بوتين وحلفاؤه يهنئون الأسد على «الفوز المقنع»

مطالب في تركيا بإعادة سوريين إلى بلادهم

TT

بوتين وحلفاؤه يهنئون الأسد على «الفوز المقنع»

حملت رسالة التهنئة التي وجهها، أمس، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى نظيره السوري بشار الأسد، إشارات تحدٍ لمواقف الغرب الذي رفض الاعتراف بنتائج الاستحقاق الانتخابي في سوريا، إذ تعمد بوتين اختيار عبارات لافتة، لم يسبق أن استخدمها في مخاطبة الأسد مثل إشارته إلى أن «نتائج التصويت أكدت بشكل كامل سمعتكم السياسية العالية وثقة مواطني بلدكم بالنهج الذي يمارس بقيادتكم لاستقرار الوضع في سوريا وتعزيز مؤسسات الدولة في أسرع وقت».
وأفاد الكرملين بأن بوتين شدد في رسالته على عزم روسيا «مواصلة تقديم مختلف أنواع الدعم إلى الشركاء السوريين في محاربة قوى الإرهاب والتطرف، وتقديم عملية تسوية سياسية وإعادة إعمار البلاد».
ومع كلمات بوتين، جاء بيان الخارجية الروسية حول نتائج الانتخابات، موجهاً أيضاً إلى الأطراف الغربية، إذ شدد على «الانتخابات الأخيرة تعد شأناً سيادياً لسوريا وخطوة مهمة في سبيل تعزيز استقرارها الداخلي، وننطلق من أن ضمان استمرارية العمل الطبيعي لمؤسسات الدولة على أساس قوانين الجمهورية يتجاوب مع مصالح السوريين كافة، لا سيما في ظل استمرار الصراع المسلح ضد الإرهابيين». وأوضحت الوزارة أنه «في هذا الصدد، نرى في التصريحات التي جاءت من بعض العواصم الغربية بخصوص عدم شرعية الانتخابات قبل إجرائها جزءاً من الضغط السياسي الغاشم بحق دمشق، ومحاولة جديدة للتدخل في شؤون سوريا الداخلية بهدف تقويض استقرارها».
وزادت أنه «لا يحق لأحد أن يملي على السوريين الموعد والشروط التي يتعين فيها عليهم انتخاب رئيس دولتهم».
وأعربت الوزارة عن عزم روسيا مواصلة اتباع «نهجها الثابت دعماً لسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، بالإضافة إلى تقديم مختلف أنواع المساعدات إلى هذا البلد من أجل إعادة إعمار البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية المدمرة، وإزالة العواقب الأخرى للنزاع الذي طال أمده». كما تعهدت مواصلة الجهود الرامية إلى «دفع عملية سياسية يقودها ويجريها السوريون أنفسهم، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254».
وكان لافتاً أن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، توقف في إيجازه الصحافي أمام «إنجازات الأسد في ولايته الرئاسية السابقة». وقال: «على ما يبدو، يكمن الإنجاز الأكثر قيمة في سوريا خلال السنوات الأربع - الخمس الأخيرة في أنهم استطاعوا، بدعم ملموس من بلدنا، تفادي وقوع كارثة وسقوط البلاد بأكملها بأيدي المتطرفين الإسلاميين والإرهابيين». واستبعد بيسكوف رداً على سؤال الصحافيين تنظيم لقاء قريباً بين الأسد وبوتين.
وفي السياق ذاته، بدا الارتياح الروسي بما وصف «الفوز المقنع» للأسد مسيطراً على تعليقات وسائل الإعلام الحكومية والبرلمانيين الروس، وقال سيرغي تسيكوف، عضو لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، «الأسد نال أكثر من 95 في المائة من الأصوات، هذا الانتصار المقنع، يتحدث عن دعم الشعب السوري لرئيسه».
وعكس الخطاب الروسي في التعامل مع نتائج الانتخابات قناعة لدى موسكو بأن «الاستحقاق الانتخابي، وبالرغم من أن نتائجه معروفة سلفاً لم يكن من الممكن تأجيله أو ربطه بمسار الإصلاح الدستوري، لأن هذا سيعني إحداث فراغ في السلطات ما يفاقم من صعوبة الأوضاع الداخلية»، وفقاً لما قاله دبلوماسي روسي لـ«الشرق الأوسط». وفي إشارة إلى بيان الكرملين والحديث عن ملفي إعادة الإعمار ودفع التسوية، قال الدبلوماسي إن موسكو متفائلة بأن المرحلة المقبلة ستشهد تحركاً أنشط بصرف النظر عن مواقف الغرب من الانتخابات، خصوصاً على صعيدي تنشيط علاقات دمشق مع عدد أوسع من العواصم العربية، وبدء التحرك بشكل جدي بالتعاون مع بعض الحلفاء لوضع ملف إعادة الإعمار على جدول الأعمال، فضلاً عن مواصلة عمل اللجنة الدستورية في إطار خطوات التنفيذ الكامل للقرار 2254».
وفي الإشارة إلى الحلفاء الذين تتطلع موسكو للاعتماد عليهم في دعم عملية تعويم النظام وإطلاق برنامج لإعادة الإعمار، حملت رسائل التهنئة التي قدمها أمس، عدد من شركاء روسيا السياسيين للأسد دلالات. إذ شددت الخارجية الصينية التي هنأت الأسد على استعداد بكين لمساعدة دمشق في الدفاع عن سيادة سوريا ووحدة أراضيها. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، إن الصين تدعم بقوة جهود سوريا لحماية سيادتها الوطنية واستقلالها وسلامة أراضيها. كما بعث الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، رسالة تهنئة مماثلة أعرب فيها عن اهتمام بلده بالمشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا.
وحصل الأسد على تهنئة من حليف آخر لروسيا هو الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي جدد دعم بلاده لسوريا، وقال إن الانتخابات «شكلت انتصاراً للسلام والسيادة الوطنية السورية على الحرب الشرسة المفروضة على الشعب السوري الشقيق». وأضاف أن «الإقبال الجماهيري على التصويت رسالة صريحة بالرفض الشعبي للأجندات المزعومة للقوى الإمبراطورية».
وأصدرت الخارجية الإيرانية بياناً قالت فيه إن «إجراء الانتخابات بنجاح والمشاركة الواسعة للشعب السوري هي خطوة مهمة في إرساء السلام والاستقرار والهدوء وإعادة الإعمار والازدهار إلى سوريا».
في المقابل، أحيت الاحتفالات التي شهدتها دمشق ومناطق سيطرة النظام السوري بإعلان فوز الأسد، مجدداً المطالبات في تركيا بإعادة السوريين إلى بلادهم. ودعت عضو المجلس التنفيذي لحزب «الجيد» القومي المعارض، إيلاي أكصوي، إلى ترحيل السوريين الموجودين في تركيا، بدعوى أن مناطق سيطرة الأسد آمنة والسكان فيها يحتفلون بالانتخابات. وتصاعدت مطالبات المعارضة التركية في الآونة الأخيرة بإعادة السوريين إلى بلادهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا، فضلاً عن المشكلات الاجتماعية التي بدأت تظهر بين السوريين والأتراك وتحول فئات كثيرة من المجتمع التركي إلى رفض وجود السوريين.
في سياق متصل، بحثت نائبة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، تطورات سوريا مع نظيرها التركي سادات أونال، خلال اجتماع بينهما بمقر الخارجية التركية، في أنقرة، مساء أول من أمس.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.