حرب الـ11 يوماً... التي أعادت «حل الدولتين» إلى الطاولة

العالم يتحرّك من أجل خلاص شامل بينما تستعد تل أبيب وغزة لجولة قتال أخرى

حرب الـ11 يوماً... التي أعادت «حل الدولتين» إلى الطاولة
TT

حرب الـ11 يوماً... التي أعادت «حل الدولتين» إلى الطاولة

حرب الـ11 يوماً... التي أعادت «حل الدولتين» إلى الطاولة

عندما قصفت «كتائب القسام» التابعة لـ«حركة حماس» مدينة القدس الساعة السادسة مساءً في 10 مايو (أيار) الحالي، بعد تهديد لم يستمر سوى ساعات قليلة، دشنت الحركة ما يمكن أن نسميه عهداً جديداً في فلسطين وإسرائيل، واتضح لاحقاً أنه يؤسس لمرحلة جديدة، كان كثيرون يتوقون لها. لم يكن الأمر متعلقاً فقط بتحدي إسرائيل وكسب الجولة إعلامياً ومعنوياً، في وقت كان يعتقد فيه الفلسطينيون أنفسهم أنهم خسروا كثيراً وتراجعوا وتقهقروا وفقدوا زمام المبادرة.
لم تعرف «حماس»، وربما إسرائيل، أن حرب الـ11 يوماً المدمرة بينهما، وأخرجت السلطة الفلسطينية خارج السبق الشعبي، ستعود بالفائدة أكثر من أي كيان أو أحد على الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته التي لجأ إليها العالم من أجل حل أوسع وشامل، وليس مجرد حل جزئي في غزة سيقود حتماً إلى حرب أخرى واتفاق تهدئة جديدة، وهكذا، ضمن لعبة الدوران في حلقة مفرغة. إذ يمكن القول إن فكرة «صنع السلام» وفق «حل الدولتين» أصبحت ملحة أكثر ومخرجاً معقولاً لكثيرين بعدما طواها النسيان والتجاهل.
قبل أن تنتهي الحرب على قطاع غزة يوم 21 مايو الحالي، تحرّكت الولايات المتحدة، ومعها مصر وقطر والأمم المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي، من أجل وقف إطلاق النار، الذي جرى تثبيته، على قاعدة أن صنع السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو الحل الوحيد، عبر هدنة طويلة في غزة والضفة، بما فيها القدس، وليس مجرد عقد اتفاق هش جديد في غزة.
كان العالم كله قد تعلم الدرس، بأن الحرب ستجرّ هدنة ثم حرباً ثم هدنة وهكذا، من دون أن يتحقق شيء على الأرض... لا إعمار ولا رفع حصار ولا تنمية ولا هدوء في المنطقة التي تشهد أكبر كثافة سكانية في العالم، وستظل تشكل بالنسبة لإسرائيل عقدة تستعصي على الحل.
ليس العالم فقط، بل أيضاً إسرائيل - التي بدا في هذه الحرب أنها ضيّعت عمل 70 سنة، بعد مواجهات دامية في الداخل رآها القادة الإسرائيليون أشبه بحرب أهلية، وعمليات في الضفة، وصواريخ من غزة، التي كانت تصبو أيضاً إلى حل وتنمية وحياة عادية.
ومثلها، السلطة الفلسطينية - التي خرجت من فترة رئاسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مثخنة بالجراح، ومعزولة ومهمشة، تكاد تصل إلى طريق مسدودة في مشروعها السياسي - كانت تبحث عن استعادة الدور من جديد وإنعاش مشروعها الممدّد في غرفة العناية...
لقد منحت الحرب الأخيرة طوق نجاة للجميع إلا للذين قضوا تحت ركامها.
العودة إلى الحل القديم
لم تتلكأ واشنطن طويلاً، قبل أن ترسل وزير خارجيتها أنتوني بلينكن إلى المنطقة من أجل دفع مسار سياسي جديد. ولم يحتَج بلينكن سوى ليوم واحد في تل أبيب ورام الله من أجل الإعلان أن الأطراف متفقة على الحاجة إلى حل سياسي.
