. أحد أنواع الرواية هي «الرواية التاريخية»، وأنا مولع بكتابة هذا النوع. وفي الحقيقة التاريخ دائماً يلقي بظلاله على الواقع المعيش والحاضر. من ضمن اهتماماتي كتابة الدراسات التاريخية، لذلك كنت عضواً لمجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية لدورتين متعاقبتين، ولي أصدقاء كثيرون من المؤرخين وأساتذة التاريخ. ولعل أقرب أصدقائي الذين أثروا في تكويني عالم التاريخ المصري البارز الراحل الدكتور رؤوف عباس.
> نتقل الرواية ما بين القاهرة وفيينا والمكسيك؛ وتروي عن أماكن وحياة لم يعد لها وجود... ما الذي قمت به لتستحضر هذه الأجواء؟
- بالفعل «الزوجة المكسيكية» تنتقل بين القاهرة والإسكندرية وفيينا والمكسيك، ولكي أنقل أجواء تلك الأمكنة، كان عليّ قراءة مئات الصفحات عنها، ورؤية صور عديدة لها في زمن الخمسينات، والأكثر من ذلك الغوص في الإنترنت لمحاول فهم الزمان وأبعاد المكان. المكان ليس أحادي الأبعاد، لكنه ذو أبعاد زمنية وثقافية ودرامية.
> لجأتَ في «الزوجة المكسيكية» لتقنية كتابة رواية على رواية... ألم تخشَ من سيطرة «البيضاء» على عالم السرد لديك؟
- أنا مغرم برواية «البيضاء» وأرى أنها لم تأخذ حقها. ولم أخشَ منها لسبب بسيط، أن روايتي تعتمد على تعدد الأصوات، و«البيضاء» تعتمد على صوت «يحيى». أحداث «الزوجة المكسيكية» مختلفة جداً عن أحداث «البيضاء»، تستطيع أن تقول إنها الأحداث الحقيقية، بطلة «البيضاء» اختفت وراء مونولوج «يحيى». وفيها نشعر بـ«يحيى» كشخص أناني لا يرى إلا نفسه بعد ارتباطه بسانتا، وفي «الزوجة المكسيكية» نرى «يحيى» في أنانية حبه وغيرته، وأيضاً نرى «روث» وكفاح المكسيك، والأهم نضال الشعب المصري من أجل الاستقلال والديمقراطية. هذا هو البحر الواسع التي تجري فيه قصة الزواج وقصة الأستاذ الجامعي وتلميذته.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».