قال بلينكن، بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله هذا الأسبوع، إن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أقرّا بضرورة معالجة الأسباب الأساسية التي تشعل الصراع بينهما. وأضاف: «القادة على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بحاجة إلى إجراء تحسينات حقيقية في حياة الناس». ومن ثم، رحّب بلينكن باتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بعد موجة المواجهات الأخيرة بين الطرفين، مضيفاً أنه «يجب البناء على تلك التفاهمات للمضي قدماً لتتحرك الأمور بإيجابية».
وأقرّ الوزير الأميركي بأن «دوامة العنف الأخيرة هي انعكاس لقضايا مختلفة، ونرحب بوقف إطلاق النار، ولكن يجب أن نبني عليه لتتحرّك الأمور بطريقة إيجابية»، مضيفاً: «في النهاية، من الممكن استئناف الجهود لتحقيق حل الدولتين، والذي ما زلنا نراه السبيل الوحيد لتأمين مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، وبالطبع منح الفلسطينيين دولتهم حيث لديهم الحق في ذلك».
كان بلينكن يشير إلى هدف المهمة التي بدأها في تل أبيب ورام الله وعمان ومصر وفي مناطق أخرى مستعجلاً، بسبب الحرب التي دكّت تل أبيب ومناطق واسعة. في حين أكدت مصادر فلسطينية سياسية في رام الله لـ«الشرق الأوسط» أن الحرب على قطاع غزة «سرّعت من جهود دفع عملية سياسية جديدة في المنطقة»، وذكرت أن «الاتصالات ومباحثات وقف النار في قطاع غزة وفرض تهدئة طويلة الأمد، كانت جزءاً من خطة أوسع لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والوصول إلى اتفاق سلام».
وتابعت المصادر: «بوجود إدارة أميركية جديدة تريد استئناف عملية السلام، وبدعم دولي وإقليمي، كان يفترض أن تنطلق مثل هذه العملية، لكن ما حدث في القدس والحرب على غزة جعلا الأمر ملحاً أكثر، بل حتمياً». ومن ثم، أكّدت المصادر أن الاتصالات التي أجرتها واشنطن مع الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل مباشر، تركزت على وجوب «إطلاق عملية سلام للوصول إلى اتفاق شامل فلسطيني إسرائيلي... وليس مجرد الوصول إلى اتفاق مؤقت لوقف النار في غزة».
موقف محمود عباس
من جانبه، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد قال وسط الجهود المبذولة لوقف النار، إنه يريد «وقف العدوان، ثم الدخول في عملية سياسية جدية، وبمرجعية دولية واضحة، تفضي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، بما فيها القدس الشرقية عاصمتنا المقدسة». وجدّد عباس تمسكه بـ«مبادرة السلام العربية» التي أقرتها القمم العربية المتعاقبة منذ قمة بيروت عام 2002، نصاً وروحاً. أي تطبيق المبادرة من الألف إلى الياء، وليس العكس، ما يعني الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلت عام 1967 أولاً، ثم البحث في أي قضايا تخص العلاقة مع إسرائيل بعد ذلك، وليس العكس.
قال عباس: «نحن طلاب سلام، لا طلاب حرب»، ولكن لأول مرة لم يواجَه عباس بمعارضة (حمساوية) من أجل إطلاق مسار سياسي. إذ قال يحيى السنوار، قائد (حركة حماس) في غزة، الذي خرج متحدياً وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس في شوارع غزة بعد نهاية الحرب بعدما هدّد بأنه سيغتاله؛ إننا نفضل مقاومة الاحتلال بالوسائل السلمية، لكن إذا لم يتجاوب أو تمادى في إجرامه، فإن المقاومة ستردعه».
وشدّد السنوار على أن لدى العالم الآن الفرصة لإلزام الاحتلال بالقانون الدولي والاتفاقيات الدولية، لتصبح الفرصة مهيأة لهدنة طويلة الأمد. وأضاف: «إذا انسحب الاحتلال من الضفة الغربية وشرق القدس، وأقمنا دولتنا على جزء من أرضنا، فستكون الفرصة متاحة لتوقيع هدنة طويلة الأمد».
قطار جوي للمنطقة
وحقاً، من أجل الوصول إلى حل نهائي، لم تتحرك فقط الولايات المتحدة، بل تحركت أيضاً المنطقة العربية برمتها. ففي غضون 48 ساعة فقط وصل وزير الخارجية الأميركي ووزيرا الخارجية المصري والأردني للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ثم لحق بهما وزير الخارجية البريطاني. ودعت مصر السلطة و«حماس» إلى القاهرة «من أجل بلورة شيء ما»، كما قال بلينكن: «بعدما وصلنا إلى حيث يريد الجميع أن يكون، ألا وهو إنهاء العنف». وأردف: «أعتقد أنه من واجبنا جميعاً أن نحاول أن نبدأ في بناء شيء أكثر إيجابية. نحن ندعو إلى بذل مزيد من الجهود لتهيئة الظروف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإعادة إطلاق عملية سلام حقيقية».
مطلوب أكثر من الرغبة
ليس سراً أن إطلاق هذه العملية يحتاج إلى ما هو أكثر من رغبة الولايات المتحدة. ولذا يعمل الفلسطينيون مع مصر والأردن على وضع خطة تحظى بدعم عربي، ثم أميركي وموافقة إسرائيلية، من أجل إطلاق عملية سياسية جديدة في المنطقة تقود إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، ويجري خلالها فرض تهدئة واسعة في كل المناطق، الضفة والقدس وقطاع غزة، بما يشمل بدء إعمار القطاع.
هذا التنسيق بدأ فعلياً قبل وصول إدارة الرئيس جو بايدن إلى الحكم، واستمر بعد ذلك. غير أنه تكثف وأخذ منحى متسارعاً بعد الحرب على قطاع غزة، وإبداء الإدارة الأميركية رغبة في حل شامل يقوم على «حل الدولتين» لا مجرد حل جزئي في قطاع غزة. ولأجل هذا يجري تنسيق مكثف بين رام الله وعمّان والقاهرة يشمل كل شيء، ويقوم على وضع خطة لإطلاق عملية سياسية جديدة.
وفعلاً، أكد عباس هذا التوجه أثناء استقباله وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ووزير الخارجية المصري سامح شكري، قائلاً إن «القيادة الفلسطينية مستعدة فوراً للانخراط في مسار سياسي تحت إشراف اللجنة الرباعية الدولية، ينهي الاحتلال الإسرائيلي عن شعبنا وأرضنا، ويؤدي لنيل شعبنا الفلسطيني حريته واستقلاله في دولة ذات سيادة، بعاصمتها القدس الشرقية، على أساس قرارات الشرعية الدولية». واختصر الصفدي وشكري المسألة بقولهما إن «الوقت الآن هو وقت التنسيق والعمل وبذل كل جهد ممكن حتى إقامة دولة فلسطين المستقلة على كامل التراب، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية».
وقال شكري إن الجميع يعمل الآن «من أجل تحقيق الغاية بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67. وعاصمتها القدس الشرقية... هذا هو الهدف المشترك للدول العربية الشقيقة كافة، العمل بتنسيق كامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية لتحقيق ذلك».
وتابع: «نحن عملنا بكل جهد لاحتواء هذا الأمر مراعاة للشعب الفلسطيني، ولإعفائه من ويلات العمليات العسكرية»، مشدداً على ضرورة إيجاد الأفق السياسي الملائم للتوصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية: «نحن شهدنها هذه الدوائر المفرغة من العنف ومن التصعيد واستمرار الاحتلال دون آفاق سياسية لا تبشر بالاستقرار والأمن ليس فقط لفلسطين، ولكن للمنطقة بأكملها».
الإعمار... أكثر من مجرد إعادة بناء
الاستقرار الذي يتحدث عنه شكري شرط أساسي لإطلاق عملية إعمار في قطاع غزة. ورغم الدعوات الكثيرة لإعادة إعمار القطاع، وتأكيد الولايات المتحدة على التعاون مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة لدعم جهود إعادة الإعمار، لا يبدو أن ذلك ممكناً من دون اتفاق سياسي طويل. ومعروف أن إعمار القطاع الذي تنخرط فيه الولايات المتحدة ومصر وقطر والمبعوث الأممي إلى الشرق الأوسط تور وينسلاند، والاتحاد الأوروبي كذلك، بحاجة إلى جهة «شرعية» يتعامل معها كل هؤلاء، وهي السلطة وليست «حماس» من وجهة نظرهم. ثم إن عملية الإعمار بحاجة إلى اتفاق طويل ومؤكد إلى حد كبير، ويفضل العالم أن يكون مع جهة يتعامل معها.
وفوق ذلك، تسعى إسرائيل ضمن تغيير سياستها تجاه «حركة حماس» أن تتسلم السلطة الفلسطينية أي أموال ستذهب إلى غزة. ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش بيني غانتس، ووزير الخارجية غابي أشكنازي، أبلغوا وزير الخارجية الأميركي أن إسرائيل ستوافق على إعادة إعمار غزة فقط في حال تشكيل نظام دولي «يمنع تعاظم قوة (حماس) مجدداً». واستعرض أشكنازي أمام نظيره الأميركي خطة لإدخال مساعدات إلى قطاع غزة، بحيث يُفصل بين «مساعدات إنسانية أساسية، مثل تزويد الماء والكهرباء»، وبين إعادة الإعمار. وأردف أن إدخال المواد لإعادة الإعمار سيكون مشروطاً بإقامة نظام مراقبة بالتعاون مع الأمم المتحدة «للتأكد من الجهة التي يذهب إليها أي دولار وأي كيلو إسمنت».
وحقاً، تريد إسرائيل وجوداً مصرياً كاملاً في هذا النظام، وكذلك دور مباشر للسلطة الفلسطينية، باعتبارها ممثل الفلسطينيين، وليست «حماس».
التوجه الإسرائيلي هذا جزء من توجه أوسع أميركي ودولي، كذلك، باعتبار السلطة الجهة الشرعية التي يمكن للعالم أن يتعامل معها، ووجودها في غزة سيعطي ضمانات أكبر لهدنة طويلة. ويفترض أن تناقش القاهرة هذا الأمر مع «حماس» مباشرة، وبالفعل، ذكر المتحدث باسم «حركة حماس» حازم قاسم، أن رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية سيصل إلى القاهرة خلال أيام بعد دعوة مصرية من أجل مناقشة وقف النار وجهود إعادة الإعمار.
مصادر فلسطينية مطلعة قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «حماس» لم ترد أو تقرر فيما يخص موقف إسرائيل من تحويل أي أموال إلى قطاع غزة عبر السلطة، باعتبار أن الحركة قد تكون جزءاً من السلطة إذا ما تشكلت حكومة وحدة وطنية كما هو مخطط له. وأضافت المصادر: «في سياق اتفاق فلسطيني داخلي وشامل لن تمانع الحركة أن تكون السلطة عنواناً فلسطينياً ضمن آلية لإعادة إعمار القطاع... لكن ذلك ما زال مبكراً للاتفاق حوله». وهذا، رغم تأكيد المصادر أن هذا الملف كان جزءاً من النقاش بين الوفد الأمني المصري وقادة «حماس» في قطاع غزة.

هاجس الحرب الحاضر دائماً
> توجه العالم حول غزة، الذي عبّر عنه مفوض الأمن والسياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، بقوله إن الاتحاد لا يمكنه أن يواصل تمويل إعادة إعمار غزة، دون وجود احتمال إطلاق مسار سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين - يعني بشكل أو بآخر تعزيز مكانة السلطة قبل أي شيء. في حين كشفت جهات إسرائيلية أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية عبر تعزيز التعاون الأمني والسماح بتحويل الأموال إلى غزة عبر السلطة. وعلى طريق تعزيز السلطة، أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن عزم واشنطن على إعادة فتح القنصلية العامة الأميركية في القدس وتقديم 360 مليون دولار مساعدات للفلسطينيين. كما أكد بلينكن أن إدارة الرئيس بايدن ستقوم بتعزيز العلاقات الثنائية مع السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.لكن أثناء هذا الحراك الكبير تستعد «القسام» وتنجز مزيداً من الصواريخ لجولة أخرى من القتال في مواجهة إسرائيل؛ حيث أمر رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال أفيف كوخافي، جيشه بأن يكون على أهبة الاستعداد التام للرد على أي تدهور أمني واسع من غزة. وقالت «القناة 12» العبرية إنه حتى صباح الخميس هناك تقدير في تل أبيب أنه إذا لم يتحقق تقدم من خلال فرق التفاوض، قد تجد إسرائيل نفسها في جولة أخرى من القتال خلال الأسبوع المقبل، ولذا وُضِع الجيش على أهبة الاستعداد التام.

قطاع غزة... إحدى أكثر مناطق العالم كثافة سكانية
> في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد عن 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كيلومتراً مربعاً، وعرض يتراوح بين 5 و15 كيلومتراً مربعاً، يعيش في قطاع غزة أكثر من 2.05 مليون نسمة، بحسب آخر إحصاء رسمي. وهذا ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.
القطاع ينسب إلى كبرى مدنه... غزة. وفيه تبلغ نسبة الكثافة السكانية وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً في الكيلومتر المربع. ويشكل القطاع مع الضفة الغربية، وهي الجزء الفلسطيني الأكبر من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو (حزيران) 1967، الأراضي التي تسعى السلطة الفلسطينية لإنشاء دولة ضمن حدودها.
حالياً، يوجد في القطاع 44 تجمعاً سكانياً. أهمها؛ غزة ورفح وخان يونس وبني سهيلة وخزاعة وعبسان الكبيرة وعبسان الجديدة ودير البلح وبيت لاهيا وبيت حانون وجباليا. ويقول البنك الدولي إن القطاع يمثل الآن أسوأ اقتصادات العالم أداء، وفيه أعلى معدل بطالة في العالم، إذ يبلغ أكثر من 50 في المائة.
وكانت إسرائيل تعتقد أن تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية عام 1994 سيحوّل السلطة إلى شرطي حدود، وكان هذا بمثابة وهم جديد. إذ اضطرت إسرائيل لشن أولى عملياتها العسكرية، ضمن سلسلة عمليات ضد غزة بعد تسليم السلطة لها بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001، وهي التالية...
- في مايو (أيار) 2004، عملية «قوس قزح».
- في سبتمبر (أيلول) 2004، عملية «أيام الندم».
- في 2005. انسحبت إسرائيل فعلاً من قطاع غزة ضمن خطة عُرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب»، ولكن في 25 سبتمبر 2005 شنت عملية «أول الغيث» وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين.
- في يونيو 2006 عملية «سيف جلعاد».
- في فبراير (شباط) 2008، عادت من جديد لتنفذ عملية «الشتاء الساخن». وفي نهاية العام، وتحديداً في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، شنت إحدى كبرى عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية، هي «الرصاص المصبوب».
- عام 2012. عملية «عمود السحاب».
- عام 2014. حرب «الجرف الصامد» التي طالت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1000 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.
- في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 خاضت إسرائيل جولة قاسية مع «حماس».
- هذا الشهر، مايو (أيار) دخلت «حماس» وإسرائيل أحدث الجولات القتالية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.